تساؤلات حول حقيقة التفاهمات المصرية مع حماس

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

تتضارب الأفكار وتختلف الآراء حول الأهداف الحقيقية وراء اجتماعات القاهرة التي جمعت بين الحكومة المصرية من جهة وقيادة حركة حماس الجديدة في قطاع غزة من جهة أخرى، وتتعدد التفسيرات وتختلف القراءات حول دوافعها وأسبابها، والغاية من انعقادها في هذه المرحلة، خاصة أنها بدت جدية ومسؤولة، وامتدت على مدى أيام طويلة، وأنها ما زالت مستمرة ولم تتوقف، ولم تقتصر الحوارات على زيارة يتيمة أو وفد واحد، بل تعددت الزيارات السرية والعلنية، الأمنية والسياسية، وتم الإعلان عنها وتسليط الضوء عليها، فلم تعد سرية أو خفية ولا حبيسة الكواليس والغرف المغلقة.
ويعزز التساؤلات ويغذي التفسيرات المختلفة أن هذه الزيارات قد جاءت بعد طول انقطاع، بل إثر فترة قطيعة طويلة نسبيا، توترت خلالها العلاقة المشتركة بين الحكومة المصرية وحركة حماس، أتهمت فيها حماس وأسيئ إليها، وحرض الشارع عليها، واشتركت وسائل الإعلام المصرية والعديد من الفضائيات وكبار المذيعين ومقدمي البرامج في تأجيج الخلاف وصب المزيد من الزيت على ناره، رغم أن الأخيرة حاولت أن تلطف العلاقة وأن تحسنها وترفع من مستواها، وأن تطمئن الحكومة المصرية إلى حسن نواياها وصدق جهودها في الحفاظ على أمن مصر وسلامة حدودها، إذ أنها تدرك أهمية مصر ومركزية دورها ومحورية جهودها في القضية الفلسطينية عموما، وفيما يتعلق بقطاع غزة على وجه الخصوص، وتعرف يقينا أن مصر هي بوابتها الوحيدة سياسيا وجغرافيا إلى العالم كله.
فهل أن هذه الحوارات محاولة مصرية للتعرف على القيادة الجديدة لحركة حماس في قطاع غزة، والتعرف على رجلها القوي يحيى السنوار واختباره، ومد جسور الثقة معه واستمالته، وعدم تحميله تبعات القيادة السابقة، ومحاولة جادة لتأسيس علاقة جديدة قوية ومختلفة عما مضى، يكون أساسها الأمن وعمادها الثقة، وقاعدتها المصالح والمنافع المشتركة، تحفظ مصر من خلالها أمنها على جزء من حدودها الشرقية، فتأمن التهريب والتسلل ونقل السلاح، وتحول دون تحول قطاع غزة إلى جزيرة آمنة لمعارضيها، أو مقر للمتآمرين على أمنها.
أم أنها تأتي ضمن خطة محاصرة قطر، وإقصاء حركة حماس عنها، وإبعادها عن الفلك والتأثير الإيراني، توطئة لمشاريع جديدة، وتيسيرا لأدوار قادمة تكون حركة حماس مرشحة لها وأساسا فيها، إذ لا يمكن المضي دونها، ولا فرصة للنجاح بغيرها، أي أنها محاولة احتواء مصرية للتدجين والترويض، أو للسيطرة والهيمنة، خاصة أنه تم استثناء حركة حماس وقيادتها وكوادرها من تصنيف الإرهاب الذي قدمته الدول الأربعة المحاصرة لقطر، فأبقت بذلك الأبواب مشرعة لأي عرض جديد ينقذها من المركب الآيل للغرق، ويأخذ بيدها إلى بر آمان ولو كان مؤقتا أو دون مستوى الرغبات والآمال.
أم أن الحكومة المصرية تريد قرص أذن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتخويفه من إمكانية خلق حلف فلسطيني قوي، يكون قادرا على مواجهته والحلول مكانه، وتقديم الخدمات الممكنة إلى قطاع غزة نيابة عنه، ومنها إمكانية عقد جلسة قانونية للمجلس التشريعي الفلسطيني تكون قادرة على اتخاذ قرارات خطيرة تمس رئيس السلطة الفلسطينية وحكومته، وذلك بالإشارة إلى التفاهمات الجديدة التي جرت بين حركة حماس ومحمد دحلان، عله يعود إلى بيت الطاعة المصري وإلى فلك الرباعية العربية، ويقبل بما طلب منه لجهة البيتين الحزبي الفتحاوي والوطني الفلسطيني.
أم أن مصر قد رأت أن من صالحها أن تتعامل مع قوى الأمر الواقع، وأن تتجاوز شروطها القديمة بوجوب تولي السلطة الشرعية لمقاليد الحكم وسلطة المعابر والحدود في القطاع، بعد عشرة سنوات من الانقسام وعجزها عن استعادة مقاليد حكمها فيه، وأنها وجدت في حركة حماس شريكا يمكن الاعتماد عليه، وحليفا يمكن التوافق معه والاطمئنان إليه، وأنها بهذا الاجتهاد تستطيع أن تطعم سلطة الأمر الواقع بحليفها محمد دحلان الذي تثق فيه وتتطلع لأن يكون له دور سياسي في المرحلة القادمة، أقله مشاركة حماس في إدارة قطاع غزة، وبهذا يمكنها أن تفرض شروطها وأن تحقق الكثير مما ترجوه، وتتجنب الكثير مما تتخوف منه وتخشاه.
فإذا صحت هذه التفسيرات والاجتهادات، فما الذي قدمته حركة حماس إلى الحكومة المصرية، وبماذا استعدت تجاهها، وما هي الخدمات التي تتوقعها القاهرة منها، وهل هي نفسها التي يتم الإعلان عنها في كل مرة، أم أن جدية الحوارات قد بدلتها، وحاجة الأطراف إلى التفاهم قد فرضت شروطا جديدة، أو بدلت القديم منها، علما أن الترتيبات الأمنية ممكنة وسهلة، وشروطها قد تكون مقبولة، وقد يوجد لها أكثر من مخرج، وهو ما تلتزم به الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ولكن ما لن يكون ممكنا أو مقبولا هو الأثمان السياسية، ومحاولات إقحام حركة حماس في المسارات السياسية، التي قد تصب في صالح العدو، ولا تخدم الشعب ولا تنسجم مع أهدافه وطموحاته.
علما أنه لا يمكن عزل أو فصل الحوارات التي تمت في القاهرة عن الجهود والمساعي الأمريكية الجديدة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه مباشرة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دون أي شروط مسبقة، ودون التزام إسرائيل بوقف الاستيطان أو مطالبة السلطة الفلسطينية بتجميده، وقد تم الاتفاق على تشكيل فرق التفاوض من الطرفين، التي تتكون في كل منها من خمسة عسكريين وأمنيين، يتعاون معهم فريق فني وسياسي أمريكي، ليسهل مهمتهم، ويساعدهم في التوصل إلى صيغة تفاهم مشتركة، تكون قادرة على التأسيس للحل النهائي.
فهل يمكن للجهود المصرية مع حركة حماس أن تتم بعيدا عن التوافق الأمريكي، أو تتناقض مع الرؤية الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو لا تخدم الأفكار الجديدة المعدة لعملية السلام، أم أنها تتم بالتوافق والتنسيق التام مع واشنطن، خاصة في ظل التقارب الملموس بين الرئيسين المصري والأمريكي، وحالة التفاهم والتناغم القائمة بينهما، الأمر الذي يعني أن الجهود المصرية منسجمة مع الرؤية الأمريكية، وأن هناك ضوءا أخضرا أمريكيا برعاية هذه الحوارات وضمان نجاحها، ومنها حوارات حماس ودحلان، لكن وفق الشروط الموضوعة، وعلى أساس الأوراق الأمريكية المطروحة على طاولة المفاوضات المستقبلية.
ما يؤكد هذا المعنى وينفي نقيضه، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تؤيد هذه المساعي، وترعى ولو من طرف خفي هذه المفاوضات، وهي التي ستغطي الكثير من النفقات والالتزامات المادية لقطاع غزة، والتي سيكون أولها صفقات السولار المشغلة لمحطة كهرباء غزة، وتنظيم فتح معبر رفح الحدودي بعد إعادة تأهيله.
وما كان لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تخطو في هذه الاتجاه دون أن تكون قد حصلت على موافقة أمريكية مسبقة، أو بدون ضمان نتائج هذا التلاقي والتوافق بين الطرفين الفلسطينيين، فحكومة أبو ظبي التي لا تلتقي حركة حماس ولا تتعاون معها، تريد عودة رجلها القوي محمد دحلان إلى قطاع غزة، وإلى المشاركة في إدارة الحياة السياسية الفلسطينية من الداخل وليس من الخارج فقط.
لا شك أن ما شهدته القاهرة في الأيام القليلة الماضية من حوارات وتفاهمات واتفاقيات سيكون لها ما بعدها، وسينتج عنها الكثير مما نجهل ومما نعرف، ولهذا تكثر التفسيرات وتتعدد الاجتهادات، فهي لن تقدم ترياق الحياة لحركة حماس مجانا، ولن تلقي إليها بطود النجاة دون ثمن، في الوقت الذي خسرت الكثير من مجاديفها، وفي الوقت نفسه لن تقف فقط عند حد المساعدات والتسهيلات الاقتصادية والإنسانية لسكان قطاع غزة، بل ستتعداها إلى قضايا سياسية ومواقف جديدة قد تنطوي على تنازلات موجعة ومراجعات قاسية، فهل يدرك اللاعبون حقيقتها، وهل ينتبهون إلى خطورتها، وهل سيتجنبون مزالقها، أم أنهم لحاجتهم سينزلقون، وبسبب مأزقهم سيتنازلون، ولغياب البديل سيخضعون، ولانسداد الأفق سيقبلون، ولعجزهم سيسقطون.


بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 12/7/2017
httpswww.facebook.commoustafa.elleddawi
moustafa.leddawigmail.com