ثمة قضايا داخلية وخارجية تؤرق بوتين والنظام السياسي الروسي وهي تحديات تواجه روسيا الحديثة، فما زالت روسيا تمثل لأمريكا العدو الاستراتيجي ولذلك عملت امريكا والغرب على نفوذ اكبر لها في دول اوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق التي انفصلت عنه ابان انهيار الدولة السوفياتية في 26 ديسمبر عام 1991م وقبلها بيوم اعلن الرئيس السوفييتي الثامن في تاريخ اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية ميخائيل جورباتشوف استقالته والغاء مكتب الرئيس وتحويل سلطاته الدستورية الى الرئيس الروسي يلتسن وفي خلال ثلاث شهور من سبتمبر الى ديسمبر من نفس العام اعلنت جمهوريات الاتحاد السوفييتي بما فيها روسيا الانفصال عن الاتحاد السوفييتي وبالتالي تفكك الاتحاد السوفييتي الى 15 دولة مستقلة وانتهت دولة جمهوريات الاتحاد السوفييتي التي استمرت من عام 1922-عام 1991م وانتهت معالم الثورة البلشيفية والحزب الشيوعي, تلك الثورة التي بدأت من عام 1918 الى عام 1921 ضد قيصر روسيا وطبقة الاقطاع واسست لقيادة الحزب الشيوعي بقواعده الفكرية انجلز – ماركس – لينين استالين.
ومع انهيار الدولة السوفياتية وانهيار قوة ونفوذ الحزب الشيوعي والتطلع للدولة الغربية الراسمالية سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا عاد من جديد دور ووجود للكنيسة .
-على الصعيد الدولي احدث هذا الانهيار للدولة الاتحادية انتهاء الحرب الباردة بين حلف شمال الاطلسي ” الناتو ” وحلف وارسو ولم تعد مقومات الدولة الاتحادية السوفياتية ذات وجود في المنظومة الاقليمية والدولية وبالتالي حلفائها في منطقة الشرق الاوسط واوروبا وحركات التحرر المناهضة للامبريالية قد اصيبت باليتم واضعفت مما سهل حدوث متغيرات سياسية وتكوينية للنظام السياسي لتلك الدول وانجرافها نحو امريكا والغرب .
-على الصعيد الداخلي كانت ثمة عوامل للانهيار الداخلي قبل الخارجي للدولة السوفياتية من فساد وكبت وانهيار للاقتصاد وتحديثات غورباتشوف على هياكل الحزب الشيوعي بفكرة بيريسترويكا او البرايمرز واعادة بناء الاقتصاد الروسي .
الدولة الروسية واجهت عدة ازمات داخلية وهي بالتأكيد اقتصادية وان احتفظت الدولة الروسية بمخزون السلاح الاستراتيجي الذي يجعلها في نظر الغرب تمثل تهديدات للمنظومة الغربية وامريكا وان انفصلت فكريا وايديولوجيا عن الحزب الشيوعي ونظريات ماركس وانجلز وتشويه للقيادات التاريخية للحزب الماركسي اللينيني الذي قاد الاتحاد السوفياتي.
نبذه لابد منها ومقدمة ضرورية للوصول للعمق السيكولوجي الذي يؤثر على العقل السياسي الروسي والامني كذلك والذي يرسم المنظور الاستراتيجي لسياسات روسيا بقيادة بوتين وهو الضابط الامني الذي ما زالت تغوص في اعماقه امجاد الاتحاد السوفيتي كمكون اساسي وقطبي في المعادلة الدولية .
في تبادلية حكم روسيا بين مدفيديف وبوتين تكمن منهجية السياسات الروسية على الصعيد الداخلي والخارجي في حين ان فترة رئاسة مدفيديف كانت الاحرس على التعامل والانتماء للغرب والاهتمام ببناء الدولة داخليا والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية والتجارة المتبادلة مع الغرب والالتقاء في محطات سياسية مع امريكا والغرب بخصوص عدة ازمات دولية وكانت ابرزها موقف روسيا من ما يسمى الربيع العربي وحياديتها في مجلس الامن امام التدخل في ليبيا وسوريا وتحطيم بنية هذه الدول مقابل صفقات من الغاز وقضايا اقتصادية اخرى.
ففي عهد ميدفيديف اغفلت خطورة الاستراتيجية الامريكية والغربية على روسيا بالبعد الاستراتيجي وتهديد هذا المتغير الفوضوي على الامن القومي الروسي والذي قد يضع روسيا محل استهداف في محطات تالية اذا انجزت اهداف ما يسمى الربيع العربي ليتدحرج الى عمق اسيا واوروبا الشرقية والدول المجاورة والملاصقة لروسيا بل قد تكون موسكو محل استهداف في نهاية المشوار .
كان من الذكاء تقسيم الادوار بين مدفيديف وبوتين ففي حكم بوتين ظهر الدب الروسي وادرك ان الصداقة مع الغرب وامريكا مستحيلة بانفراد القطب الاوحد في العالم “” امريكا “” في مصير الكرة الارضية وانظمتها واقتصادها ” وشعرت روسيا بالخطورة من تلك الاستراتيجيات الامريكية وتهديدها المباشر للدولة الروسية وخطوات لتوسع نفوذ حلف شمال الاطلسي عبر الدول الملاصقة للدولة الروسية ونشر اسلحة استراتيجية في تلك الدول ….. اذن التحول في الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة الروسية لم يعفيها من ان تكون روسيا هي العدو الاستراتيجي للغرب .
امام هذه المفاهيم تحرك بوتين وروسيا للخبطة الاوراق وحسم بعض العناصر الاستراتيجية في القرم واوكرانيا وفي نفس هذا التحرك الاستراتيجي الذي اخذ خطوات تكتيكية يتجه الدب الروسي نحو سوريا مع تولد ظاهرة ما يسمى بالإرهاب وداعش ومحاولة ضرب سيادة الدولة ووحدتها في سوريا وهو ما يسهل تمدد ظاهرة الارهاب الى عمق اسيا بل سيصل للشيشان والدول الملاصقة لروسيا ، لقد تنبهت روسيا ماذا يعني انهيار الدول الوطنية في الشرق الاوسط في العراق وليبيا واليمن وسوريا ومصر وهي دول صديقة وحليفة للاتحاد السوفييتي تاريخيا.
كان لابد التحرك الفوري والمؤثر لوقف ما يسمى ظواهر ومظاهر وتفاعلات ما يسمى الربيع العربي ومن هنا افشلت روسيا وبوتين استراتيجيا نظرية الشرق الاوسط الجديد بوقوفها مع الدولة السورية وثقلها العسكري الان في طرطوس قاعدتها العسكرية في سوريا ونشر اسلحة استراتيجية من منظومات الصواريخ المتطورة ودخولها المباشر في المعركة في حلب وادلب وكل اراضي سوريا وفي نفس الوقت وجود روسي في البحر المتوسط والخليج وعقد اتفاقيات استراتيجية مع مصر وتواجد في البحر الاحمر وهذا يكمن في الاستراتيجية الروسية التي تخص الامن القومي الروسي ودخولها سياسيا ودبلوماسيا في حل الازمات العالمية والتي ان فشلت تلك المجهودات تحتم التدخل العسكري كما في سوريا ، ولقد اوضح بوتين سابقا “”” ان سقوط دمشق يعني سقوط موسكو “”.
عقدة روسيا وامنها القومي هي تاريخية تعود لامجاد الاتحاد السوفييتي وقوته ومؤثراته وان كانت تلك المدرسة تميل للمنهج الراسمالي الا ان العقلية الموضوعية والعاطفية لبوتين ما زالت تغوص في اعماقها ان الاتحاد السوفيتي سقط وافشل بسياسات امريكا والغرب تجاهه.
في لقاء لبوتين منذ ايام مع رئاسة وزارة الدفاع في منتجع سوتشي اوصى بتطوير الاسلحة الروسية قائلا :” :” نأخذ بعين الاعتبار في تصميم وتطوير منظومات أسلحة واعدة كافة الالتزامات الدولية التي سبق لها أن أخذناها على عاتقنا”.
وأوضح الرئيس بوتين : “يكمن هدفنا في أن نقضي بشكل فاعل على أي مخاطر عسكرية قد تهدد أمن روسيا، بما في ذلك المخاطر المتعلقة بنشر منظومة الدفاع الصاروخي الاستراتيجية، وتنفيذ فكرة الضربة العالمية الخاطفة، وشن الحروب الإعلامية”.
وتطرق بالقول: “سنواصل القيام بكل ما هو ضروري من أجل ضمان التوازن الاستراتيجي للقوى”، واصفا محاولات تغيير هذا النظام أو الإخلال به، بأنها “خطيرة للغاية”.
ولفت إلى أن هذا التوازن الاستراتيجي الذي قام في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات من القرن الماضي، جنب العالم اندلاع صراعات عسكرية كبيرة.
وأكد الرئيس الروسي أن بلاده تولي اهتماما خاصا بتصميم ما يسمى الأسلحة التي تعمل على أساس مبادىء فيزيائية جديدة، أي مبادئ لم تستخدم سابقا في صناعة الأسلحة، ومنها أسلحة ليزر، وأسلحة تعمل بواسطة موجات راديوية، أو بواسطة فيض جسيمات، وأنواع أخرى من الأسلحة الجديدة نوعيا.
وأشار بوتين إلى أن هذه الأسلحة تسمح بتوجيه ضربات دقيقة إلى أهداف عسكرية ذات أهمية محورية، ومنها منظومات أسلحة ومعدات قتالية ومنشآت من البنية التحتية التابعة للعدو.
وأضاف :” نأخذ بعين الاعتبار لدى تصميم وتطوير منظومات أسلحة واعدة، كافة الالتزامات الدولية التي سبق لنا أن أخذناها على عاتقنا”، مضيفا أنه :”للأسف الشديد يعمل البعض من الدول على إفشال الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقا، وعلى سبيل المثال الاتفاقات في مجال الدفاع الصاروخي.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو ستفعل كل شيء من أجل الحفاظ على توازن القوى الاستراتيجي في العالم، في ظل محاولات بعض الدول انتهاك هذا التوازن.
في هذا السياق وضعت البراجماتية الروسية خطة استراتيجية ومنذ عام ارتكازات استراتيجية للامن القومي الروسي تعتمد على عدة عناصر
– الابتكار وتحديث الجيش
– حل القضايا والازمات العالمية
– توثيق القانون الدولي في العلاقات بين الدول
– استخدام الطرق السياسيةوالدبلوماسية اولا لحل الازمات واستخدام الطرق القانونية وان فشلت فللقوة كلام اخر
– توسع حلف شمال الاطلسي الناتو على حدود روسيا يشكل تهديدا للامن القومي الروسي مما يجعل من المهم وقف هذا التوسع والتهديد.
وأخيرا صرح وزير الجيش الاسرائيلي ليبرمان في تعليقاته على النشاط العسكري الروسي في سوريا قائلا : بأن الجيش الاسرائيلي وتحركاته واسلحته اصبح مكشوفا للروس وهذا ما يقلقني ويزعجني.
سميح خلف