في وداع الدكتور عادل عبد الكريم ياسين

بقلم: علي بدوان

توفي يوم أمس السبت الواقع في الأول من تموز/يوليو 2017، في إمارة الشارقة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور والرائد في العمل والمسيرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وأحد مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عادل عبد الكريم ياسين.

ولمن لايعرف عادل عبد الكريم ياسين، نقول هو من رواد وجيل التأسيس، ومن صنو القادة الكبار الذين صنعوا المسيرة الكبرى للثورة المعاصرة والحركة الوطنية الفلسطينية، التي قامت وأجترحت المآثر في دروبٍ لاتزالُ مليئةٍ بالأشواكِ والعثراتِ، لثورةٍ لها فرادتها، حيث نصف الشعب الفلسطيني داخل الوطن، والنصف الأخر في الشتات، وتحت سيادةِ بلدانٍ وأنظمةٍ مختلفةٍ، بل ومتباينةٍ في نظرتها للعمل الوطني الفلسطيني، ولإستراتيجية الكفاح التحرري الفلسطيني.

عادل عبد الكريم ياسين، هو من البذرة ذاتها، البذرة الفلسطيني الخالدة، التي خضعت بطريقة تلقائية للإنتاش في بيئة الشعب الفلسطيني، وفي مهاجر الدياسبورا، حيث وصلت أسرته عام النكبة الى سوريا 1948، وأقامت بدمشق في حي ركن الدين، قادمة من أرض فلسطين، حيث تعود جذور عائلته الى قرية (بلعا) في جبال كنعان قضاء منطقة طولكرم، والتابعة بدورها للواء نابلس شمال الضفة الغربية.

عشق عادل عبد الكريم دمشق الشام، التي تُشبه مدينة نابلس (دمشق الصغرى) الى حدودِ التلاصقِ من الياسمين المشترك الى الحارات الضيقة المتشابكة. كما عَشِقَ البلاد والديار الشامية الواحدة، بلاد الشام وفي القلب منها فلسطين المُجللة بالقدس والأقصى، وبجبال كنعان، والكرمل، والجرمق، وسهول مرج ابن عامر ...

عادل عبد الكريم، دَرَسَ في كلية العلوم بجامعة دمشق، وهي تلك الكلية التي كان لي نصيب الدراسة بها أيضاً، وفي مبانيها القديمة قبل أن تتوسع وتتطور أكثر، فأختص بالرياضيات البحتة وعلومها، ونال الإجازة الأولى، حيث عمل بالتدريس في مدارس وكالة الأونروا، وتحديداً في مدرسة صفد الواقعة في حي ركن الدمشقي حيث تقيم غالبية فلسطينية لاجئة من مدينة صفد، بما فيها أسرة الرئيس محمود عباس.

ساهم أثناء دراسته بجامعة دمشق في تأسيس أول إطار تنظيمي فلسطيني بعد النكبة، ‏لتجنيد الفلسطينيين في سوريا وتدريبيهم على حمل السلاح، .وكان من أعضاءه الطالب في كلية الحقوق بالجامعة ذاتها محمود عباس الذي سيصبح لاحقاً من مؤسسي حركة فتح، وظافر الخضراء، والطالب اليافاوي محمود المغربي الذي أصبح بعد وقتٍ لاحق أول رئيس وزراء في ليبيا بعد إستقلالها.... وغيرهم ..

عادل عبد الكريم، الضليع في علم الرياضيات، سافر الى الكويت منتصف خمسينيات القرن الماضي ليعمل في سلك التعليم، وحصل بعد ذلك بعدة سنوات على الدكتوراه في علم الرياضيات، لكنه قبل ذلك التقى في الكويت مع مجموعات فلسطينية كانت تطرح السؤال الجوهري .. مالعمل .. ؟

إذاً، هو من جيل المؤسسين لحركة فتح الى جانبِ ثلةٍ من الرجال، حيث تم في الكويت اللقاء الأول بين ممثلي المجموعات الفتحاوية الأولى (مجموعة الكويت + مجموعة السعودية + مجموعة قطر + مجموعة دمشق + مجموعة غزة + مجموعة عمان + مجموعة مصر) في تشرين الأول عام 1957 بقيادة ياسر عرفات، وهو اللقاء الذي رسم طريق حركة فتح وقوات العاصفة من أجل فلسطين وتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة.

وفي الأشهر التالية للقاء الكويت تم الإتفاق على تسمية التنظيم بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وتم التأكيد على ثلاثة مبادئ في أدبيات الحركة هي : تحرير فلسطين والكفاح المسلح هو أسلوب التحرير، وكذلك الإستقلالية التنظيمية عن أي نظام عربي أو دولي، ولم يحدث بعد ذلك أي تغيير جذري على هذه المبادئ الثلاثة، وأهتمت حركة فتح باغناء تجربتها من خلال الممارسة العملية، وأعتبرت أن حمل السلاح ليس هو الأساس ويجب أن يكون في حالة طهارة ونقاء.

هو عادل عبد الكريم ياسين من النواة الفتحاوية المؤسسة، النواة التي إستمعت للكثير عن بداياتها من رجالاتها مباشرة، وعلى رأسهم الأستاذ الكبير الدكتور عبد الله الدنان (أطال الله بعمره) حيث مازال صامداً في منزله بدمشق، كما من الأخرين : سليم الزعنون، الشهيد وليد أحمد نمر ( أبو علي إياد)، الشهيد محمد يوسف النجار، الشهيد كمال عدوان، الشهيد خليل الوزير، الشهيد صلاح خلف، الشهيد ممدوح صبري صيدم، محمد سعيد المسحال، محمد مسودة، زهير العلمي، فتحي بلعاوي، سعيد المزين (أبو هشام)، محمد الإفرنجي، حمد العايدي (أبو رمزي)، معاذ عابد (أبوسامي)، الشهيد أسعد الصفطاوي، خالد الحسن (أبو السعيد)، علي الحسن، محمود المغربي، منير سويد، محمود عباس (أبومازن)، محمود الخالدي، محمد راتب غنيم (أبو ماهر)، نمر صالح (أبو صالح)، هايل عبد الحميد.... من الأعضاء التاريخيين في اللجنة المركزية لحركة فتح .. فضلاً عن بعض الحالات المؤسسة لحركة فتح ذات الأصول البعثية : فاروق القدومي (أبو اللطف)....

عادل عبد الكريم، صاحب العلاقات المُتميّزة، كتب : الهيكل الحركي، البنية المركزية، أول مجلة منشورة صادرة للحركة تحت مسمى (فلسطيننا)، القانون الداخلي، العلاقات، اختيار اسم الحركة ومعكوسها ما أدى إلى ولادة اسمها فتح.

خرج من عضوية اللجنة المركزية طواعية ومعه عبد الله الدنان أواخر العام ١٩٦٦، والحكاية تطول... وعندما سئل عن موقفه إزاء ما حدث فما كان إلا أن أجاب: حركة فتح بئر شربت من مائها، ولن أرمي فيها حجراً. فظل وفياً لمبادئه ووفياً لحركة فتح ولم يبح بأي سر من أسرارها وكان مدافعاً عنها ‏باستمرار وكانت تربطه علاقة وثيقة وجيدة مع كل القادة التاريخيين للحركة. عومل عادل باحترام بالغ من قبل الرئيس الراحل ياسر عرفات، ونعته حركة فتح والرئيس محمود عباس. رحمه الله.

إتجه عادل عبد الكريم الحركة الى المجال الأكاديمي حيث حصل على الماجستير عام ‏‏1973 ثم الدكتوراه في الرياضيات من لندن عام 1982 وبقى يعمل في الكويت حتى عام 1990 ‏حيث إنتقل الى ماليزيا للتدريس في إحدى جامعاتها ومن ثم استقر في الشارقة.

الذكرى الطيبة ما يبقى من الراحلين .. فيبقوا ..

بقلم علي بدوان

كاتب سياسي فلسطيني/دمشق/اليرموك