يعمدُ بعض الكتّاب استفزاز الجمهور ,و كسر المحظور, أو إنكار بعض الحقائق التاريخية أو مهاجمة الرموز الدينية أو العسكرية أو حتى الأدبية أو يتزلّفون للعدو بمباركة بعض الاتفاقيات التي تعاكس الشّارع وتخالف الرّأي العام وتؤلم الضمير الحي , سعياً خلف الشّهرة و لهاثاً منهم خلف الجائزة , وهذه طريقة ممجوجة رديئة منذ الأزل وهي تعيد للأذهان قصة بشار بن برد مع جرير, حيث كان ابن برد في مقتبل العمر, وفي بداية نظمه للشعر, ولكي يحصل على الشهرة الفورية و يسلك الطّريق السّريع للشهرة والأضواء , قام بهجاء الأخير لكن مساعي ابن برد لم تفلح و لم يعره جرير الشاعر الكبير أي اهتمام ولم يتنازل حتى بالرد عليه وفي هذا قال شاعر الدولتين ( هجوت جريراً فاستصغرني واعرض عني ولو أجابني لكنت أشعر النّاس ) . من منا كان يسمع أو يهتم بسلمان رشدي قبل كتابه ( آيات شيطانية ) والذي تطاول به على سيد الخلق والبشر محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والتي كانت للأسف من أشهر الروايات في تلك الأونة لكن شهرة الرّواية لم تأت من إبداع رشدي بل لتسببها في إحداث ضجة في العالم الإسلامي , ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قامت الملكة البريطانية في يونيو من العام 2007بمنح رشدي لقب فارس وكأنها تثني على جهوده في خطّ هذه الآيات العبثية , ولم تعر بالاً تلك الملكة الموقرة لما سببه هذا الكتاب من استفزاز مشاعر جميع المسلمين على صعيد العالم الإسلامي أجمع وقد أثار هذا الأمر ضجة جديدة . وفي نفس العام 1988والذي فاز فيه رشدي بجائزة ويتبيرد عن آياته الشيطانية, منح نجيب محفوظ جائزة نوبل للأداب والتي حاز عليها طبقاً لأقوال يوسف إدريس والذي أجاب عندما سئل عن تهالك توفيق الحكيم ونجيب محفوظ في تأييد خطوات السادات الاستسلامية ( لعل هؤلاء بادروا إلى تأييد كامب ديفيد بدافع ذاتي طمعاً في الحصول على جائزة نوبل للأداب ) أما يوسف إدريس المناضل الذي لايمكن ان نغفل مشاركته في حرب التحرير الجزائرية في العام 1961 حيث بقي لمدة ستة أشهر في الجبال مع الثوار الجزائريين الأبطال ومن ثم أصيب هناك وعاد لمصر بعد ان أهداه رفاق السلاح وساماً تقديراً لمشاركته الشجاعة الباسلة , فضلاً عن مواقفه الواضحة ضد اسرائيل في كتاباته ومقالاته و على طرفي النقيض مع كتابات نجيب محفوظ التي لم تتطرق لاسرائيل بأي إدانة بل تزلف الأخير لها عديد المرات على لسان أبطال رواياته وخاصة في رواية خان الخليلي حيث قالت حميدة لامها وهي تتنهد (حياة اليهوديات هي الحياة حقاً ) ورد في رواية المرايا كذلك حديث عنهن ممثلا في شخصية سعاد اليهودية (تلك الزميلة الجامعية التي عاشت في كليتنا عاماً واحداً لكنها بهرت خيالنا عهداً طويلا، كانت الزميلات عام 1930 قلة لا يتجاوزن العشرة عدا وكان يغلب عليهن طابع الحريم ، يحتشمن في الثياب ويتجنبن الزينة ويجلسن في الصف الأول من قاعة المحاضرة وحدهن و كأنهن بحجرة الحريم بالتزام في ذلك الجو المتزمت المكبوت تألقت سعاد وهبي وكأنها نجم هبط علينا من الفضاء كانت أجمل الفتيات وأطولهن و أحظاهن بنضج الجسد الأنثوي وعرف اسمها وجرى على كل لسان ونحتت له الأوصاف والأسماء ..وقيل أنها من حي اليهود ) في نفس الرواية تحدث عن شخصية عيد منصور الناجح لأن أباه كان تاجر عمارات عمل مع اليهود طويلا واكتسب الكثير من أساليبهم ومهاراتهم وقد قال( لولا الانجليز لولا اليهود ما كان لهذا البلد حياة ) ولايمكن إغفال مراسلاته مع الناقد الصهيوني سوميخ – وهو جنرال احتياط – والرسائل تلك كشفت عنها صحيفة "جيراوزاليم بوست" الاسرائيلية ونشرت صوراً عنها بخط نجيب محفوظ يعترف بها قبل أن تنشرها الصّحف الإسرائيلية فى رسالته تلك قال محفوظ لسوميخ أنت أفضل ناقد درس أدب نجيب محفوظ . أما بالنسبة لروايته المثيرة للجدل أولاد حارتنا تعتبر الرواية أكثرها وقاحة في تناولها للذات الإلهية فيتحدث بها عن ما سماهُ الظلم الإلهي الذي حلّ بالبشر وخصوصًا الضعفاء مما عطّل الصفات الألوهية عند الله مثل العدل أن أبطال القصة من الأنبياء بمحاولة منه لاستخدام الرمزية الواقعية ومن هنا لايمكن إنكار الموهبة التي تمتع بها نجيب محفوظ أو بشار بن برد أو حتى يوسف زيدان , لكن ننكر الأساليب الملتوية التي يتم تطبيقها للوصول للشهرة أو الجوائز العالمية , ولهذا لايمكن لأيٍٍ كان أن ينعت القائد البطل صلاح الدين بالحقارة وقد أشاد به الأعداء قبل الأصدقاء مثل ( ريتشارد قلب الأسد ) أو كبار الكتاب مثل دانتي صاحب الكوميديا الإلهية التي هي نسخة أخرى عن رسالة الغفران للمعري و الذي أدخل صلاح الدين الجنّة باعتباره قائداً عظيماّ.
. أوس أبوعطا شاعر وكاتب فلسطيني
المراجع
بشار بن برد محمد الطاهر بن عاشور
خان الخليلي نجيب محفوظ
الكوميديا الإلهية دانتي