عن “المعسكر الديمقراطي“ في اسرائيل مرة ثانية

بقلم: عماد شقور

قبل اسبوعين، ويوم 23 حزيران/يونيو الماضي تحديدا، نشرت عدة صحف اسبوعية ويومية عربية تصدر في اسرائيل، مقالا لرئيس القائمة (العربية) المشتركة في الكنيست/البرلمان الاسرائيلي، أيمن عودة، بعنوان: " من أجل إقامة معسكر ديمقراطي لزيادة فعاليتنا وتأثيرنا لصالح قضايانا".
هذا ليس مقالا صحافيا عاديا. انه إعلان انطلاق مشروع سياسي جدي، يمكن ان يعطي للفلسطينيين العرب في اسرائيل، الذين يحملون بطاقة الهوية الاسرائيلية، (ولأول مرة منذ نكبة العام 1948 حتى الآن)، دورا في التأثير في السياسة الاسرائيلية، مع كل ما في ذلك من انعكاسات على مجمل اوضاعهم كمواطنين، وعلى قضاياهم المطلبية في المساواة على كل الاصعدة، وقضاياهم وحقوقهم كأقلية قومية كبيرة في اسرائيل؛ ثم مع كل ما يخص قضية الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي لاراضي الدولة الفلسطينية؛ اضافة الى كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية وتشعّباتها.
يسعى رئيس "القائمة المشتركة"، من وراء دعوته الى اقامة "معسكر ديمقراطي" عربي يهودي في اسرائيل، الى ان يصبح للعرب الفلسطينيين في اسرائيل، دور فاعل ومؤثر في لجم السياسة العنصرية الاسرائيلية، وفي مواجهة وصد مجمل سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، الاكثر يمينية وعنصرية وتطرفا من كل الحكومات الاسرائيلية السابقة. وهو يحدد تلك السياسات الاسرائيلية، برؤية ثاقبة، في اربع نقاط، على اربعة اصعدة، هي:
ـ العمل المنهجي للقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية. وإقامة علاقات وتنسيق فعلي مع الغالبية الساحقة من أنظمة الدول العربية، والسعي لجعل التطبيع علنيًا ورسميًا، بحيث تصبح الأولوية للصراعات الإقليمية وليس للقضية الفلسطينية.
ـ التحريض ضد المواطنين العرب [في اسرائيل] بمنهجية لم يسبقه إليها أي رئيس حكومة. وتكثيف التشريعات ضدهم.
ـ التضييق المنهجي للهامش الديمقراطي، من خلال ملاحقة منظمات حقوق الإنسان، زعزعة مكانة المحكمة العليا [الاسرائيلية]، ومحاولات السيطرة على وسائل الإعلام والأكاديميا، أو بث جو من التخويف بالحد الأدنى.
ـ تعميق السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي تحطم كافة شبكات الحماية الاجتماعية للمواطنين من الطبقات الفقيرة بالأساس حتى الوسطى".
ثم يشدد أيمن عودة في ذلك المقال/المشروع السياسي، على تعامل المواطنين العرب في اسرائيل، بـ"نِدِّية"، مع المكونات اليهودية الاخرى في "المعسكر الديمقراطي"، جرّاء معادلة منطقية وصحيحة، تقول ان الاقلية العربية في اسرائيل لا تستطيع وحدها فرض تغيير السياسات الاسرائيلية من جهة، كما لا تستطيع القوى الليبرالية اليهودية فرض التغيير بدون تلك الاقلية العربية الكبيرة من جهة ثانية، او كما جاء في نص ذلك المقال/المشروع، انه يتحدث " بما لا يقبل التأويلات عن معادلة مبنية على الندية تمامًا، حيث علينا، نحن المواطنين العرب، أن نفهم أننا لوحدنا لا نستطيع إحداث التغيير كوننا عشرين بالمئة فقط، ولكن على شركائنا (المختلفين والمتفاوتين…) في "المعسكر الديمقراطي" أن يفهموا جيدًا أنه لا يمكن بدوننا!.  لا يمكن صنع البديل [لسياسات الحكومة الاسرائيلية]، بدون الوزن السياسي الكمي والنوعي للمواطنين العرب. بهذا الوزن الحاسم وبهذه الندية نبني هذا المعسكر الديمقراطي".
لا شك ان هذا المشروع السياسي العاقل والحكيم، في حال نجاحه، قابل لتحقيق نقلة نوعية بالغة الاهمية، في دور المواطنين العرب في اسرائيل، ووزنهم في المعادلة الفلسطينية الشاملة، بل على الصعيد العربي العام. ان ممارسة تلك الاقلية العربية في اسرائيل، لدور فاعل في وضع السياسة الاسرائيلية، يذكرنا بالدور الهائل للاقلية اليهودية في امريكا، وللأقليات اليهودية في اوروبا. وانا اكثر العارفين بالفروقات الكبيرة جدا بين وضع وحالة وامكانيات وتقاليد الاقلية العربية في اسرائيل، وتلك الاقليات اليهودية في العالم الغربي. لكن ما يمكن الاستفادة منه ، على هذا الصعيد ان الاقلية العربية في اسرائيل، اكبر بما لا يقاس نسبيا مع تلك الاقليات اليهودية.
على مدى 69 سنة، منذ نكبة فلسطين وحتى العام 1993، عام توقيع اتفاقية اوسلو وبدء تطبيقه بـ"غزة اريحا اولاً"، ثم باكثر وضوح: منذ حرب حزيران/يونيو 1967 وحتى اوسلو، كانت قيادة وتوجيه العمل الوطني الفلسطيني معقودة للجسم الفلسطيني خارج ارض فلسطين. ومع بدء عودة قيادات وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية، وعائلات فلسطينية كثيرة، (بلغ مجموعها، مع الزيادات الطبيعية، في سنوات اوسلو السبع الاولى، وحتى انطلاق الانتفاضة الثانية، حوالي نصف مليون فلسطيني لاجئ عائد الى بعض من ارض فلسطين)، تحول مركز الثقل الفلسطيني الى "الداخل"، الذي يعني الضفة الغربية (ومنها القدس طبعا) وقطاع غزة.
على انه بسبب سياسات خاطئة، او قُل سياسات غير حكيمة بدرجة كافية وممكنة ومطلوبة، منذ مطلع القرن الحالي وحتى الآن، اوصلت الحالة الفلسطينية الى انقسام غير مسبوق، بفعل الانقلاب الدموي في غزة عام 2007، إضافة الى بدء تشكيل نُوى لانقسامات فلسطينية بين فلسطينيي "الداخل" وفلسطينيي اللجوء والشتات، (وهنا نذكر مؤتمر اسطنبول)، جراء تجاهلٍ واهمالٍ وأداءٍ ركيكٍ للسلطة الفلسطينية، وما آلت اليه حالة م.ت.ف.، يقودنا الى الاعتقاد بانه آن الأوان لأن يشارك فلسطينيو "داخل الداخل"، بما يعني المواطنون الفلسطينيون في اسرائيل، في قيادة وتوجيه العمل الوطني الفلسطيني العام.
مع انعدام روافع عربية للعمل الوطني الفلسطيني، بسبب انشغال شعوب عرب المشرق بحروبهم الدموية المشينة، وهمومهم الوطنية وما يتهدد اوطانهم، لا بديل عن البحث عن روافع تدعم العمل الوطني الفلسطيني. وارى، في هذا السياق، ان لفلسطينيي "داخل الداخل" دور يتوجب عليهم ان يؤدوه. ففي الحياة مراحل لـ"ابطال" يبحثون عن "دور"، ولكن في الحياة، ايضا، مراحل لـ"دور" يبحث عن "بطل".
ينهي أيمن عودة مقاله/مشروعه/مشروعنا بفقرة معبرة وموحية: "لا أريد بهذا المقال إغلاق النقاش، بل فتحه على مصاريعه بثقة وقوّة ووضوح. يجب أن ينتهي وقت المراوحة في ذات المكان! شعبنا الذي دعم القائمة المشتركة والذي يقدّر مسؤوليتنا بالحفاظ عليها، يطالبنا اليوم أكثر من ذلك بكثير: أن لا نكتفي بتحليل الواقع وإنما أن نعمل على تغييره".
مبادرة المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل الى تشكيل واقامة "معسكر ديمقراطي" عربي يهودي، جديرة بالدعم والتأييد. فهي تفتح بابا واسعا وواعدا لعمل وطني فلسطيني مثمر. ليست اسرائيل دولة من نحو ستة ملايين يهودي كل واحد فيهم هو "صورة طبق الأصل" لنتنياهو او بينيت او ليبرمان. انهم مجتمع من افراد وحركات ومنظمات ونواد واحزاب متعددة الالوان والاشكال والتوجهات والنوايا والسياسات. ولا مصلحة فلسطينية في النظر اليهم والتعامل معهم وكأنهم جميعا "صورة طبق الأصل" لهذا العنصري المستعمر.
مصلحتنا الفلسطينية الوطنية العليا ان لا نكون الاسمنت والصمغ الذي يُكتِّل ويوحِّد كل الاسرائيليين ضد شعبنا وطموحاته وحقوقه المشروعة. وقديما قالوا: ما لا يُدركُ كلُّه، لا يُتركُ جُلُّه".
يضاف الى كل ما تقدم، ان ما اسفرت عنه انتخابات حزب العمل الاسرائيلي قبل يومين، وصعود عمير بيرتس وآفي غباي الى انتخابات تحسم من سيتولى رئاسة حزب العمل، تفتح بابا محتملا لدعم امكانية توسع "المعسكر الديمقراطي" العربي اليهودي في اسرائيل، والذي يفترض ان يكون فيه متَّسع لافراد ليبراليين في المعسكر الاسرائيلي.
لا يفترض ان يلحق هذا التوجه والمشروع السياسي الواعد، أي ضرر بالقائمة العربية المشتركة، دون ان ننسى ان القائمة اداة، وان الهدف، لا الأداة هو الأهم.

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني