التراشق السياسي والإعلامي في ممالك الخليج
يكشف عن صراع الولاءات وعن توزيع أدوار العملاء
هذا تعليق سياسي على تصعيد التراشق السياسي والإعلامي بين الممالك الخليجية، الذي طفا على السطح: وعلى إثر ذلك، استقبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الأربعاء، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي وصل في زيارة قصيرة، لمحاولة تهدئة البيت الخليجي، بعد أيام على أزمة التصريحات التي نقلتها وسائل إعلام في الدوحة الأسبوع الماضي، أدلى بها الشيخ تميم وتضمنت إساءات لدول خليجية، وأكد فيها تطلع بلاده لتوثيق العلاقة مع إيران... وأكدت مصادر كويتية أمس، أن الكويت ستقود وساطة لحل الخلاف واحتواء الأزمة الخليجية (الحياة 1/6/2017).
ظهر القصف الإعلامي الذي تعرضت له قطر عبر المنصات الإعلامية الخليجية كأنه خلاف على الموقف من دعم حركات إسلامية، وكأنّ قطر منعزلة عن بقية دول الخليج، ففي الوقت الذي تموضعت فيه الإمارات وقنواتها الإعلامية ضد أي نفَس إسلامي، أُبرزت قطر كأنها تحرص على ديمومة واستمرار تلك الحركات. وبعدما فتحت السعودية بلادها ومنابرها للرئيس الأمريكي ترامب، ليجرّ أمراء الخليج ومعهم زعماء الدول القائمة في بلاد المسلمين كأنهم نعاج، وبعدما جنّدهم جميعا للاصطفاف مع الحرب الأمريكية المزعومة ضد (الإرهاب) يعني ضد الإسلام، ظهرت قطر كأنها تغرد خارج السرب الخليجي، وكأنها لا تخضع للسير في تلك الحرب لأنها تحتضن بعض القيادات الإسلامية، التي تصنفها أمريكا (إرهابية)، ومنها حركة حماس.
وخلال هذا التصعيد، برزت في الإعلام أخبار غزل سياسي بين قطر وإيران، وكأن إيران تصطف على النقيض من تلك الحرب الأمريكية على الإسلام، وهي التي تريق دماء المسلمين في الشام عبر جنودها وعبر مليشياتها الطائفية: ينتشرون على مقربة من كيان يهود فيديرون ظهورهم له بينما يدمرون سوريا، وكل ذلك حفاظا على إبقاء سوريا رهينة التبعية لأمريكا. إضافة لذلك فإن إيران تُسعّر الحرب الدموية في اليمن خدمة للأجندة الأمريكية في إعادة رسم مشهد الولاءات في اليمن بما يحقق لأمريكا اختراقا سياسيا فيه. لذلك فمن السخف الحديث عن اصطفاف إيران مع قطر ضد الأجندة الأمريكية.
وفي الحقيقة، إنه من السذاجة السياسية أن يتصدر بعض الإسلاميين للدفاع عن قطر أمام ذلك القصف الإعلامي، متناسين ارتماء قطر وأمرائها في أحضان يهود، ومتجاهلين ذلك التطبيع القطري مع كيان يهود المجرم، بل متعامين عن فتح قطر أرضها للقاعدة الأمريكية الكبيرة، وهي التي تفاخر فيها أمير قطر وذكّر بها في هذه الأزمة.
ولذلك فإن الفهم الصحيح لهذا التراشق السياسي والإعلامي بين قطر ودول الخليج أنه انعكاس لصراع المصالح الاستعمارية، وتجسيد لاختلاف الأدوار والولاءات السياسية، وقد سبق أن بين أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، جانبا من خارطة الولاءات والتجاذبات الخليجية، بما يوضح أن ما يجري ليس التقاء في المواقف بين الإمارات (ودول الخليج) وبين السعودية ضد قطر، بل هو توزيع للأدوار بين عملاء بريطانيا في صراعهم مع عملاء أمريكا ومشروعاتها في الخليج واليمن.
وقد بيّن أن "بريطانيا تقسم أدوار عملائها على نحو قد يبدو عليه التناقض، ولكنه في المحصلة يحقق أغراض الإنجليز، فهي لا تضع كل عملائها في جهةٍ واحدة خاصة في البلدان التي تتعدد فيه أوراقها، مثل ليبيا، فقطر تقف ضد حفتر وبجانب حكومة الوفاق الإنجليزية، والإمارات تُظهر أنها تقف بجانب حفتر وتسنده بقوة". وكذلك في اليمن، إذ ذكر أنه "في الوقت الذي تهدف السعودية إلى تشكيل ضغط فقط على الحوثيين تمهيداً للتسويات السياسية، تقوم الإمارات بحربهم على الأرض ودحرهم إلى الوراء"، وأن الإمارات تستغل التحالف للزج بقوات برية كبيرة في اليمن، وأيضا فإن "الموقف من المخلوع صالح يختلف، ففي الوقت الذي يستحكم العداء بين السعودية والمخلوع تتوارد الأنباء على أن الإمارات تدعمه".
وخلص إلى "أن الإمارات تدين للإنجليز بالولاء والتبعية المطلقة كباقي دول الخليج إلا في السعودية التي تسير مع أمريكا على عهد سلمان حاليا"... "وهكذا فإن التناقض الظاهر على سياستها إنما هو ناتج عن الخطوط العريضة التي رسمتها بريطانيا لها بدعم العلمانيين، ومناهضة الإسلاميين، وهي غير الخطوط العريضة المرسومة لقطر مثلاً، فضلاً عن أن الإمارات تقوم بتنفيذ سياسات خاصة وعميقة لبريطانيا، وأنها أي الإمارات كثيراً ما تعمل لبريطانيا في الخطوط الخلفية لعملاء أمريكا في المنطقة، وتقدم خدمتها لبريطانيا من تلك المواقع".
ومن ثم فإن بروز مواقف حكام الإمارات ومعهم أمراء الخليج وقطر كأنها على النقيض هو ترجمة للخبث البريطاني، حيث إن بريطانيا الضعيفة تساير أمريكا، "فتطلب من عملائها مسايرة عملاء أمريكا، لأن لهم في المنطقة اليد الطولى، وعملاء الإنجليز أضعف منهم، فلا تدفع بريطانيا عملاءها جملةً واحدة للاصطفاف ومعاداة عملاء أمريكا بشكل مكشوف إلا في بعض الحالات الخاصة كما تقوم به قطر." ومن هنا يمكن فهم التحرك الكويتي في إعادة مد الجسور أمام قطر لتفريغ ذلك الضغط السياسي الذي تجاوز حد السماحية وتسبب بانفجار إعلامي.
وأمام هذا المشهد المخزي من استنعاج حكام الخليج عموما أمام الغرب الاستعماري بشقّيه القديم والجديد، لا بد من استحضار المفهوم القرآني الأصيل حول الولاء للإسلام وأنصاره، والبراء من أعدائه ومن المتآمرين عليه، ومنهم الحكام المصطفّون ضد عودته كنظام حياة شامل: ﴿تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾.
بقلم/ د. ماهر الجعبري