حتى كتابة هذا المقال توفي ستة أطفال فلسطينيين من قطاع غزة خلال أقل من أسبوع واحد جراء حظر تلقى الخدمة الطبية على نفقة وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، بعد قرار سلطة عباس حرمان الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة من تلقى خدمة العلاج في الخارج، غزة التي يعصفها الفقر والبطالة والمرض، يقطنها قرابة 2 مليون فلسطيني عانوا مختلف صنوف العذاب خلال ثلاث حروب متتالية، خلفت كوارث بالمعنى الإنساني مستمرة حتى يومنا هذا، أرقام قياسية عالمية في مرض السرطان، من بين 1000 مواطن يسكن غزة هناك 8 أشخاص مصابون بهذا المرض الخطير، 1500 حالة سرطان تم اكتشافها خلال العام الماضي ليصبح اجمالي الحالات المصابة خلال عشر سنوات قرابة 15000 مصاب من قطاع غزة، ناهيك عن الأمراض الأخرى التي لا تقل خطورة عن السرطان.
قطع رواتب لمناضلين في الجهاز الحكومي وأسرى وعوائل شهداء وأعضاء من المجلس التشريعي، حرمان غزة من نصيبها في الأدوية، قطع الكهرباء بما يتسببه من كوارث بيئية واقتصادية، تحولت حياة السكان إلى جحيم جراء ردود فعل انتقامية يمارسها رئيس السلطة محمود عباس، أناس لا ذنب لهم يدفعون الثمن، يموتون بصمت جراء المرض والجوع والسياسات القاتلة للحكومة الفلسطينية، أطفال ونساء وشيوخ ضعفاء، لا علاقة لهم بأي صراع سياسي يدخلون عنوة بين رحى مطحنة السياسة الفلسطينية، أمهات تبكي ومرضى يصارعون الموت يتعلقون بفرصة علاج للنجاة من مرض قاتل يفتك بأجسادهم، لا شأن لهم بالسياسة، من يحكم وكيف يحكم ولماذا يحكم، معركتهم الأساسية مع المرض لإنتزاع فرصة للحياة، عدد منهم يجوب قطاع غزة شمالا وجنوبا بحثا عن نوع مفقود من العلاج ولا يجده، يبكون حرقة ووجع على ما وصل بهم الحال، ويتساءلون كيف لرئيس حركة تحرر وطني ومنظمة تحرير ساعية للحرية والخلاص من الإحتلال، أن يحاصر شعبه ويحرمه من أبسط فرص العيش الكريم، بل فرص العيش غير الكريم، بأي ذنب يقتلون
عباس الذي فشل في السياسة وأصبح مجرد وكيل أمني يمارس بلطجته على أبناء الشعب الفلسطيني، استكان بالكامل لإملاءات الإحتلال الإسرائيلي، وجد ضالته في محاربة الشعب لضمان بقائه في السلطة، ينهب أموالها برفقة عصابة نافذة في النظام السياسي الفلسطيني، أضاع كل فرص المصالحة الشاملة لأنها تعني خضوعه للإنتخابات والمحاسبة، رفض مبادرة الرباعية العربية لإعادة توحيد حركة فتح وتصليب النظام السياسي الفلسطيني، أساء للشعب الفلسطيني وللعرب، أدار ظهره لكل مبادرات الحركة الوطنية الفلسطينية سواء جاءت من فصائل أو شخصيات مستقلة، رفض نداءات أبناء الحركة التي يترأسها الداعية لوحدة الحركة واستعادة هويتها ومشروعها السياسي والوطني، فوق كل ذلك، يصمت على جرائم الإحتلال والقتل اليومي الذي يمارس بحق فلسطينيين على الحواجز الإسرائيلية، يجبن عن مواجهة الإستيطان وتهويد القدس وتقطيع اوصال الضفة الغربية، يغمض عينيه عن مأساة الفلسطينيين في مخيمات لبنان التي تعاني ظروفا هي الأسوأ من بين كل تجمعات الفلسطينيين، تخلى عن الفلسطينيين المهجرين من مخيمات سوريا، تركهم يواجهون مصيرهم وحدهم، تواطأ على إضراب الأسرى في سجون الإحتلال، وحاول افشال خطوتهم النضالية، أدار ظهره لكل مؤسسات صناعة القرار السياسي الفلسطيني، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في مقدمتها، عاقب أحزاب وقيادات وشركاء معه في النضال الوطني الفلسطيني، تصرف بضغينة مع أقرب الناس إلى حذائه، لدرجة الهوس من كل المحيطين به، مستشار واحد أو صديق لأحد أبنائه يقرر في النظام السياسي الفلسطيني أكثر من لجنته المركزية، بل أكثر من مجموع الحركة السياسية الفلسطينية، مغامرات متلاحقة ستطيح بالمشروع الوطني وتعمق حالة اليأس في أوساط الشعب الفلسطيني الذي يعتبر مقدمات ضرورية للإستسلام السياسي.
بجردة حساب بسيطة خلال 12 سنة من حكم عباس سنجد ان الخراب والدمار الذي ضرب المجتمع الفلسطيني يشبه إلى حد كبير ما حل بالشعب إثر نكبة الشعب في العام 1948، الفارق بين النكبتين، هو الأمل، في النكبة الأولى كان الأمل يعتمر عقل وصدر الشعب بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها، في النكبة الثانية، سيتلاشى الأمل لو عجز الفلسطينيين عن انقاذ ما يمكن انقاذه من خلال جبهة وطنية عريضة للتصدي لكل هذا العبث.
ما يجرى خطير، شعب يتعرض للذبح البطئ، تنتهك مختلف أشكال حقوقه السياسية والإقتصادية، أحزاب يجري تدميرها، مؤسسات صنع القرار الفلسطيني تم تعطيلها، مجلس تشريعي يعتدى على حصانته، جهاز القضاء أصبح دمية في قبضة الديكتاتور، من يحكم الفلسطينيين عصابة من رجالات البزنس المرتبطة مصالحهم مع الإحتلال، الحركة الوطنية عاجزة ومذهولة من وهل المفاجآت، ومتغيرات اقليمية دراماتيكية وتحالفات سياسية جديدة يتوه الفلسطينيين في جوفها، وتتعزز فرص الإحتلال من تحقيق حلم تهجير الفلسطينيين بعد كسر ارادتهم وقدرتهم على الصمود.
يحاول من خلال ماكنة التضليل الإعلامي التي تشرف عليها أجهزته الأمنية، أن يقنع الشعب الفلسطيني أن حربه ضد حماس، وأن الشعب في مأمن عما يقوم به من اجرام، ويجاريه بعض البسطاء وأصحاب المصالح في نظامه السياسي، خوفا أو حرصا على غنائم ومكافآت يلقيها لهم بين فينة وأخرى، متجاهلين حقيقة أن حجم الكارثة التي يعيش وسطها الشعب الفلسطيني لن تمكنهم من مواصلة الكذب والتدليس، طفل واحد يموت ضحية سياسات عباس يفضح المؤامرة وينذر بثورة في وجه الديكتاتور.
لا مفر من مواجهة الديكتاتور، الحديث عن الشرعية أحد أشكال التضليل والعجز عن مواجهة الواقع، لا يوجد شرعية انتخابية دستورية لأي أحد، من يحكم الفلسطينيين عصابة لا علاقة لها بالقانون ولا الوطنية، ولا علاقة لها بالأخلاق، لقد حان وقت المواجهة ان لم يكن الفلسطينيين قد تأخروا، من ينقذ الأرواح، من يتقدم الصفوف، من ينقذ حلم الشعب وأمله بالحرية والإستقلال هو صاحب الشرعية، وهو صاحب القرار، هو رفيق الأحرار.
بقلم محمد أبو مهادي
mahadymahotmail.com