الماء النجس لا يصح به الوضوء والتيمم بتراب الوطن من شيم الشهداء والشرايين المصطنعة الموبوءة تنقل الفيروسات وتقتل المناعة في كامل الجسد والحصار في حضن الوطن الواسع أفضل ألف مرة من إنفراجات حياتية عبر معابر أمنية ذات مشاريع سياسية تصيب المشروع المركزي الفلسطيني بالشلل والتشويه وقد تتسبب تبعاتها بحالة الموت السريري للوطن تفضي إلى اتخاذ قرار بفرض الموت الرحيم من أجل مصلحة و راحة من نصبوا أنفسهم أوصياء على هذا الجسد المنهك من تقصيرهم ونكوصهم وخذلانهم له في أحلك الظروف وهو يواجه جراثيم كونية تحاول القضاء عليه منذ سبعون عاما
تمر قضيتنا الوطنية بمنعطف خطير حيث تتناهشها المبادرات التمرية لتنتقص من حقنا الوطني لصالح المشروع الإستيطاني الصهيوني في فلسطين وتفضي إلى ضياع قضيتنا القائمة على مظلومية تاريخية ثابتة بالجرم المشهود على سرقة الوطن وسطو اللصوص الصهاينة مدعومين من قوى الإحتلال بريطانيا والسطوة العالمية ممثلة أمريكيا ليبسطوا إحتلالهم البغيض على أرضنا وسعيهم الحثيث إلى تهويد الأرض والمقدسات في محاولة لفرض وجودهم رغم بطلان الرواية الصهيونية وإنعدام الدليل التاريخي على ما يدعون من أوهام وتخيلات بحق مزعوم لهم في أرض فلسطين
الإنتكاسة الوطنية الفلسطينية متتابعة الفصول للأسف الشديد ليس أولها هذا الإنقسام البغيض بل تبدأ فصولها من فشل إدارة حرب المقاومة الشعبية في فترة السبعينيات من القرن الماضي في الدول الطوق والدخول في حالة إشتباك مع المكونات الوطنية في تلك البلدان مما أفشل الحاضنة العربية الشعبية لمشروع التحرر الفلسطيني الذي يرتكز في إستمرارية للعمق العربي والإسلامي حيث لا نغفل أننا نوجه من خلف إسرائيل قوى الإستعمار والإستكبار الغربي وهذا يتطلب منا حشد جهود الأمة قاطبة وللأسف أوجدنا حالة تضاد بين مشروعنا الوطني والمشروع العربي والإسلامي فكانت النتيجة أننا خرجنا من أهم معاقل الثورة الفلسطينية المرابطة على رأي العين من قدس الأقداس وتشتت شمل الثورة في بلاد المغرب العربي بعيدا عن جبال الجليل ونهر الأردن وجبال الضفة وكان ذلك من صنع أيدينا بلا شك في معظمه مع عدم تبرئه المتمرين على قضيتنا بكل تأكيد
وعندما شكلت الإنتفاضة الفلسطينية بارقة الأمل لإستعادة جذوة المشروع الوطني وإنبعاثه من جديد من قلب الأرض المحتلة مما أربك حسابات الإحتلال الصهيوني وأيقظ للصهاينة الكابوس الفلسطيني الذي يكشف الحقيقة ويفضح سرقتهم للأرض الفلسطينية وعادت القضية الفلسطينية كقضية حق وحرية وإستقلال ولم ينفع القمع الصهيوني لجموع المنتفضين وزاد ذلك من إشتعال الأرض الفلسطينية بالمواجهات والإشتباكات مع الإحتلال في عموم الأرض الفلسطينية ومن جديد تعيد المقاومة قضيتنا إلى صدارتها وحقيقتها وتكشف زيف الإحتلال وبشاعة جريمته
الا أننا كفلسطينيين لم نحسن إستغلال الثورة الشعبية وموجاتها المتعاقبة وتم إستغلال نورها الثوري لإضاءة سراديب التسوية مع العدو الصهيوني ولم تصمد الشعلة في أيدي المفاوضين أمام شدة الظلمة التي تسود في تلك السراديب السنة فكان التلوث لمسيرة ثورتنا هو المصير المحتوم مع إنعدام المناعة الوطنية في مواجهة القبح الفظيع التي أفرزته أوسلو النتنة ولعل أشد تلك الإفرازات خطورة التنسيق الأمني الذي أحال المقاوم الثائر إلى حارس أمن للمستوطنات الصهيونية وأصابنا التيه جميعا ولم تسعفنا الحقائق السوداء عن أوسلو ونهايتها البشعة في كامب ديفيد ورغم أن إنتفاضة الأقصى وحدتنا في الميدان وأثمرت إنجازا برحيل الإحتلال من قطاع غزة مدحورا بفعل ضربات المقاومة الباسلة الا أننا عدنا من جديد إلى مشروع الفرقة عبر متاهات السلطة القابعة تحت حراب الإحتلال وبساطير جنوده ولا يعقل أن تكون السلطة بهذا الحال مشروعنا الوطني الجامع فكان الفخ الإنتخابي لشق الصف الوطني فتقابلت المؤامرة الخارجية وتشابكات مع عقلية التفرد بالقرار وعدم الإيمان بالشركة الوطنية لذا البعض فأصبحت نتائج الإنتخابات كابوسا لذا العقول الفلسطينية الإقصائية القاصرة وكارثة لذا جهابذة جهات التمر الخارجية فكان الرفض لقرار الصندوق الإنتخابي واتخذ البعض قرار العمل عبر صندوق الرصاص لتغيير المسار السياسي الجديد فكان الإقتتال المدفوع الأجر من عواصم بعينها عربية وغربية وفشلت الفوضى الخلاقة والخمسة بلدي في إسقاط الخيار الشعبي وبسطت حماس سيطرتها على قطاع غزة وشنت عليها حروب ثلاثة لنزع سلاح المقاومة وترويض قطاع غزة بمباركة من القريب والبعيد
عشرة أعوام من الحصار لم تسقط راية غزة الشامخة رغم جراحها وجسدها المنهك لم تصرخ غزة ورفضت البوح بأوجاعها للغريب وكتمت أحزانها وقالت بصوت الشهداء الذي قضوا بالقصف الصهيوني وبهات الأحياء الذين أنهكهم الحصار الجائر وبصمت من رقدوا في المقابر من أوجاع الحصار جميعهم بنبرة تحدي قالوا متعبناش فما هذا التحدي الذي يسكن أهل غزة وهم يقفون في إصرار استثنائي لمواجهة الحصار الا لقناعتهم أن المستهدف من هذا الحصار الظالم هو مشروع المقاومة الذي يشكل خطرا مباشرا على مشروع الإستيطان الصهيوني في فلسطين فهذا الصمود لأهل غزة لم يكن من أجل راية حزبية أو خشية من بطش أو قمع فهذا الشعب العنيد الذي وقف في وجه أعتى قوى الإحتلال وترسانته الحربية قادر على الإنتفاض في وجه أي قوة داخلية أو خارجية تعتدي أو تمس أو تخدش كرامته الوطنية الا أن العقول القاصرة التي لا تؤمن بالشراكة الوطنية لم تتلقى تلك الإشارات من الصمود الشعبي وعدم إنهيار المجتمع الغزي أمام سيل المؤامرات والأزمات وسعت نحو لغة التهديد مجددا وبلهحة تصعيدية مستخدمين على غير عادتهم منابر الجمعة لإنذار أهل غزة بإجراءات غير مسبوقة كان خرها الطلب من الإحتلال الصهيوني قطع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة وقد وافقهم الإحتلال على ذلك لأن يسعى لمزيد من الفرقة والتشرذم في الصف الفلسطيني ويسعى لقطع أي حبال للتواصل الوطني الفلسطيني وهناك يظهر الغباء السياسي لقادة ووزراء ومسؤولي المقاطعة في رام الله بالإستعانة بالإحتلال في حصار أهل غزة وتأزيم حياتهم بمزيد من الأزمات بدلا من تقديم الحلول والمعالجات التي تخدم أهل غزة كافة بألوانهم السياسية المتنوعة وهم بهذه الإجراءات يسجلون أول خطوة بإتجاه فصل قطاع غزة ويعملون على سلخه عن باقي الأرض الفلسطينية كوحدة إدارية وسياسية واحدة ألا يعلم حكام المقاطعة في رام الله أنهم بذلك يهدمون مشروعهم القائم على المطالبة بدولة في حدود السادس من يونيو 1967 م وهم بتلك القرارات يشاركون جرافات الإحتلال التي تقتلع أشجار الزيتون بالضفة تمهيدا لإقامة المستوطنات التي تقوض حل الدولتين التي تنادي به قيادة السلطة
لا ألوم حماس على توجهها نحو الخيار الدحلاني حيث يشكل هذا التيار الأمني جزء رئيسي من حالة الإنقسام وطرف أساسي في الإشتباك الداخلي في عامي 2006 م 2007م وهي بذلك تقول أنها تريد إنهاء الإنقسام مع طرفه الرئيسي دحلان وتسعى معه لإتمام المصالحة المجتمعية في قطاع غزة في حين عطلت السلطة ورئيسها الكثير من إتفاقيات وتفاهمات المصالحة الفلسطينية على مدار عشرة أعوام وكان خرها التنكر لإتفاق الشاطئ الذي نص على دمج حكومتي غزة ورام الله في حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد لله ولكن على حماس أن تكون أكثر حذرا فيما يتعلق بإرتباط الرجل الأول محمد دحلان للتيار الأمني المنقطع الصلة بحركة فتح بدوائر وسياسات لدول إقليمية ودولية ويسوق نفسه كرجل المهمات الصعبة فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية وفقا للرؤية الأمريكية والمبادرات العربية بما يضمن قبول الكيان الصهيوني كجزء من المنطقة وتطبيع العلاقات الكاملة عربيا وإسلاميا
وأعتقد أن حماس في لقائها من تيار دحلان ومرجعيته الخليجية المصرية تعمل على مساحتين مهمتين الأولى التخفيف من حدة الحصار على قطاع غزة الذي أصبح الرئيس عباس شريكا واضحا في إحكامه على أهل غزة والمساحة الثانية حفظ المقاومة كمشروع وطني وقاعدته المركزية البشرية والمادية في قطاع غزة من مخاطر أي تدخلات خارجية بحجة محاربة الإرهاب كما يأمل وينادي الكيان الصهيوني عندما هلل وفرح للمطالبات العربية لقطر بطرد قادة حماس من أراضيها
الا أن الإنفراجة التي يروج لها بعد لقاء حماس وتيار دحلان بالقاهرة ليست بالمولود الطبيعي فلسطينيا حيث أن التيار الدحلاني لا يمثل حركة فتح بالكامل ولا يملك مشروعنا سياسيا بل أن تحركاته مرتبطة مباشرة بسياسات الممولين له وعلينا الخشية من فرض الحلول التصفوية عبر مشروع الدولة البديلة في قطاع غزة وأجزاء من سيناء التي تردد مؤخرا ويجب أن لا نغفل عن معركتنا المركزية ضد الإحتلال في القدس والضفة المحتلة ورغم أن الحاجة الإنسانية في قطاع غزة ملحة وضرورية الا أن الإنتباه واجب واليقظة مطلوبة خشية من إنتكاسات جديدة في مشروعنا الوطني تنعكس سلبا على قضيتنا الوطنية
في السياسة ليس هناك شيء ثابت ها هي حماس تتوجه لخصمها اللذوذ من أجل مواجهة الحالة السوداوية التي أصابت المشهد السياسي الفلسطيني والعربي فلماذا لا تقدم السلطة نحو خصمها السياسي حماس للإتفاق على إتمام المصالحة الفلسطينية الشاملة بدل من إجراءات العقاب الجماعي لأهل قطاع غزة ووقف الإرتهان للخارج وللوعود الوهمية التي لا تمنح حقوق ولا تصنع دول
وعلى حركة فتح والسلطة أن تعي الأمور والتطورات المتسارعة وتعمل بمسؤولية وطنية عالية وتبسط سيطرة حكومة التوافق على قطاع غزة عبر ضم موظفي غزة للسلم الوظيفي للحكومة تنفيذا لإتفاق الشاطئ وتعجل من حسم أمرها في إقرار الشراكة الوطنية كعقيدة سياسية ثابتة والتأكيد على الشراكة الحقيقية في المسيرة الوطنية بين كافة مكونات الشعب الفلسطيني وأطيافه وإعادة ترتيب منظمة التحرير وعقد المجلس الوطني والإنتخابات الشاملة لإختيار قيادة وطنية وحدوية جديدة تقودنا إلى مشروع وطني جامع من أجل إنجاز مشروعنا التحرري.
بقلم/ جبريل عوده