عشر سنوات على الانقسام الأٍسود تحمل في طياتها المآسي والأوجاع والمصائب التي ألمت ليس بمواطني قطاع غزة فحسب بل بالمشروع الوطني الفلسطيني الذي وصل إلى طريق مسدود رغم المحاولات الحثيثة لقوى الاستعمار كسر صمود وشرخ نضال الشعب الفلسطيني المتمسك بحقوقه الوطنية.
ظروف أنهكها الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وقهرها الانقسام البغيض الذي يكمل عامه العاشر على التوالي، مسلطاً سيف الأزمات اللعينة على رقاب سكان قطاع غزة، في محاولة لبعض الفرقاء سلخه عن المشروع الوطني الفلسطيني الذي هو أيضاً دخل مرحلة التيه والاغتراب السياسية.
إن الانقسام المدمر يتواصل ويتعمق ويأخذ أشكالاً عدة وفق تباين رؤى الفرقاء، فمنهم من يرى فيه وسيلة لتعزيز نفوذه ومكاسبه على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني مستفيدا من صراع المحاور والأوضاع الإقليمية الملتهبة دون مبالاة لحالة التدهور التي تعيشها المؤسسات الرسمية الفلسطينية والمخاطر التي تتهدد القضية الوطنية الفلسطينية، بل ويواصل اختلاق الحجج التي تعطل عملية التجديد الديمقراطي.
فصول الانقسام اللعين بدأت مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مستوطنات قطاع غزة في صيف 2005، وتلاها المطالبات الأمريكية للرئيس أبو مازن بإجراء انتخابات تشريعية في قطاع غزة والضفة الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة، والتدخلات الإقليمية لإشراك حركة حماس في العرس الديمقراطي الثاني للسلطة وتلاها اكتساح الحركة الأغلبية البرلمانية في نظام انتخابي فئوي أوصل حركة حماس إلى زمام السلطة ما أوهمها أنها السيدة على الشعب ويحق لها أن تفعل ما تشاء، وارتكبت الحركتين الكبيرتين "فتح وحماس" عمليات قتل وترهيب في صفوف الشعب، متوجاً في نهاية المطاف يوم الرابع عشر من حزيران يونيو بانقلاب الحركة الإسلامية على السلطة في القطاع والحسم على الأرض وإدارة شؤونه.
اللافت إلى أن العلاقات الفلسطينية الداخلية انحكمت بعد قيام السلطة الفلسطينية إلى توازنات جديدة، فبعد أن كانت فتح هي الأولى بين متساوين في إطار منظمة التحرير، تحوّلت إلى حزب حاكم – وإن تحت الاحتلال – يحتكر المال والسلاح والتمثيل السياسي الرسمي، إلى جانب تحكمه بمرافق الخدمات والتوظيف، وإمساكه بمفتاح بعض تسهيلات الحياة اليومية الشاقة مع سلطات الاحتلال. والعدوى نفسها انتقلت إلى حركة حماس بعد أن استولت بالانقلاب على مقاليد الأمور في قطاع غزة.
السلطة الفلسطينية بدورها تعاني من أزمة مركبة: فهي منقسمة على نفسها مؤسسياً وجغرافياً، وهي بيد حزبين حاكمين متصارعين ينفردان عملياً بها، ما يؤدي إلى تعميق سماتها البيروقراطية وممارساتها القمعية، ويقوى نزوعها إلى مصادرة الحريات العامة وميلها إلى قمع الحركة الجماهيرية، وصولاً إلى استخدام أساليب القمع المباشر كلما تتطلب الأمر، وإن كنا نميّز – بالدرجة ليس إلا – بين ما تعتمده السلطة في غزة والسلطة في رام الله، بالإسراف في استخدام القبضة الحديدية والتعاطي بشكل عام مع الحراك المجتمعي، مطلبياً كان أم ديمقراطياً.
فبعد عشرة أعوام على سيطرة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة، تعقدت الأمور وتغيرت قواعد اللعبة مع الأزمة الخليجية المتفاقمة بعد وضع الولايات المتحدة الأمريكية حركة حماس في قائمة الإرهاب مع تنظيم داعش والقاعدة والأخوان المسلمين، وبدأ الرئيس محمود عباس بتصفية حساباته مع "حماس" وفرض إجراءات غير مسبوقة ضد القطاع لإرجاعه لحضن شرعية السلطة الفلسطينية، الذي يعاني أوضاعاً مأساوية جراء ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وسوى ذلك من الأزمات، ومن بين إجراءات عباس القيام بخصومات على رواتب موظفي السلطة وقطع بعضها وتقليص الكهرباء المقدمة للغزيين إلى جانب دعوات "إسرائيل" إلى حل الأونروا، ما زاد القطيعة بين شطري الوطن وقطع كل سبل انجاز المصالحة الوطنية.
بعد عشر سنوات نحن بحاجة إلى تدخل العقلاء من أبناء شعبنا الفلسطيني للوصول إلى بر الأمان، إلى حضن الوحدة الوطنية التي تضمن تجميع عناصر القوة الكاملة للشعب الفلسطيني وتجديد مؤسساته الوطنية، في ظل الأزمات السياسية والحياتية التي تعصف بالحالة الفلسطينية، ما أحوجنا إلى الإسراع في الوصول إلى نهاية السواد وحالة الترهل والتيه السياسي الفلسطيني، لانجاز مهمات الثورة والمقاومة والشراكة الوطنية، مرحلة التحرر الوطني والاستقلال، عبر تحمل الجميع مسؤولياته الوطنية والتوقف عن تعطيل الاتفاقات العديدة لإنهاء الانقسام التي كان آخرها مخرجات قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت (10-11 كانون الثاني/يناير 2017) قرار تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة لتفكيك وإنهاء الانقسام والصوملة المدمرة، وبالتوازي قرار مواصلة اللجنة التحضيرية تجهيز قانون وآليات الذهاب للانتخابات البرلمانية والرئاسية لكل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بالتمثيل النسبي الكامل، ضماناً للشراكة الوطنية والبرنامج الوطني الفلسطيني الموحَّد.
هذا هو الأساس لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني والخروج من عباءة اتفاق أوسلو اللعين التي ما زالت السلطة الفلسطينية تلتزم به من طرف واحد والتي كان آخرها تنفيذ بعض تفاهمات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسن غرنبلات، بما في ذلك التوقف عن التوجه نحو المؤسسات الدولية لتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية نزولاً عند ضغوط الولايات المتحدة، تحت أوهام ورهانات المفاوضات العبثية، التي تستغلها "إسرائيل" للتصعيد والتحريض ضد شعبنا الفلسطيني وحقوقه وثوابته الوطنية.
بقلم/ وسام زغبر