صور.. رباط دائم للمقاومة على حدود غزة في رمضان

قبل أن تغيب الشمس بقليل، يظهر عناصر المقاومة الفلسطينية، المُلثمين المُدجّجين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، يرتدون الملابس العسكرية من مختلف الفصائل في الطرقات العامة، ومداخل المحافظات، والمناطق الحدودية الشرقية لقطاع غزة.

بينما تخلو الطرقات من المارة، ويتوجه الناس لتناول طعام الإفطار، تمكث عناصر المقاومة في نقاط رباطها، المنتشرة في مُختلف المناطق، بين الحقول الزراعية، حتى ساعات الفجر الأولى، التي يخرج بها الناس بعد السحور للمساجد، وتبدأ بعدها شروق شمس الصباح.

ويُحرم المقاومون من تناول وجبتي السحور والإفطار مع أسرهم، في سبيل حماية الحدود، من أي تسلل لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والحيلولة دون تسلل أي من المشبوهين أو المتعاونين معه؛ بينما يكتفون بتناول الطعام الذي يحملونه معهم في نقاط الرباط، لا سيما التمر والماء والعصائر.

ترفع أيديهم للأعلى وتلهث ألسنتهم بالدعاء، وأصابعهم تقبض على زناد السلاح لا تحيد النظر نحو الحدود، وآخرون يتلون القرآن، حتى يؤذن المغرب، ليتناول الماء والتمر، ويبقون حتى يبدأ الناس بالتحرك في الطرقات، ليخطفوا أنفسهم لأداء الصلاة واستكمال إفطارهم، ويبقون في مواقع رباطهم، حتى الفجر، طيلة شهر رمضان.

بين الأشجار القريبة من الحدود الشرقية لمحافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، انتشرت مجموعة مقاومة من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، كل واحدٍ منه جلس بمفرده، يقبض على سلاحه، منهم من يحمل سلاح "كلاشنكوف"، وآخر يحمل رشاش "بيكا"، وأخر قاذف "أربي جي"، وبعضهم يحمل مناظير مراقبة وسلاح قنص، وبجواره كل واحدٍ منهم التمر والماء.    

ما إن نطق المؤذن "الله وأكبر الله وأكبر"، حتى هم المقاومون للإفطار، وانتظروا أمرًا من مسؤول المجموعة للتجمع للصلاة بشكل جماعي، بعدها تناول وجبة الإفطار، وعادوا مُسرعين لمواقع رباطهم، المُخصصة لكل واحد منهم، بناءً على تعليمات المسؤول.

حماية أهل غزة

القائد الميداني في سرايا القدس والمسؤول عن المجموعة "أبو أحمد"، يقول لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء": تتميز حياة المجاهدين في شهر رمضان عن بقية الأشهر، فيفزعوا لمواطن الرباط، فحياتهم في هذا الشهر استثنائية ليست كحياة الآخرين؛ فالناس ينامون ويـأكلون ويرتاحون، وهم مُستيقظون يُكابدون ويُرابطون، لحماية ظهر الشعب الفلسطيني".

وأضاف "حياة المجاهد مليئة على الدوام بالأشواك ومحفوفة بالمخاطر؛ فالأصل على سبيل المثال موائد الإفطار تكون مع الأسرة في المنزل، لكن قدمنا حُب وهم الوطن وأمن أهلنا عن هذه الأجواء، وعوضناها فيما بيننا؛ فإن لم نُضحي ونسهر من يفعل ذلك غيرنا؛ قدرنا أن نواجه هذا المُحتل الذي لم يأبه أحدًا".

وعبر "أبو أحمد" عن سعادته وأفراد مجموعته، وهم يلتحفون التراب، ويستظلون بالأشجار، ويراقبون الأراضي المحتلة على مقربة من الحدود، والتي هجروا منها قسرًا، ويشتمون رائحتها، ويتمنون رؤيتها، ويعملون لتحريها "حسب قوله".

عبادة ورباط

وتابع "نرفع أكفنا طوال أوقات الرباط الضراعة بالدعاء بالنصر والثبات والتمكين، والفرج للأسرى، والحرية لشعبنا"؛ مُشير إلى أنه على الرغم من حرمانهم من أداء العبادات في المساجد، لكنهم يؤدونها في ساحات الرباط، لأنهم يعلمون أجره، ويحاولون أن يتقاسموا الأدوار طوال الليل ما بين التسبيح، والتهجد، والصلاة، وتلاوة القرآن، وتناول الإفطار والسحور، والحراسة.

وشدد "أبو أحمد" على أنهم يؤمنون بأن المجاهدين جدار الأمة، ومن غيرهم يستبيحها الأعداء؛ مُشيرًا إلى أن الحدود مليئة بالمجاهدين، لحماية أهلنا في غزة وحتى لا يؤتوا على غفلة من الأعداء، ويتم ردع من تسول له نفسه العبث بحياتهم وأمنهم، فنحن خلقنا لنقاتل وندافع عن أرضنا والأمة؛ "كما يقول".

ونوه إلى أن "التهديدات لا تُخفيهم وتربكهم، وما تُخفيه المقاومة أعظم للعدو؛ والمقاومة مستعدة، يقظة، متأهبة في كل حالاتها، مستنفرة على كل جبهاتها؛ لافتًا إلى أن التهدئة اليوم التي تعيشها غزة، هي من مصلحة الشعب الفلسطيني".

حماية الجبهة الداخلية

ليلةٍ أخرى، تمكن مراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، من مقابلة مجموعة من مرابطي كتائب حماة الأقصى، في إحدى نقاط الرباط في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ووقف مهم كذلك عن قُرب، حول أجواء الرباط في هذه الأيام العظيمة.

وعلى خُطى عناصر سرايا القدس، انتشرت المجموعة المكونة من "أربعة عشر مسلحًا" بين الأشجار مُتخفين، عن مرأى طائرات الاستطلاع التي كانت تُحلق في تلك اللحظة بشكلٍ مكثفٍ جدًا، كل واحدٍ منهم يراقب المكان المُحيط.

ويقول قائد ميداني في الكتائب لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء": "لدينا نقاط رباط على طول حدود قطاع غزة، لرجالاتنا، بتنسيق مع مُختلف الفصائل، التي يرابط أفرادها بجوار من نقاطنا؛ ونكثف العمل والرباط في شهر رمضان، حرصًا منا على كسب الأجر، وحماية شعبنا".

وشدد القائد الذي فضل عدم كشف اسمه أو لقبه، على أن أحد أهم الأهداف الحفاظ على الجبهة الداخلية، وتوفير الأمن للناس وهم نيام، ومنع حدوث أي اختراق أو خلل أمني يستغله العدو وأعوانه؛ متمنيًا أن تقف الأمة كلها مع المقاومة الفلسطينية، وتُقدم الدعم لها، لتحرير المسرى والأسرى.

المصدر: خان يونس – تقرير | وكالة قدس نت للأنباء -