تعبير رقم (1)

بقلم: رأفت حمدونة

تعد قضية الأسرى والمعتقلين من أهم وأبرز القضايا الفلسطينية التي تحظى باهتمام بالغ وعميق للقيادة والقوى الوطنية والإسلامية والشارع الفلسطيني عامة منذ العام ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعةٍ وستين، وحتى اللحظة، كونها قضية تأخذ أبعادًا متعددةً وطنية وأخلاقية وإنسانية وقومية ودينية، ولأن ما يقارب من مليون فلسطيني على مدار تاريخ الثورة الفلسطينية ذاقوا مرارة الاعتقال وظلم السجان.

ولازال يقبع في السجون ما يقارب من سبعة آلاف أسيرٍ وأسيرة في السجون ما بين أطفال وأسيرات ومرضى وكبار سن وأسرى عاديين موزعين على أكثر من عشرين سجنٍ مركزي ومعتقل ومركز توقيف وتحقيق.

وسعت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية كمؤسسةٍ تنفيذية مختصة بالسجون، بمعية خبراء في الهندسة البشرية والطواقم ذات النظم والهياكل المعقدة والمتخصصة والمدربة، بهدف تحطيم الروح النضالية والوطنية والمعنوية للأسرى والأسيرات الفلسطينيات في السجون بعد الاعتقال.

وسعت بكلّ الوسائل الممكنة وغير المشروعة قانونياً وإنسانياً إلى جعل السجون مقابر لهم، من خلال مجموعةٍ من السياسات، كممارسة التعذيب النفسي والجسدي، والعزل الانفـرادي، واستخدام الأساليب الردعية والمعاملة غير الإنسانية وغير الأخلاقية، والحصار الثقـافي، والتهديد بالعودة لبدايات الاعتقال الأولى، والتشويش الفكري، والاقتحامات الليلية والتفتيشات العارية، ومصادرة الممتلكات، والقتل المباشر، ومنع الزيارات، وتصاعد الاعتقالات الإدارية، ومنع التعليم الجامعي والثانوية العامة وإدخال الكتب، وسوء الطعام كمًا ونوعًا، وسياسة الاستهتار الطبي وغير ذلك من انتهاكات.

لم تستسلم الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة لمخططات إدارة السجون، فكانت الأقدر على قراءة الواقع من حيث حاجة الأسرى للمطالب والحقوق، ودراسة أوضاعهم من حيث القوة والضعف، ودراسة جميع البدائل وفق الإمكانيات المتاحة، والأهم اختيار وسيلة النضال الأكثر

تأثيرًا وأقل تكلفةً وأكثر ملائمةً في مواجهة السجان، تارةً بالخطوات التكتيكية وأخرى بالاستراتيجية، وبالوسائل السلمية والعنيفة، وبالحوارات والإضرابات والمواجهة وترجيع الوجبات، والحرب النفسية.

وبالكثير من التضحيات انتقلت الحركة الأسيرة من ضعف التجربة إلى الخبرة والقيادة، ومن العجز إلى الإعداد والريادة، ومن الاستهداف إلى الحماية والأمن، ومن غياب الكادر إلى إعداد القادة ، وتحقيق الانتصارات والعزة والكرامة ومعادلة الرعب مع طواقم إدارة مصلحة السجون، ومن ثم الوصول إلى حالةٍ حقيقية من الإبداع على كل المستويات التنظيمية والإدارية والثقافية والمالية والأمنية والخارجية.

واستغل الأسرى أوقاتهم بالجلسات الثقافية وبناء الهياكل التنظيمية والتعمق في العلوم والمعارف ودراسة تجارب حركات التحرر العالمية، والتعلم في الجامعات الفلسطينية والعربية والعبرية والدولية، وحصلوا على الشهادات، واهتموا بالثقافة التي كانت من أهم معالم الحياة الاعتقالية، التي صاغتها الحركة الأسيرة منذ نشأتها، وبرزت حاجة الأسرى لبلورة جوٍ ثقافي منذ بدايات تشكل نواة الحركة الأسيرة، من خلال ملء الفراغ الناجم عن اعتقالهم والاستفادة من الوقت، والإبداع في هذا الجانب هو محاولة نقل الوقت من نطاق سيطرة السجان إلى نطاق سيطرة الأسير، وكثيرة هي مظاهر الإبداع في السجون، ولعل أهمها تخريج القادة، المتمتعين بالخيال الواسع، وعدم الاستسلام للمشكلات، والتحلي بالصبر للوصول إلى الحلول بأقل التكلفة وأقل الإمكانيات، قادة يتمتعون بالانضباط الذاتي، و يميلون للاستشارة في اتخاذ القرار.

وحقق الأسرى الكثير من الانتصارات على إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية كان آخرها إضراب السابع عشر نيسان من هذا العام، والذي استمر واحدًا وأربعين يومًا متتالية بظروف قاسيةٍ وصعبة، وإجراءات قمعية من قبل الاحتلال لا تطاق، وأعادوا في إضرابهم الاعتبار دولياً لقضيتهم وقضية شعبهم، وحققوا الكثير من الحقوق الأساسية والإنسانية التي تأتى في سياق الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

وستبقى الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة قائمة لطالما بقى الاحتلال، وستظل قضية الأسرى توفيقية ليست تفريقية، ووحدوية وليست تقسيمية، وتحتاج منا الكثير من الجهد فلسطينياً وعربياً ودولياً على المستوى السياسي والاعلامي والقانوني والجماهيري حتى تحقيق حريتهم من السجون.

بقلم/ د. رأفت حمدونة