لم تكن الساحة الفلسطينية منقسمة على ذاتها مثلما هي الآن، إذ تجاوز الانقسام مدة عشرة اعوام وهو ما زال يؤشر الى وضع مقلق للغاية، لأننا نمر بمرحلة خطيرة على المستوى الدولي وشديدة الحساسية على المستوى الإقليمي، في وقت نحتاج فيه إلى تماسك فلسطيني ـــ فلسطيني يمكن أن نتجاوز به الظروف المعقدة في ظل إدارة أميركية جديدة وغطرسة إسرائيلية معتادة ووطن عربي ممزق ومثخن بالجراح في سورية واليمن وليبيا والعراق وفي غيرها من الدول العربية، ومن هنا ما زال الموقف الفلسطيني يشكل نموذج بعدم الدخول في التجاذبات العربية والدولية ، الا ان التصريح الاخير لبعض قادة السلطة الوطنية شكل خروج عن الاجماع الوطني الفلسطيني، لاننا نتطلع الى حماية القضية الفلسطينية بعيداً عن الأزمات العربية، مع حرصنا على الحوار السياسي الجدي بعيداً عن التشنج ، والتاكيد على الموقف االفلسطيني برفض التدخلات بالشؤون العربية والوقوف الى جانب الشعوب العربية في مواجهة القوى الاستعمارية والارهابية ، والابتعاد عن الاصطفافات الإقليمية و المحاور، فما يلزمنا تجاه أي طرف هو قربه أو بعده عن قضية فلسطين، والعمل على تربط ما بين القضية الفلسطينية وعمقها العربي، وعلى الصعيد الدولي تعزيز العلاقات مع القوى الصديقة ارتباطاً بكون نضال الفلسطينيين جزء من نضال احرار العالم ضد القوى الامبريالية التي تدعم دولة الاحتلال باعتبارها اداتها في المنطقة التي تعمل على استمرار تقسيمها وتفكيكها ونهب ثرواتها.
من هنا امام هذا الواقع لا بد من وحدة الموقف الفلسطيني لمواجهة الاحتلال وسياساته المتسارعة التي تحاول اضعاف قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود من خلال الضغط للعودة الى مسار المفاوضات الثنائية بالمرجعية الامريكية التي تشهد محاولات في ظل إدارة ترامب للهبوط بسقف الحقوق الوطنية الفلسطينية بأقل من المشاريع الدولية بحرفها البوصلة عن العدو المباشر إلى بعض القوى الإقليمية بالإشارة لإيران، لاستكمال تنفيذ مشاريع الاحتلال، وقطع الطريق أمام الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه بالعودة وتقرير المصير واقامة دولة مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس.
وفي ظل هذه الظروف نرى انشغال العديد من الدول العربية بأوضاعها الداخلية نتيجة التطورات والاحداث الجارية فيها، وهذا أدى موضوعياً الى تراجع أولوية القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية المركزية للأمة العربية، وعزز من ذلك الابتعاد عن المحيط العربي الشعبي في معالجة القضية الوطنية الفلسطينية واقتصارها على العلاقات الرسمية التي تتحدد العلاقة فيها على طلب توفير الدعم السياسي ، فضلاً عن الدعم المالي الذي يتأرجح،هذا الواقع العربي الذي تبدلت فيه الأولويات ولو مؤقتاً، حيث تعمل حكومة الاحتلال على استغلاله، واعتبره يشكل فرصة تاريخية لاستكمال الاستفراد بالحالة الفلسطينية وتنفيذ مشروعها الصهيوني على الأراضي الفلسطينية بدون ردود مؤثرة، وذلك من خلال تسريعها عجلة الاستيطان ومصادرة الأراضي، واستكمال بناء جدار
الفصل العنصري، وتهويد القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني، والتعدي الممنهج على المسجد الأقصى لخلق حقائق تفرض شراكة المسلمين فيه كما هو الحال مع المسجد الابراهيمي في الخليل كخطوة أولى، وتعطي صدقية في كون المسجد قد أقيم على انقاض الهيكل المزعوم.
ان حالة الانقسام التي وقعت منذ عشر سنوات اثرت على قدرة الشعب الفلسطيني في الصمود أمام مخططات الاحتلال وأضافت أعباء متزايدة عليهم شملت انعدام توفر فرص العمل، واتساع دائرة البطالة التي شملت عشرات الآلاف من خريجي الجامعات، وارتفاع نسبة الفقر في قطاع غزة إلى ما يقرب من 40%، فضلاً عن تفاقم مشكلة الكهرباء والمياه، والتلوث التي تشير تقارير الأمم المتحدة على انها ستجعل من قطاع غزة مكاناً غير آمن للعيش والحياة فيه مع حلول العام 2020، مما يزيد الوضع تعقيداً وصعوبة يتطلب معالجة مسؤولة للسياسات والقوانين التي انهكت المجتمع.
الانقسام الفلسطيني اتى في ظروف اراد فيها البعض الخروج عن الصف الفلسطيني ووضع ملفاته في خدمة مشروع الاسلام السياسي والاجندات الخارجية للسيطرة على السلطة، وهنا لا بد من التشديد على هذه النقطة بالتحديد لان البعض حاول أن يصور الانقسام على أنه نتاج خلاف سياسي، علماً أن الساحة الفلسطينية لم تخلو في يوم من الأيام من الخلاف السياسي لكنه لم يؤدى إلى انقسام في النظام السياسي الفلسطيني .
وامام كل ذلك سعت كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الى انهاء الانقسام من خلال الحوارات التي جرت في القاهرة والشاطئ والدوحة واليمن ومكة ، ومع الاتفاقات التي وقعت في كل من مكة والقاهرة والدوحة، الا انه للاسف سعى البعض الى تعطيل تنفيذ الاتفاقات رغم التوقيع عليها ، بالرغم من الادراك ان الانقسام قد اثر سلباً على القضية الفلسطينية وعلى مكانتها عربياً واقليمياً ودولياً، وأن إنهائه مصلحة وطنية عاجلة.
امام كل ذلك في ظل الاجواء الراهنة على المستوى العربي وعلى المستوى الدولي ، نتطلع الى ضرورة تنفيذ اتفاق المصالحة وانهاء حالة الانقسام بكل تعبيراتها، وتحقيق وحدة وطنية على قاعدة برنامج سياسي أو استراتيجية وطنية متوافق عليها ، يتم في اطارها وعلى ارضيتها ضبط التحركات، والنشاطات السياسية والدبلوماسية بجانب اشكال المقاومة الأخرى، وتوفير شراكة وطنية جادة ومسؤولة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، خاصة وأن تعقيدات القضية الوطنية والتحديات القائمة لا تمكّن أي قوة سياسية مهما بلغ وزنها في الشارع أن تكون قادرة وحدها قيادة النضال الوطني.
ولهذا فاننا نحذر من موقعنا بما يجري الان من مؤامرة تحاك ضد وكالة الاونروا بهدف إنهاء دور هذه المؤسسة الدولية باعتبارها الشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني ، مما يستدعي اعتماد وسائل نضالية تعزز من مشروعية النضال الفلسطيني وتنزع الذرائع من أيدي الاحتلال المجرم، وتساعد في فضح روايته الزائفة، وتحاصر مساعيه لتشويه عدالة قضيتنا الوطنية، وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع المشروع بكافة الوسائل عن القرارات التي اقرتها الشرعية الدولية ومواثيقها المختلفة، كذلك العمل الحثيث لتعزيز دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل
الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، من خلال مواصلة تفعيل مؤسساتها وتطويرها بمشاركة الجميع.
وفي ظل الظروف الراهنة ات انتصار الحركة الاسيرة المناضلة بعد ملحمة معركة الامعاء الخاوية التي خاضها الاسرى المضربون طوال تلك الفترة الطويلة بصمود منقطع النظير والتي ساهمت عدة عوامل في تكللها بالنصر ويمكن اعتبارها في ذات الوقت ذات دلالات مهمة جديرة بالإتعاظ والاستلهام على الصعيد الفلسطيني ، بعد ان ساهم الدور المساند الذي وقفته الاحزاب والحركات العربية والعالمية وكذلك المنظمات الحقوقية العالمية ، ولجان المقاطعة العالمية لاسرائيل المعروفة BDS ، فضلاً عن المؤسسات الوطنية والحقوقية ولجان التضامن والاسناد الشعبية في فلسطين المحتلة ، وقد ضربت الحركة الاسيرة بقيادتها وعلى راسها مروان البرغوثي واحمد سعدات مثالاً انسانياً وقدوةً رائعة في الامتنان لكل المواقف التضامنية العربية والعالمية مع الإضراب ،وهذا خير درس جدير بالاستلهام ليس من قِبل الفصائل والقوى الفلسطينية.
ختاما : لا بد من القول ان استعادة الوحدة الوطنية وتعزيز مقومات الصمود لشعبنا في إطار الحركة الوطنية تشكل نقطة مهمة في مجابهة سياسات الاستيطان والتهويد التي تحاول تصفية ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني.
بقلم/ عباس الجمعة