خمسون عاما وخمسة إستنتاجات

بقلم: مصطفى البرغوثي

بعد مرور خمسين عاما على أطول احتلال في التاريخ الحديث، أو كما وصفه بعض الدبلوماسيين بالاحتلال الأطول في تاريخ الأمم المتحدة، وبعد حوالي سبعين عاما على النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، هناك خمسة إستنتاجات لا بد من توضيحها:

الإستنتاج الأول ،أنه رغم العدوان الإسرائيلي الشرس، وهزيمة الجيوش العربية، صمد الشعب الفلسطيني في وجه هذا الاحتلال، واصر على البقاء على أرضه ، مستلهما الحكمة من تجربة التهجير القاسية عام 1948 ، وبصموده فإنه صنع أهم إنجاز حققه حتى الآن،بخلق وجود ديموغرافي مقاوم ألحق الفشل بالمشروع الصهيوني الذي كان هدفه ترحيل السكان الفلسطينيين لاحلال اليهود الإسرائيليين مكانهم كما جرى في معظم اراضي 1948 من قبل.

ولا شك أنها مفارقة تاريخية أن يلد هذا الإنجاز الانساني من رحم الهزيمة العسكرية ، ولولاه لنجحت إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية.

الإستنتاج الثاني، أن كل حكومات اسرائيل من يسارها الى يمينها لم ولا تريد السلام ، بل أرادت احتلال كل فلسطين ونشر الاستيطان الاستعماري والذي تشاركت في انشائه وتوسيعه كل حكومات اسرائيل بغض النظر عن طبيعة الحزب الحاكم أو رئيسه . ولا فرق هنا بين جولدا مائير أو رابين أو بيرس أو بيغن أو نتنياهو أو شارون. كلهم عملوا لنفس الهدف، وجميعهم عارضوا وحاربوا حق الفلسطينيين في الحرية، وعملوا على منع قيام دولة فلسطينية مستقلة وحقيقية.

الإستنتاج الثالث، أنه لا سبيل لدى الشعب الفلسطيني سوى تغيير ميزان القوى لصالحه ، وان مفاوضات تجري بدون تغيير ميزان القوى هي دعوة للاستسلام، ولن تكون نتيجتها سوى أن تستخدم غطاءا للتوسع الاستيطاني ، وتجارب المفاوضات خلال ستة وعشرين عاما خير دليل على ذلك.

الإستنتاج الرابع، أن ما نواجهه كشعب فلسطيني غير مسبوق في التاريخ الحديث، فنحن نواجه نظام قمع معقد وأربع عمليات متداخلة في نفس الوقت:
أولا: التطهير العرقي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني عام 488.

ثانيا: الإستعمار الاحلالي الاستيطاني بمحاولة تهجير الفلسطينيين ووضع المستوطنين الإسرائيليين مكانهم.

ثالثا: الاحتلال الأطول في التاريخ البشري الحديث .

رابعا: تحول هذا الاحتلال الى منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري الأسوأ في تاريخ البشرية والتي تمس كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

الإستنتاج الخامس، أن الشعب فلسطين طوال هذه السنوات من الاحتلال لم يرضخ ولم يستسلم وقاوم هذا الظلم الاحتلالي والإستيطاني وما زال يقاومه وسيبقى يقاومه ويصر على حقوقه ،بما في ذلك حق العودة للاجئين الى ديارهم التي هجروا منها.

وخلال خمسين عاما خاضت اسرائيل عشرة حروب وواجهت ثلاث انتفاضات فلسطينية .

وهي تواجه اليوم كفاحا متواصلا يمزج بين المقاومة الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات على اسرائيل.

وبعد أن غدى عدد الفلسطينيين على إرض فلسطين التاريخية أكبر من عدد اليهود الإسرائيلين يبدو ان المشروع الصهيوني يرواح في مكانه إن لم يكن يتراجع للوراء ، رغم كل الجبروت العسكري والاقتصادي لإسرائيل، ورغم الدعم الأميركي اللامحدود لها.

ويبدو جليا كذلك أن قتل فكرة الدولة الفلسطينية بالاستيطان أو بالإتفاقيات الجائرة ، لن يلغي معضلة أن البديل الوحيد لذلك سيكون الدولة الديموقراطية الواحدة التي يتساوى فيها الناس بالحقوق المدنية والقومية.

ومحاولة تكريس نظام الأبارتهايد لن تؤدي الا إلى الإقتراب أكثر من حل الدولة الواحدة، ما دام الشعب الفلسطيني يرفض الرضوخ لمنظومة التمييز العنصري.

المهم، أن لا يسمح بتكرار خداع مماثل لاتفاق اوسلو الذي تميز بأخطاء أربعة فادحة تمثلت أولا في الاعتراف باسرائيل دون الاعتراف بفلسطين دولة ذات سيادة.

وثانيا الاعتراف باسرائيل دون تحديد حدودها.

وثالثا انه كان مجرد اتفاق جزئي انتقالي دون تحديد النتيجة النهائية فأصبح المؤقت دائما.

ورابعا أن توقيعه تم مع إيقاف الإنتفاضة الشعبية، ودون وقف الاستيطان الاسرائيلي أو الأفراج عن كافة الأسرى في سجون الاحتلال.

هناك حديث نبوي شريف ومثل شعبي يجدر بنا كفلسطينيين الاقتداء بهما: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" ، فلا مكان لمفاوضات واتفاقيات مماثلة لما فشل، والحق أقدح الأضرار بالشعب الفلسطيني.

والمثل القائل "أكلت يوم أكل الثور ألابيض" ، فقبول أي وصف لأي جزء من اجزاء حركة التحرر الوطني الفلسطينية " بالإرهاب" سيعني وصمها جميعها عاجلا أو آجلا بهذه الصفة، وفي تجربة الانتفاضة الثانية أكبر دليل على ذلك.

كما أن القبول بالتعاطي مع تهمة " التحريض" الكاذبة " سيعني أن كل دعوة للحرية أو الاستقلال او العدالة ستوسم بصفة التحريض.

وأكبر المحرمات كان وسيبقى المس بحقوق الأسرى والأسيرات الذين يمثلون أنبل مكونات شعبنا الفلسطيني.

ولن ينجح الإحتلال الإسرائيلي في إضعاف نقاط قوتنا ما لم نمس نحن بها.

بقلم د. مصطفى البرغوثي
 الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية