انتهى شهر رمضان المبارك وتبعه عيد الفطر السعيد، كل عام والجميع بألف ألف خير، وأعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركة، وحتى لا نبقى نكرر الدعاء “رغم أهميته بكل تأكيد” بدون عمل ودون جهود لأن يزورنا الشهر والعيد في الأعوام المقبلة باليمن والبركة، وكي لا نكون من صنف المتواكلين ولنكون من فئة المتوكلين على الله، الذين يرزقهم التوفيق والسداد حينما يعملون ما في استطاعتهم لتغيير أحوالهم نحو الأفضل، فإني وإن كنتُ لستُ خبيراً اقتصادياً، غير أني وقفتُ أمام أرقامٍ كبيرة من الممكن أن تغير حالة الفقر وضنك العيش التي يعيشها الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة.1
إن أهمية ما سأطرحه يكمن في كون شهر رمضان الذي صامه أهالي قطاع غزة في العام الجاري 2017م قد يكون الأصعب عليهم على مدار عقودٍ من الزمان، فالحصار لم يتوقف على إجراءات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم هذه المرة، إنما تقاطعت الخطوات التي يسلكها الاحتلال مع تلك التي قامت بها رئاسة السلطة الفلسطينية بحق مواطني القطاع، وسبقت بها قدوم الشهر الفضيل، من قطع للرواتب ومخصصات آلاف الأسر المستفيدة من شيكات الشؤون الاجتماعية والأسرى والشهداء والجرحى. وبذلك فقد كان استقبال الشهر على آلاف العائلات بمثابة جولة من الضنك والنكد، لم تجعل أطفالهم وكبارهم يشعرون بسعادة هذه المناسبات.
وبالتوازي مع حملة الهجوم غير المسبوق وبشكلٍ مباشر من قبل الدول العربية “الأنظمة الرسمية في غالبها” على الشعب الفلسطيني وما يتمثل في منع إرسال الأموال لفقراء فلسطين ومحاربة من يقوم بذلك، رغم أن دعم القضية الفلسطينية من واجب كل العرب وليس منةً منهم، إلا أنه في ظل تبدل هذه المواقف وانحدارها لصالح المحتل الإسرائيلي على حساب المصالح العربية، فقد بات على الفلسطيني البحث عما يُبقيه على قيد الحياة بانتظار أن تتبدل السياسات العربية وتعود إلى جادة الصواب مرة أخرى، وليصدق فينا المثل القائل “ما حك جلدك مثل ظفرك”، ولذلك سأعرض الأرقام التالية البسيطة في فكرنا لكنها كبيرة لو أنجزناها على أرض الواقع، بل ومن الممكن أن تُغنينا على مطالبة العرب لدفع فاتورة استحقاقهم تجاه فلسطين.
1- حتى منتصف العام الماضي 2016 بلغ تعداد النساء في قطاع غزة 925 ألف امرأة بحسب المركز الفلسطيني للإحصاء، وعلى فرض بأن أعمار 400 ألف منهن تتخطى حاجز الثمانية عشر عاما في ظل كون أن أكثر من 60 بالمائة من أهالي غزة مجتمع فتي، ومن خلال الاطلاع على ما تحصل عليه النساء من عيدية خلال الأعياد، يتضح أن بعضهن تتحصل على أموالٍ طائلة وكثيرة في ظل واقعٍ اقتصادي صعب، فإني أقدم مقترحاً بتقديم كل امرأة مبلغ 100 شيكل من تلك الأموال لصالح الفقراء والمحتاجين في البلد كحد أدنى، وهو ما يُعادل 30 دولار، وبإحصائية بسيطة فإننا سنحصل بذلك على مبلغ 12 مليون دولار، وهذا في حال دفعت إحداهن الحد الأدنى من تلك الأموال.
2- ومن الممكن العمل على رقم آخر وقفتُ أمامه متأملاً من وحي شهر رمضان المبارك، وبحسبةٍ بسيطة فإن أعداد مواطني قطاع غزة تتجاوز مليوني مواطن، وفي حال تم جمع زكاة الفطر منهم كما حددتها وزارة الأوقاف بثمانية شواكل على الفرد الواحد وما يعادل 3 دولار، فحسبة بسيطة تعني أننا من الممكن أن نجمع مبلغ من زكاة الفطر يعدل 4,600,000 وهذا مبلغ كبير كذلك.
3- وأمام رقم آخر من باب تعزيز القيم الوطنية والعطاء لدى المجتمع، سألت نفسي: وماذا لو أن كل مواطن تجاوز العشرين عاماً في غزة تقدم لفقرائها بمبلغ شيكل واحد يومياً فقط وبمعدل 30 شيكل شهريا تساوي 5 دولار، وعلى فرض أن من تجاوز سن العشرين هم مليون مواطن، فهذا يعني أننا من الممكن أن نجمع مبالغ كبيرة تصل لحوالي ثمانية ملايين ونصف المليون دولار “في حال شارك الناس بالحد الأدنى ولم يتبرع بعضهم بأكثر من ذلك”.
4- بعملية حسابية بسيطة فمن الممكن أن نجمع من العيدين وزكاة الفطر ومشروع “شيكل لكل مواطن” أكثر من مائة مليون دولار في عام واحد، هذا عدا تشجيع جمع زكاة المال من أصحاب رؤوس الأموال وغيرهم، وهي أموالٌ لو تم جمعها بشكل جيد وكانت تُديرها أيدٍ أمينة لتحولت الأوضاع في غزة لشكل ٍ آخر، بل من الممكن تجاوز عقدة توسع دائرة الفقر ومحاولة علاجها البائسة من خلال كبونات بمثابة مسكنات لا تُشفي الأمراض، بإنشاء مشاريع تنموية حقيقية للفقراء في بلدنا تنقلهم من صف الفقراء والباحثين عن كبونة هنا وهناك إلى فئة المنتجين في بلادنا.
قد يكون هذا الطرح الذي أعرضه في هذه المساحة الضيقة غير قابل للتطبيق حين النظر إليه بنظرة آنية، وإن لم تتم الدراسة له بشكل معمق، ومن خلال النظر إلى مصلحة المجموع وتقديمها على مصالحنا الشخصية، لكن حين النظر إلى النتائج المتوقعة بعد نجاح الأمر فستكون نظرتنا إلى الطرح بشكلٍ مختلف، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة لا بُد من سؤالٍ مهم: وكيف نضمن النجاح لهذا المشروع الكبير؟
1- العامل الأول لنجاح هذا المشروع يتمثل في اختيار قيادة له تكون قدوة في المجتمع من حيث نظافة اليد وطهارة النفس ومعهود عنها الزُهد في الدنيا، لتكون مهمتها الحفاظ على ما يتم تحصيله وجمعه واختيار الأشد فقرا للاستفادة منه وتحقيق أفضل نتائج. واختيار القدوة بداية لأننا بحاجة لمدراء لا يقدمون السيارة والمكتب وضمان النثريات على مصالح العامة، إنما قدوة تربط “صخرتين على بطنها بينما الناس تربط صخرة واحدة”، حينها نضمن أول عوامل التقدم والنجاح.
2- تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية في النهضة للبلد والاعتماد على الذات في ذلك بعيداً عن أي توسلات للآخرين، وتعزيز مبدأ التكافل المجتمعي هو الخطوة الأكيدة لتحقيق ذلك.
3- التعامل بشافية تامة مع الجمهور، وبمعنى أدق يجب عرض البيانات العامة للأموال التي يتم جمعها أولاً بأول للجمهور ليعرف المُنفق الجهة التي ذهبت إليها أمواله التي اقتطعها عن نفسه وأطفاله، وبالتوازي مع ذلك يتم باستمرار عرض المشاريع التي تم إنجازها من وراء الأموال التي وضعها المنفقون في أيدٍ أمينة، وبذلك نعزز الدافعية أكثر فأكثر نحو تحقيق التكافل المجتمعي.
4- اختيار مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مجالات مختلفة ليكونوا بمثابة مستشارين لأصحاب المشاريع التي يتم إنشائها من قبل الفقراء وتقديم الاستشارات المجانية لهم لضمان استمراريتها وتعزيز نجاحها.
إن هذا الطرح سيكون دافعنا نحو الضغط في سبيل تحقيقه والبدء به بأسرع وقت ممكن أكثر بأضعاف مضاعفة حين النظر للنتيجة التي يمكن أن يحققها، فكما ذكرنا بأننا من الممكن أن نجمع في العام الواحد حوالي مائة مليون دولار، ولو أننا استقبلنا مشاريع من قبل فقراء غزة لنقلهم من حالة البحث عن كبونة لشخص آخر مُنتج وقمنا بتمويل إنشاء مشروعات حتى 15000 دولار لكل مشروع، فهذا يعني أننا أنشأنا مالا يقل عن 7000 مشروع في عام واحد فقط قد تؤدي في أقل تقدير لتشغيل ما لا يقل عن 14000 شخص وانتشالهم من حالة الفقر إلى حالة الكفاف على الأقل.
إن هذه الأرقام أرى بأنها تشكل دافعاً قوياً ومهما نحو التفكير والدراسة الجدية لإنشاء مثل هذه المشاريع التنموية من خلال الاعتماد على الذات بدلاً من انتظار الدعم العربي الذي بات يبتزنا باستمرار في الوقت الراهن، ويتم المنع عنا حتى نرفع الراية البيضاء استجابة لإملاءات الساسة الذين ارتموا في أحضان “إسرائيل” التي تحتل بلادنا وتغتصب مقدراتنا.
بقلم/ أيمن تيسير دلول
كاتب وإعلامي فلسطيني