حينما كان يواجهنا الحُزن والألم وبخاصة نحنُ في فلسطين، ونجد الدُنيا بأن أبوابها قد غُلِقت في وجوهنا من كل جانب، كان يؤنسنا كتاب ربنا تبارك وتعالى حينما نفتحه على سورة يوسف، ومع الانتهاء من تلاوة آياتها أو السماع لها تهدأ نفوسنا وتطمئن لوعد الله وأن ثمة نور ينتظرنا، حتى وإن ألقى بنا الأشقاء في قعر البئر.1
لكن في العام 2017م فيبدو بأن قاموسنا بحاجة لقراءة قصة قوم سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام، لتبرير الأحداث والخطوب المتعددة التي بتنا نعيشها في وطننا العربي والإسلامي، والذي ضاقت أرضه بنا على اتساعها، وواضح جدا بأن قول ربنا تبارك وتعالى “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”، ستكون السراج الهادي لنا في غزة وقطر إلى سواء السبيل، فحينما دعا سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام إلى ترك الفاحشة التي يقترفها قومه كي تتطهر أنفسهم مما فيه من فسوق وضلال وخروج عن الفطرة البشرية وألح عليهم بذلك، وجدوا بأن دعوته تُشكل تهديدا في طريق استمرار غيِّهم وضلالتهم، ولم يجدوا أفضل وسيلة للاستمرار في طريقهم إلا بطرده ومن آمن به من قريتهم “فقط لأنهم يتطهرون”، وهو أمرٌ طبيعي أن الشاذ في مجتمعه يكون سعيداً بأن كل أفراد المجتمع مثله تماماً، وحينما يراهم يدعون لعكس ما يدعو له فإنه يخشى على أتباعه من الانحياز لطائفة الحق وأهلها.
بدون مقدمات صدر القرار السعودي الإماراتي بقطع العلاقات بكافة أشكالها مع قطر، بعدما رفضت الاستجابة لما يدعونها إليه من النزول إلى مستنقع لا يليق بالعربي الأصيل صاحب النخوة والعزة والكرامة، في البداية مارسوا المراوغة للتعريف بأهداف الطلب، لكنهم لم يواصلوا كثيرا استخدام المواربة، وأعلنوها مدوية صريحة:
إن قطر تأوي على أراضيها المُبدعين والمثقفين والعلماء من أولئك الذين طاردتهم الأنظمة العربية المختلفة حتى فروا بدينهم أو علمهم ليجدوا ضالتهم في دوحة قطر، التي كانت الحضن الدافئ والمستقر الآمن على أهلهم وعلمهم وتفكيرهم وإبداعهم.
وبناء على قرار الطرد العربي الذي شاء الله أن يجعله في العاشر من رمضان والخامس من يونيو حزيران، ليربط خلاله الجمهور العربي انتصار رمضان بنكسة حزيران، فتلتقي النكسة العربية مع انتصار العدو الإسرائيلي، وبذلك فنكستين تغلب انتصاراً واحداً، وهكذا يراد بالشعوب العربية بأن تكتفي بالعيش في انتكاسات ولا تفكر بانتصارات كانت في الماضي.
أمام القرار العربي الذي انضمت له العديد من أشباه الدول في بلادنا العربية، بينما رفضته العديد من الدول المحترمة وصاحبة القوة في السياسة والاقتصاد وغيره على مستوى العالم، لا بُد من التعرف على معالم الطهارة التي باتت أحد أسباب طرد الإنسان من أي بقعة على هذه الأرض حتى لا تنتشر العدوى لأهلها:
1- على العالم العربي أن يطرد قطر ويحاصرها حتى الموت؛ لأنها جعلت للإعلام قيمة ومسئولية اجتماعية من خلال قناة الجزيرة التي باتت وجه العرب المشرق إلى قارات العالم الست.
2- يجب إخراج قطر من المنظومة العربية؛ فقط لأنها وضعت أموالها الكبيرة في مجالات الاستثمار والنهضة الاقتصادية الحقيقية وباتت تؤثر في قرارات الاقتصاد لدى دول كبيرة مثل أميركا وبريطانيا وغيرهم، ولم تضع أموالها لإنشاء الملاهي والمراقص والتنمية في مجالات الدعارة والانحلال الأخلاقي على ترابنا العربي الأصيل.
3- يجب القضاء على قطر لأنها وقفت إلى جانب المحرومين والفقراء في كل مكان وبخاصة في غزة، التي تخطط أطراف مختلفة لتجفيف نسلها والقضاء على أهلها لتحقيق نبوء بني صهيون وإنشاء الكيان الإسرائيلي بين النهرين العربيين، وغزة تشكل عثرة في طريق إنجاز هذا المخطط.
4- إن الخطوات ضد قطر العنوان المباشر، لكن أحد الأسباب المهمة تتمثل في دعمها غزة والوقوف إلى جانب أهلها، وهذا ما صرح به وزير خارجية السعودية عادل الجبير حين قال: يجب وقف الدعم القطري لحركة حماس. طبعا الدعم المقصود هو ما تقدمه من أموال لفقراء غزة بإنشاء شقق سكنية وبنى تحتية لهم، أو إعلامياً من خلال نقل معاناتهم القائمة بفعل الاحتلال والحصار الإسرائيلي إلى العالم.
5- يجب نزع كل علاقة عربية بأهل غزة، فهم الذين يحتضنون المقاومة الفلسطينية ويشكلون الحاضنة لها وهي التي قصفت “تل أبيب” بينما الأنظمة العربية تشتري السلاح الأمريكي وغيره ليس لتحرير بيت المقدس من دنس الاحتلال الإسرائيلي، وإنما لإزهاق المزيد من الأرواح وإراقة الدماء العربية.
6- بعدما فشلت أنظمة عربية في تدمير تركيا التي تمكنت من طهارة نفسها من البطالة والفساد الاقتصادي وغيره، تحولت وجهتهم إلى قطر وغزة والإخوان المسلمين وبدأ هجومهم القذر بوسائل إعلام دفعوا لها الملايين لتهاجم غزة الجريحة وقطر الصامدة، وكانت المانشيتات للعديد من الصحف السعودية والإمارتية تتبارى في كتابة ألفاظ وكلمات لم نجدها توجه تجاه الكيان الإسرائيلي على مدار عقود من الزمن.
7- غزة يتم مهاجمتها لأنها تتقاطع مع قطر في أعلى نسبة تعليم في الوطن العربي، ولأنهما تحضنان الإبداع رغم أن غزة تعاني من حصار خانق ومشدد لأكثر من عقد زمني في تاريخها لم يدفع العرب لاستحضار نخوتهم في نجدتها والدفاع عنها.
إن أفعال بعض العواصم العربية يُذكرني تماماً بقصة من أرشيف المكتبة العربية، حيث تذكر كتب التاريخ العربي أنه وخلال الحروب الصليبية تمكنت إحدى فرق الغزاة من اقتحام قرية مسلمة بينما كان رجالها في الحقول، وعاثوا في القرية فسادا فنهبوا الأموال واغتصبوا النساء.
رحل الغُزاة السفلة، فجلست النسوة تندب حظها وتلطم خدودها لما أصابهن من مهانة وعار، وأخذن يشتكين فظاعة ما جرى لبعضهن البعض، ولأن المهانة أصابت الجميع فقد اتفقن على كتمان ما جرى عن أزواجهن ولا يكشفن ما جرى.
وبينما كانت النسوة على هذه الحالة، افتقدن جارتهن “أم حسن”، فقالوا بأنه ربما أحد الجنود قتلها أو جرحها، ذهبوا إليها فوجدوها على قيد الحياة، بل وكانت تجرّ جثة الجندي الذي حاول الاعتداء عليها، حينها اتسعت عيونهن وسألوها: كيف قتلتيه؟!
فكان رد “أم حسن” العفيفة الطاهرة: “وهل كنتنّ تنتظرن أن أُفرّط في عرضي قبل أن أموت؟”، وبذلك كانت الشريفة الوحيدة التي حفظت عرضها بشجاعتها وإقدامها، وهو الأمر الذي أفشل مخطط من فرطن بعرضهن، فغاروا منها وخرجوا من عندها وهن خزايا، وتسلل الخوف لأنفسهن بانكشاف أمرهن أمام أزواجهن وقتلهن من أزواجهن لأنهن لم يفعلن كما فعلت “أم حسن”.
حينها كان القرار الشيطاني من باقي النسوة، وتمت مهاجمة منزل “أم حسن” على حين غفلة منها وقتلها، وهكذا ماتت الحرة الشريفة بأيدي الجبن والخسة والنذالة، وكان قتل الشريفة بدلاً من الفضيحة للغالبية، وبذلك قتلوا الشرف من أجل أن يحيا العار.
إن كل معالم هذه القصة بات ينطبق تماماً على العديد من الأنظمة العربية، أما المحتل لبلادنا والسارق لثرواتنا “الاحتلال الإسرائيلي” فقد أراح نفسه من عناء مهاجمة العرب، وترك المهمة لهم بعدما تأكد من غياب خجل بعضهم في التنازل عن القضية الفلسطينية التي يدافع عنها الشرفاء بدمائهم أو من قوت أطفالهم ومعاناة مرضاهم المحرومين من العلاج بقرارات في غالبها عربية وإسلامية للأسف.
بقلم/ أيمن دلول