كان من الممكن للصورة التي التقطها الصحفي جهاد بركات مراسل قناة فلسطين اليوم لرئيس الوزراء د. رامي الحمد الله عند حاجز للاحتلال أن ترفع من شعبية رئيس الوزراء وأن يصعد معها مؤشر الرضا عن الحكومة في استطلاعات الرأي، وأن ينال المصور قسطا وافرا من المديح والثناء وكان بإمكانه ان يحصد بها جائزة من مؤسسة اعلامية محلية أو دولية، كان من الممكن أن يحصل ذلك لو أن رئيس الوزراء قرر أن يتخلى في ذلك اليوم عن كل المميزات التي توفرها له بطاقة VIP وأن يسلك طريق الآلام الذي يضطر الآلاف من الشعب الفلسطيني خوض غماره يوميا، لو فعل رئيس الوزراء ذلك لوقف الجميع احتراما له ولمنح بسلوكه هذا ابناء جلدته المزيد من طاقة الصمود والتحدي، ولحظي الصحفي، الذي تمكن من التقاط الصورة في غياب الكاميرات المرافقة التي تتسابق في العادة مع عدد المرافقين، بنجاح يبحث عنه.
الصورة لم تجلب للصحفي شيئا من ذلك، بل تم الدفع بها إلى دائرة التشكيك في نوايا صاحبها وتم الزج به في قفص الاتهام، والتهمة أن الصحفي تواجد في مكان مشبوه، وإن صدقت التهمة ألا يفرض ذلك أن يتم الزج بكل من تواجد في المكان إلى قفص الاتهام بمن فيهم رئيس الوزراء، الحقيقة التي يصعب إيجاد مصوغات قانونية لتكييف القضية عليها أن الصحفي التقط صورة لدولته وهو داخل الحلابة، والواضح أن جنود الاحتلال أجبروا رئيس الوزراء على ذلك دون مراعاة لمكانته وما يمثله، الشيء الذي كان باستطاعته أن يجعل منه موقفا يسجل له لا عليه، حيث كان بإمكانه أن يرفض الامتثال لأوامر الجندي استنادا على قرار الامم المتحدة الذي أعطى لفلسطين صفة الدولة، أو على أقل تقدير أن يرتكز على تفاهمات اوسلو التي لم يتبق منها سوى المهانة، كان بإمكان رئيس الوزراء أن يظهر القليل من التحدي وحينها إما أن ينجح في فرض إرادته أو أن يضطر بعد جولة من التحدي لأن يعود أدراجه، وفي كلتا الحالتين يتواجد في صورة مشرفة خلاف صورة الحلابة.
بعيدا عن التكييف الغير مبرر للتهمة فإن الصحفي لم يرتكب جريمة يمكن أن يحاسب عليها القانون، والحقيقة أن رئيس الوزراء أخطأ حين انصاع لأوامر الجندي ولا يمكن معالجة ذلك بتوجيه تهمة لصحفي يمارس نشاطه، تم تأجيل النظر في قضية الصحفي إلى شهر أيلول القادم للاستماع إلى الشهود، وبغض النظر إن كان القضاء سيرد الاعتبار للصحفي ومهنته أم يأتي متناغما مع التكييف الذي جرى للقضية، فالمؤكد أن الصحافة لدينا لم تعد سلطة عاشرة في منظومة العمل الفلسطيني، والصحفي كما يلاحق في الضفة الغربية يلاحق أيضا في قطاع غزة، وفي كثير منها تنطلق من عناوين الانقسام حتى وإن حاول البعض تجميلها بغير ذلك، فلم تعد لنا قابلية باستيعاب عمل الصحافة سوى الصحافة التجميلية منها، متجاهلين في الوقت ذاته أن المعلومة لم تعد محصورة بين فئة من المجتمع وأن تقنية الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت منها مادة يسهل الوصول اليها بل ويخضعها المواطن للتشريح والتحليل طبقا لما لديه من معطيات تتقاطع معها.
نكذب حين نقول بأن لدينا حرية تعبير، ونكذب أكثر حين نتحدث عن حرية الصحافة، ونصدق حين نقول بأن الصحافة لدينا لم تعد سوى تلك التي نجمل بها تشوهاتنا.
د. أسامه الفرا