جســـر الـى استــراليا

بقلم: نبيل عودة

كان مواظبا على الصلاة لربه، لا يقوم بخطوة دون ذكر الله، لا يستسلم لسلطان النوم دون أن يستعرض أفعاله وأقواله ذلك النهار، ثم يطلب المغفرة من ربه إذا ما تجاوز التصرف السليم، أو تفوه بما لا يليق بإنسان يخشى الله.

مسار سيرته كالمسك بشهادة أصحابه وأقاربه. يكرر شكره لربه على الخصال الحميدة التي زرعها في نفسه منذ بدء وعيه على الحياة.

في توسلاته للعلي القدير يستعرض دائما ما يعذبه من العلاقة ما بينه وبين زوجته المشاكسة، سائلا اياه ان يرد لها عقلها ويوقف لسانها عن الناس. لم تترك جارة تفلت من لسانها. كان أشد ما يخافه أن يتحمل وزر أعمالها ويحاسب بجريرة أفعالها يوم يقف للحساب أمام العلي القدير.

استشار الصالحين والأتقياء وذو اللحى الطويلة من أهل بلده، هل سيحاسب على أفعال زوجته؟ هل الزوج شريك رغم انفه بأخطاء الزوجة إذا عجز عن ردعها ؟ ما العمل لإعادتها إلى طريق الصواب؟

أجابه شيخ الحارة أن الشرع أتاح ضرب الزوجة المشاكسة لتأديبها، قال ايضا "ان عدم تأديب الزوج لزوجته هي خطيئة تحسب للزوج في يوم الحساب".

دخل الزوج بدوامة من الرعب ، كيف يضربها وهي شديدة البأس تخيف اكبر شنب في الحي؟

كان على علم أن رجال الحي يهابون لسانها وسطوتها عليهم ، لم تكن تتردد عند الضرورة للتعرض لهم وسط الحارة متحدية وجاهزة للمعركة، لكن من يجرؤ على منازلة امرأة  ومرمغة شرفه بالتراب؟

استعصى على فهمه  كيف تكون المرأة بهذه القوة والبأس والشراسة، ألم تخلق المرأة لتكون متعة للرجل؟ من أين لها هذه الطاقة على الشر؟ وهي بنفس الوقت كانت مرحة، مضيافة لمن لا يعترض على أحكامها، تُطمئن زوجها بأن لا يقلق على آخرته، لأنها ستشهد أمام الله لصالحه  وتتحمل لوحدها وزر أعمالها: "مع مخلوقات أشبه بالرجال، لا يسوى الرجل الواحد منهم بصاق  امرأة"، على حد تعبيرها.

شاهد ذات ليلة حلما، ظهر له فيه ضوء شديد القوة، لدرجة انه لم يستطع أن يرى أي ملامح من وراء هذا الضوء  وصوت مثل الرعد قال له "الله لا يخيب آمال أبنائه المخلصين  وسيستجيب لدعواتهم إذا طلبوا".

وقع في حيرة من أمره.. هل كان هذا حلما، أم صوتا حقيقيا؟ ربما وهما؟ كيف له أن يعرف؟ يقينه يقول له انه سمع صوتا حقيقيا.. هل حقا؟! قال لنفسه:" مهما كان، هي رسالة واضحة بأن الله لا ينسى أبنائه الورعين".

نهض فجر اليوم التالي سعيدا، شاعرا براحة نفسية لم تراوده منذ زمن طويل. شكر  ربه على رسالته الواضحة  التي تطمئن النفس وتعزز الإيمان .  كان واثقا أن ما سمعه هو إشارة مطمئنة للأتقياء من رب العالمين.

مجد الله في علاه  وقال وعيناه شاخصتان للسماء مخاطبا الله، أن له أمنية قديمة في نفسه  يرجو الله أن يلبيها بناء على وعده له ليلة الأمس.

يخيل إليه انه سمع صوتا يشبه الصوت الذي سمعه في النوم. قال له الصوت:

  - أنا أعرف صلابة إيمانك، حسن سيرتك، طهارة قلبك وعدم رضائك عن تصرفات زوجتك، لقد فحصت قلبك ووجدته نقيا من الشوائب، فحصت دماغك ووجدته خلو من الكراهية وأفكار السوء،  لذا قررت أن أمنحك أمنية من أمانيك، فتمنى أكثر ما ترغب به نفسك.

فكر بالعرض المغري وهو الإنسان الورع  لكنه تردد كثيرا. كان حائرا بين حقيقة ما يخيل له انه سمعه؟ لم يعد يعرف صحيحه من خطأه ويقينه من وهمه. خاف من أفكاره ان يكون فيها طرف من الخطأ وتجاوز لصحيح الإيمان. إذا كان ما سمعه حقيقة يجب أن لا تفوته الفرصة. كانت له رغبة في الابتعاد عن البيت والزوجة المشاكسة إلى مكان بعيد لترتاح نفسه ويستعيد صفو تفكيره وليجدد طاقاته، لعل هذا البعد يغير أيضا نفسية زوجته، فيصلح حالها.

  - أمنيتي أن ازور ابعد دولة عنا، تدعى استراليا، لكني أخاف الطيران خوفا شديدا لدرجة أن نبضات قلبي تتسارع إلى حد الخطر، أما البحر فيصيبني بدوار شديد، قد يفقدني رشدي. فهل تمد لي يا رب العالمين جسرا من ارض الحجاز المقدسة إلى استراليا، لأسافر بسيارتي  وأتوقف وقت الضرورة للقيام بواجباتي الدينية؟

أجابه الصوت، الذي يظن انه صوتا سماويا:

  - طلبك هذا مستحيل، هل تعرف كم تكلفة وصعوبة مد جسر فوق البحار ووسط المحيطات الهائجة، شق شوارع بالجبال وجسورا فوق الأنهر  من اجل شخص واحد؟ يا ابني العزيز فكر بأمنية أقرب إلى التنفيذ  وسأتركك الآن وأعود إليك غدا بعد أن تفكر بأمنية جديدة ومعقولة.

لم يتردد وسارع يقول، خوفا من أن يفقد هذه الفرصة الذهبية:

  - لي أمنية أخرى ؟

  - ما هي؟

  - أمنيتي أن أفهم نفسية النساء.. لماذا يغضبن؟ لماذا يضحكن؟ طريقة تفكيرهن بالحياة؟ ماذا يعني الزوج للزوجة؟ لماذا تفكر أن الرجل بلا مشاعر؟ كيف افهم عقليتهن؟ كيف افهم ردود فعلهن على ما يجري؟ لماذا تبكي المرأة؟ ما الذي يجعلها سعيدة؟ ما الذي يحزنها؟ ماذا تعني المرأة عندما تقول لشخص إنها تحبه؟ كيف استطيع إسعاد امرأة، ان أجعلها سيدة بيت مطيعة ومتفاهمة؟ كيف أقنعها أني حقا أحبها وأريد لها الخير؟ باختصار يا الهي أريد أن أفهم نفسية المرأة بشكل كامل!!

ساد الصمت بعد أن طرح أمنيته الجديدة، لدرجة انه ظن أن الله لم يسمع أمنيته أو تجاهلها. ترى هل يخل الله بوعده؟ أو أنه هو يعيش وهما؟ حلما؟ وما هي إلا برهة، قبل أن يصاب باليأس، حتى سمع الصوت من جديد:

-  قل لي يا ابني هل تريد الجسر إلى استراليا باتجاه واحد أم باتجاهين ؟

قصة: نبيــل عــودة

[email protected]