يستقبل الأسرى الفلسطينيون العيد في السجون الاسرائيلية وهم يحملون أثقالاً متعددة ، ثقل الفراق لأحبتهم وأعز الناس على قلوبهم ، وثقل الجرح الذى لم يجف بعد في أعقاب اضراب مفتوح عن الطعام استمر لواحد وأربعين يوماً متتالية ، وثقل مماطلة إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية في تلبية مطالبهم وتحقيق الحياة الكريمة التى ضحوا من أجلها ، وثقل الأوضاع الفلسطينية والحالة الانقسامية التى لم ولن يكونوا على شراكة بآثارها ونتائجها .
ويأتى العيد على الأسرى بالمزيد من التهديد والتجاهل للمطالب والحقوق ، حيث المعاملة القاسية واللاإنسانية المخالفة لحقوق الانسان وللاتفاقيات الدولية كالاستهتار الطبى والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات ، ومنع ادخال الكتب ، وسوء الطعام كما ونوعا ، والتفتيشات العارية واقتحامات الغرف ليلا ، والنقل الجماعى ، ووجود الأسرى والأسيرات فى أماكن اعتقال تفتقر لشروط الحياة الانسانية .
ويحل العيد على الأسرى بمذاق مختلف بالبعد عن الأبناء والآباء والزوجة ، فهو مناسبة مؤلمة ، قاسية على القلب ، ثقيلة على النفس ، يضطر فيها الأسير لاستحضار شريط الذكريات، بما حمله من مشاهد ومحطات مختلفة ، يترجمها الأسرى على صفحات من الورقعبر قصائد وخواطر ورسائل على أمل أن تصل لاحقاً إلى أصحابها، أو قد لا تصل وتبقى حبراً على ورق، وقد تنهمر الدموع من عيون بعضهم حزناً وألماً.
ويستقبل الأسرى العيد في السجون بفرحة ممزوجة بالألم والحزن لفراق الأحبة ، والعيد في السجون مناسبة إسلامية سعيدة، لكنها ثقيلة ومؤلمة، وتمر ساعاتها المعدودة وأيامها المحدودة ببطء شديد، والحياة والمشاعر فيها مختلفة، فيضطر الأسرى لإحياء المناسبة بطقوس خاصة، حيث الاستيقاظ المبكر صبيحة العيد، والاستحمام وارتداء أجمل الملابس، والخروج إلى الفورة (الساحة) لصلاة العيد، ومن ثم يصطفون بشكل دائري في الفورة، ويسلِّمون على بعضهم بعضاً، ويتبادلون التهاني، ويوزِّعون الحلوى وأحياناً التمر وفنجان القهوة، ويواسون بعضهم بعضاً ، وتُلقى الكلمات والخطب القصيرة ، وفي كثير من الأحيان تمنع إدارة السجن صلاة العيد بشكل جماعي في ساحة القسم، وترفض تخصيص زيارة للأهل ، أو الاتصال بهم هاتفياً ، وفي أحيان أخرى تعمد إلى استفزاز الأسرى من خلال التنقلات أو التفتيشات خلال أيام العيد.
والعيد مناسبة لا يحسّ بآلامها وقساوتها سوى من ذاق مرارة السجن، وهناك المئات من بين آلاف الأسرى الفلسطينيين قد استقبلوا عشرات الأعياد وهم في السجن، ومنهم من احتفل بالعيد مع أبنائه داخل السجن، ومنهم من فقدوا الأمل وإلى الأبد في إحياء الأعياد مع آبائهم وأمهاتهم، لأنهم فقدوهم وهم في السجن، وكثير منهم يتمنون أن لا يأتي عليهم العيد في مثل هكذا ظروف، خاصة أولئك الأسرى الذين فقدوا أحد أعزائهم وأفراد أسرهم، أو أبويهم وهم بداخل السجن.
وهي مناسبة لا تقل ألماً بالنسبة لأهالي الأسرى، إذ تعيش عائلاتهم وأطفالهم لحظات من الحزن على فراقهم حيث يستذكر الأطفال آبائهم، ويستحضر الأهل سيرتهم وهو ما يجعلهم يشعرون بالحزن على فراقهم .
عائلات بات حُلمهم في العيد ليس التوجّه للأماكن العامة والمتنزهات وقضاء ساعات جميله مع أبنائهم وأحبتهم وأحفادهم، ؛ وإنما انحصر حلمهم في عودة أبنائهم الأسرى إلى أحضانهم ، أو أن يُسمح لهم بالتوافد إلى بوابات سجون ومعتقلات الاحتلال لزيارتها ورؤية أبنائهم وأحبّتهم المحتجزين هناك ولو لدقائق معدودة، في ظل تصاعد الهجمة الشرسة واتساع حجم الانتهاكات والجرائم بحقهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وفي غمرة فرحتنا باستقبال العيد علينا وعلى الجميع أن يتذكر بأن هناك في سجون للاحتلال لا يزال نحو ستة آلاف وخمسمائة أسير وأسيرة في بطنها ، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ، ونواب وأكاديميين وقيادات سياسية ، ومعتقلين منذ أكثر من عشرين عاماً، بل ومنذ خمسة وعشرين عاما وما يزيد، وبينهم كريم وماهر يونس المعتقلان منذ قرابة خمسة وثلاثين عاماً، وهؤلاء جميعا هم بحاجة لفعلنا وجهدنا ونصرتنا دوما ... ففرحتنا تبقى منقوصة لطالما بقى أسير واحد في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، لأن العيد الحقيقي يوم أن يعود معتقلينا الى أهليهم وعائلاتهم وشعبهم ، وعيدنا يوم عودتنا لديارنا وأرضنا باذن الله .
بقلم/ د. رأفت حمدونة