هزيمة حزيران .. ومقاومة مستمرة

بقلم: عباس الجمعة

وقعت هزيمة حزيران كالصاعقة المدمرة على نفوس ومعنويات شعوب أمتنا العربية التي لم تفترض أو تتوقع هذه الهزيمة عام 1967 ، بل على العكس من ذلك ، كانت معَّبأة عبر وسائل الإعلام بالتفاؤل الواثق بعفويته الصادقة،قد جرحت هزيمة حزيران النرجسية العربية في الصميم ووضعت الذات العربية وجها لوجه امام مأزقها التاريخي ، وكانت صدمة نفسية وعقلية بحيث ان النفسية العربية ابتدعت وسائل للتخفيف من آثارها النفسية والفكرية والحضارية المدمرة وعلى الرغم من مرور خمسون عاما على تلك الفاجعة الا اننا لم نعترف بها كما هي ، اعترفنا بجانبها العسكري وربما السياسي وتغافلت النخب عن جوانبها الاعمق والابعد واقصد بذلك المركب الاجتماعي والثقافي والنفسي والاخلاقي والحضاري ، ورغم هذه الهزيمة او النكسة ، كان الرد في معركة الكرامة وبعد هذا الانصار العربي المدوي عام 68 ، كانت هناك انتصارات و صمود ومقاومة وانتصارات وتراجعت ، ولكن اليوم اصبح عند بعض النظم العربية العدو صديق ، حيث التطبيع العلني يملأ النفس بالحزن والاكتئاب ، الا ان الصمود والعطاء والتضحية تصنع لنا المجد والعنفوان .

في ذكرى النكسة لابد أن نستذكر كل الدروس التي قدمتها لنا خلال خمسون سنة من النضال من أجل محو آثارها واستعادة أرضنا المحتلة، تلك الدروس التي أنتجها النصر أحياناً والفشل والهزيمة أحياناً أخرى، لكنها في المحصلة تتجمع في درس كبير يقول أن وحدة إرادتنا السياسية وأداة الفعل الوطني والقومي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الهدف الذي نجمع عليه ، من خلال التمسك بخيار المقاومة ودحر الاحتلال عن ارض فلسطين.

خمسون عاماً مرت على هزيمة حزيران عام 1967، اوما يسمى تجاوزاً النكسة، ورغم مضي كل هذا الوقت، لم تتراجع التحديات، والصعوبات، والمخاطر المحدقة بقضيتنا العادلة، والتي هي من أعدل قضايا العصر لأن حكومات الاحتلال المتعاقبة، لم تقم أي اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، ولم تألُ جهداً في انتهاج سياسة الإرهاب والعدوان، عبر القضم المتدرج للحقوق والأراضي الفلسطينية، إن يكن في القدس، أو الضفة الفلسطينية المحتلة والتنكر لحقوق شعبنا الثابتة في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة.

ففي ظل المشهد العربي الذي تعيش دُوَلُه وأنظمته حالةً غير مسبوقة من الخضوع والتبعية والاستبداد والتفكك والتخلف والصراع الطائفي والمذهبي الدموي ، تَحَوَّلَ ما سُمِّيَ بـ"الربيع" العربي إلى ربيعٍ أمريكيٍ إسرائيلي ، حيث يرقُص اليوم عدونا الامبريالي الصهيوني طَرَباً بهذا المصير الذي لم يستطع تحقيقه في كل حروبه السابقة ضدنا ، وما أحوَجَنَا في ظل هذا المشهد أن نستعيد وحدة شعبنا الذي يَئِن ويكتوي بنار الانقسام الكارثي الراهن

امام كل ذلك لا بد على المستوى الفلسطيني ان نَحمي ونصون الوحدة الوطنية بحدقات العيون في إطار التعددية والاختلاف الديمقراطي ، باعتبار أن الوحدة الوطنية هي أحد أهم شروط الانتصار على هذه الغزوة الصهيونية .. ونحن نعتقد أن وثيقة الوفاق الوطني –القاهرة- مايو 2011 تُشكِّلُ أساساً كافياً وصالحاً لاستعادة الوحدة ويمكن البناء عليها لتطويرِ المؤسسات عبر انتخابات ديمقراطية بما فيها بل وأولها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لتتعزز وتترسخ كمؤسسة وطنية جامعة باعتبار المنظمة ممثلاً شرعيا ووحيداً لشَعبِنَا في الوطن والشتات .

إن الوجع الفلسطيني يتعاظم يوماً إثر يوم، ومرارة اللجوء والتشرد علقم في أفواه كل الفلسطينيين في داخل الوطن أو خارجه، ولكن كيف يدفع شعبنا الفلسطيني باتجاه حقوقه العادلة والتاريخية التي تكفلها قرارات الأمم المتحدة، إن تجاوز قطوع الانقسام وصولاً للوحدة هو العنوان الأول والذي يعزز صمود الشعب الفلسطيني ويشد من أزره في مواجهة ما يستهدفه خاصة، وأن الحالة العربية والإقليمية، والدولية مشغولة بهمومها، ومشكلاتها، والتزاماتها المختلفة، نتيجة الهجمة الامبريالية الاستعمارية التي تستهدف وجودها من خلال عصابات الارهاب ، وامام خطورة ما رسمته قمة الرياض مع الرئيس الامريكي شكلا من أشكال تصعيد المواجهة السياسية والعسكرية في المنطقة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة العربية وتحويلها الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة، فإن مواجهة هذا المشروع يكون بمشروع نقيض له من حيث طبيعته، من خلال اقامة جبهة شعبية عربية مقاومة ، تحرر الثروة النفطية من السيطرة الخارجية، وتعيد بوصلة الصراع الى اساسها من أجل فلسطين .

أمام كل ما تقدم، يستفرد الاحتلال بالشعب الفلسطيني، ويصمد شعبنا في مواجهة التحديات والمخاطر، والصعوبات. كل وقائع الحياة والتاريخ تؤكد، إن المحتلين وإن تعاظمت قوتهم وجبروتهم، لم ينجحوا في اغتيال نضال وتاريخ الشعوب المقهورة، ودليلنا على ذلك، أن كل شعوب الأرض قد تحررت من محتليها، و(إسرائيل) هي الاحتلال الأخير في العالم، لذا بوحدتنا وصمودنا وحفاظنا على هويتنا الوطنية، نملك أسلحة صناعة حاضرنا ومستقبلنا.

إن مغادرة قطوع المناورات وادارة الانقسام، والتكتيكات المصلحية الفئوية الضيقة، أمر لم يعد يحتمل، لذا لا يمكن لأحد أن يختزل تاريخنا ونضالنا الوطني المشروع بحدود الحسابات الضيقة، فالوفاء لشهداء هبة ذكرى النكسة الذين رووا بدمائهم هضبة الجولان وعين التينة، فكانوا مشاعل التحدي والإصرار نحو مجدل شمس وعين التينة وقلنديا وغزة ليثبتوا أن فجر الحرية قريب وأن قضيتنا العادلة لا تخضع للمساومة وحقنا في العودة يأبى النسيان.

ان تعزيز المقاومة بكل أشكالها الشعبية والكفاحية في مكواجهة الاحتلال الذي يستهدف القدس ويقيم المعازل و يستمر في الاستيطان السرطاني في الضفة والحصار المفروض على قطاع غزة ، وبعد معركة الانتصار معركة الحرية والكرامة التي قادها المناضلين الابطال المعتقلين الذين يواجهون العدو في زنازين الفاشية والعنصرية الصهيونية وفي مقدمتهم المناضل مروان البرغوثي والمناضل أحمد سعدات، وفي ظل معاناةُ أهلنا اهلنا في مخيمات الشتات ، هذا يفرض على الكل الفلسطيني

التوقف امام ذلك والدعوة لمزيد من النضال لإنهاء الانقسام وتعزيز صمود أبناء شعبنا في مواصلة نضاله من اجل تحقيق أهدافه الوطنية .

لقد أثبتت انتفاضة القدس ومعركة الحرية والكرامة للاسرى بانهم امتدادا للهبات والانتفاضات الشعبية وخاصة هبة حزيران في الجولان ، هذا الانتفاضة المتواصلة مع الفعل الشعبي الثوري من أجل دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة ، لأن الشعب الفلسطيني ما زال ينبض بالحياة متشبثاً بجذوة المقاومة وحقه العادل الذي لا يخضع للمساومة.

من هنا نرفع الصوت عاليا في ذكرى النكسة، كفانا تقديم تسويات وتنازلات ، ويجب أن تبقى بوصلة النضال موجهة نحو فلسطين، وتأكيداً على استمرارنا بالمقاومة والنضال ضد الاحتلال ، فالشعب الفلسطيني يتوحد بالأهداف فرفع القبضات والهامات والحناجر ليهتف للحركة الاسيرة المناضلة ، كما هتف ويهتف أناشيد العودة والنصر والتحرير، وهذا يملي علينا جميعاً، انهاء الانقسام المزري وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني، بما يعزز قدرة شعبنا للتقدم والصمود وصولاً لتحقيق أهدافه الوطنية بالحرية، والاستقلال والعودة، التي لن تتحقق إلا بالوحدة والصمود والنضال والمقاومة.

ختاما : أن ذكرى النكسة تستدعي فهماً علمياً عميقاً لطبيعة صراعنا مع العدو الإسرائيلي، وهذا يتطلب وحدة القضية الفلسطينية ورفض تجزئتها إلى قضايا منفصلة والتعامل معها باعتبارها كلاً موحداً مترابطاً، وان الشعب الفلسطيني الذي توحد بالدم وقدم التضحيات سيبقى يحمل جذر القضية الذي سيبقى مشتعلاً ولن يطفئه إلا حصوله على حقوقه كاملة غير منقوصة في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم وبيوتهم.

 

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي