الأسرى والنكسة

بقلم: رأفت حمدونة

وثق المؤرخون الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة من العام 1967م في أعقاب هزيمة حزيران، واحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، وزجّ الآلاف من أبنائها في معتقلات الاحتلال وارتفاع عددهم بشكلٍ كبير، بحيث أصبحت حياة المعتقل ظاهرة بارزة في حياة الشعب الفلسطيني ككل، في أعقاب بلورة القواعد الأساسية وظهور الحركات والتنظيمات الفلسطينية وبروز الأعمال الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وللتأريخ فإن جذور الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة لا تنحصر بالعام 1967م بل تعود لفترة الانتداب البريطاني وحرب 1948 م ، ولكن الغالبية العظمى من المؤرخين والباحثين تناول قضايا الأسرى وظروف الاعتقال في أعقاب " نكسة حزيران من العام 1967م "، والتي حرصت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ البدايات على معاقبة المناضلين الفلسطينيين وإبقائهم في ظروف اعتقالية متدنية للغاية في تلبيتها للاحتياجات الإنسانية الأولية، فمع بدايات الاعتقال في العام 1967  تجرّع المعتقلون الأوائل مرارة سياسة استهدفتهم من أبواب كثيرة وطنية ونفسية واجتماعية وفكرية، فقد اتبعت حكومة إسرائيل في هذه المرحلة كل الأساليب الممكنة لأجل تحقيق هدفها في تطويع المناضل الأسير لإخضاعه تمهيداً لشطبه وطنياً وإنسانياً .

ومصطلح الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة يقصد به " جموع الأسرى والأسيرات الذين دخلوا السجون " وخاصة بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل إسرائيل عام 1967م إلى الآن، وهي تطلق على مجتمع الأسرى والأسيرات من الذين عايشوا تجربة الأسر ، وهى تشمل الأسرى والأسيرات كون أن إسرائيل اعتقلت منذ بدء احتلال فلسطين آلاف النساء من بينهن أمهات وقاصرات وكبيرات سن ، شاركن في المقاومة، ورفعن أصواتهن عالياً مطالبات باسترداد حقوقهن المغتصبة وأرضهن السليبة ، فساهمت المرأة الفلسطينية وشاركت بفعالية وعطاء في كل مجالات العمل النضالي الكفاحي، وامتشقت البندقية وقاومت وخاضت غمار الكفاح المسلح ، وتعرضت للاعتقال والإبعاد والإقامة الجبرية، وفي السجون خاضت الأسيرات العديد من النضالات والخطوات الاحتجاجية والإضرابات المفتوحة عن الطعام في سبيل تحسين شروط حياتهن المعيشية، والتصدي لسياسات القمع والبطش اللواتي تعرضن لها.

وللتوثيق فبدايات الاعتقال لم تكن تصلح للحياة الآدمية، وبعيدة كل البعد عن شروط الحياة الإنسانية، والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وضعت قوانين وقواعد لمعاملة الأسرى وقت النزاعات والحروب، ولم تكن تلك المعاملة عفوية أو نتيجة لظروف سياسية معينة بل كانت ممنهجة من قبل الحكومات الإسرائيلية وإدارة مصلحة السجون.

ووفق بعض التقارير فأسرى الحرية الذى بلغ عددهم ما يقارب من 6000 أسير وقت الحرب مروا في رحلة عذاب غير مشهودة ، واستخدمت بحقهم دولة الاحتلال أساليب تعذيب لا حصر لها مثل الضرب بالأسلاك الكهربائية على الأعضاء الجنسية، الاغتصاب، وضع الأسيرات مع جنائيات يهود ، واعتقال للعائلة ، والكي بأعقاب السجائر، وتعريض الرأس للتيار الكهربائي، ونتف شعر الرأس والشاربين، وخلع الأظافر، ، وكانت شرطة السجون تستلم المعتقلين بعد التحقيق وهم شبه أموات، وفي عدد من الحالات كانت نتيجة التحقيق الموت الفعلي ، أو ترك الآثار الجسدية والنفسية العميقة .

ولازالت آثار النكسة مستمرة في السجون ، وانتهاكات دولة الاحتلال متواصلة بحقهم بشهادات الأسرى المشفوعة بالقسم لحتى اللحظة بعد خمسين سنة من تجربة الاعتقال ، حيث منع الزيارات ، وسياسة العزل الانفرادي ، وتصاعد الاعتقالات الإدارية ،  وتواصل التفتيشات ، ومنع التعليم الجامعى والثانوية العامة  ، ومنع إدخال الكتب ، وسوء الطعام كما ونوعا ، والنقل المفاجىء الفردى والجماعى وأماكن الاعتقال التى تفتقر للحد الأدنى من شروط الحياة الآدمية ، وسياسة الاستهتار الطبى وخاصة لذوى الأمراض المزمنة ولمن يحتاجون لعمليات عاجلة ، واقتحامات الفرق الخاصة للغرف والأقسام .

بقلم/ د. رأفت حمدونة