ليس هناك من عاقل أو وطني في الساحة الفلسطينية لا يطمح أو يتطلع إلى إنهاء الأزمات الداخلية التي تعيشها ساحتنا منذ أكثر من عقد من الزمن . وبالتالي أن يبارك أية خطوة تقاربية فيما بين القوى السياسية الوطنية منها أو الإسلامية ، ولكن من حق هذا العاقل أوالوطني أن يسأل أو يتساءل ، لماذا تلجأ القوى عندما يحصل التقارب أو التفاهم فيما بينها إلى لازمة أن المصلحة الوطنية وحماية القضية وعناوينها ومواجهات التحديات وتعاظمها هي الدافع وراء هذا التقارب أو التفاهم . أليست المصلحة الوطنية وحماية القضية وتعاظم التحديات ومواجهتها خلال السنوات بل العقود السابقة كانت موجودة .
وإن كانت تلك اللازمة يجب الإبقاء عليها حاضرة على الدوام في تفاصيل الحياة السياسية والوطنية لعموم القوى والفصائل الفلسطينية ، ولكن يجب الانتباه والتنبه ألا تكون الشماعة التي تعلق عليها أسباب ومسببات الانقسام أو التقارب والتفاهم . وأجزم كما الكثيرين أنه وفي أغلب الأحيان والأوقات والمراحل ، أن التقارب والتفاهم بين الفصائل والقوى تمليه إما المصالح ، أو استجابة لضغوط خارجية على كلا الطرفين ، أو الإثنتان معا . وهذه هي حال التفاهمات الأخيرة بين حركة حماس ودحلان ، حيث الدوافع التي وقفت خلف تلك التفاهمات وما سينتج عنها تحديدا في قطاع غزة ، هي التطورات السياسية الأخيرة منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة السعودية في أيار الماضي ، والتي كان من أولى تداعيات الحرب السياسية والإعلامية والاقتصادية والتهديد باستخدام القوة ، بين كل من السعودية ومصر والامارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى ، وهي المتهمة بتصدير الإرهاب والإرهابيين وجعل الدوحة ملاذا أمنا لقياداتهم وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين وقيادة حركة حماس من ضمنهم ، وإشارة البدء كانت بما قاله الرئيس ترامب في وصفه حماس على أنها إرهابية ، إلى جانب كل من حزب الله وتنظيم داعش .
وإن حصلت تلك التفاهمات فهي غير كافية خصوصا أنها جاءت على خلفية الصراع الذي تشهده الساحة العربية والإقليمية التي أسلفنا الحديث عنها ، من خلفية الاستحواذ على ورقة حماس بعد ضاقت بها المساحات بعد المطالبة الواضحة والصريحة أن تغادر قياداتها الدوحة ، مما يعني كف اليد القطرية إن لم نقل بترها أو قطعها عن الساحة الغزاوية ، وإنهاء أي وجود لها ، لا من خلال الإعمار أو المشاريع الأخرى سواء الاقتصادية أو السياسية التي بررت الدوحة تدخلها مع حركة حماس جاء وفق تفاهمات مع الإدارة الأمريكية على ذلك ، و إسرائيل ليست بعيدة عن ذلك . وعدم كفايتها لسببين ، أولهما أن تفاهمات حماس ودحلان قد بدت أنها جاءت في مواجهة السلطة وفتح ورئيسهما أبو مازن ، وهو المتهم من قبل حماس وغيرها أنه يتحمل مسؤولية مضاعفة معاناة أهلنا في قطاع غزة عبر الإجراءات العقابية التي اتخذها من موضوع الرواتب وصولا إلى ملف الكهرباء . الأمر الذي سيزيد من تعقيد المشهد الداخلي على الساحة الفلسطينية ، وثانيهما أن هناك تشكك من قبل الفصائل حول أبعاد هذه التفاهمات وما سيترتب عليها من تقاسم للدور بين حماس ودحلان في قطاع غزة ، خصوصا أن تسريع الخطوات في هذا الاتجاه أملته الخلافات وتطوراتها التي لا تزال تتدحرج بين الدول الخليجية زائد مصر ، التي أخذت على عاتقها وبمباركة حلفائها الخليجيين ، ولربما الأمريكي وعدم اعتراض إسرائيل في تطبيع علاقاتها المتدهورة مع حماس ، وهي المتهمة في إيواء عدد من المطلوبين الخطيرين للأجهزة الأمنية والقضائية المصرية .
تفاهمات حماس دحلان ، هل ستكون أفضل من سابقاتها ، وهل ما أفشلته الدول الإقليمية ومعها الكيان الإسرائيلي في السابق من اتفاقات بين حماس وفتح ، ستعمل على إنجاحه بين حماس ودحلان . وكم سيستمر شهر العسل المصري الحمساوي ، خصوصا بعد الهجمات الإرهابية في منطقة رفح والتي أدت إلى استشهاد عشرة من أفراد القوات المسلحة المصرية .
بقلم/ رامز مصطفى