بوعي أو بدون وعي، يوجه بعض أصحاب الرؤى الذين باتوا يؤمنون أخيرا بأنها وجدت لها متسعا للحركة نتيجة تطورات المشهد السياسي الإقليمي والدولي، سهامهم من حين لآخر لغايات التشكيك وتثبيط القناعات تجاه مبادئ وثوابت ترسخ في وعي ووجدان مواطنيهم في المجتمعات العربية والإسلامية، وربما في سعي منهم لإعادة تشكيل هذا الوعي بدعاوى مواتاة المرحلة.
ويتمترس أصحاب هذه الرؤى خلف ما يمكن أن تفرزه تأثيرات العولمة من تغييرات في الهوية العربية والإسلامية، بعدما عاشوا لعقود حالة من الانعزال ناشئة عن نبذ المجتمعات العربية والإسلامية لهم كونهم يسوقون منتجا مستوردا، يتدثر بغطاء حضاري عصري خلال محاولاته الترويج لوصفة العلاج المفترضة للإشكاليات التي تعاني منها مجتمعاتهم، لكنها في الغالب تبقى تراوح مكانها باعتبارها لا تملك النضج الكافي لفهم تاريخ مجتمعاتها بما في ذلك أسس تطورها الحضاري والإنساني.
محاولة أصحاب هذه الرؤى في حرق المسافات والقفز بهدف تصدر المشهد السياسي والاجتماعي، أدى بهم إلى انفتاح شهيتهم للتحريض ومهاجمة أية صروح فكرية وثقافية أصيلة تمت بصلة للطابع الإسلامي الذي يميز مجتمعاتهم، يصل لحدود العبثية والتخبط الذي من شأنه أن يكون له آثارا تدميرية سيكون أحد أبرز ضحاياها حالة الانسجام والتكافل، ووحدة النسيج المجتمعي.
وطالما أن الحديث عن المجتمع وترابط أفراده، فإن التحريض والهجوم المقصود بالضرورة يستهدف مؤسسات أسهمت منذ عقود طويلة في تشكيل وبلورة كيان المجتمعات العربية والإسلامية، من أبرزها مؤسسات العمل الاجتماعي الخيري والتطوعي التي تأخذ من وقت لآخر نصيبها من الهجوم العبثي على صفحات بعض الجرائد، مجانبا النقد البناء القائم على أساس الحوار الموضوعي.
بل تسعى هذه الأقلام بشكل واضح إلى زعزعة ثقة المواطن العربي بمؤسساته وآلية عملها، من خلال اتخاذ سلوكيات فردية شاذة أحيانا كذريعة لتبرير هجومها، ولتمرير الأفكار التقويضية الهادفة لتغيير الهوية الإسلامية لهذه المؤسسات بأي شكل من الأشكال دون إدراك لخطورة هذا الفعل، مع عدم طرح البدائل بشكل مقنع، وانعكاسات ذلك على تناغم الأداء الجمعي في خدمة الفئات الضعيفة في المجتمع.
من بين هذه السلوكيات الفردية الشاذة التي يبني عليها أحد الكتاب حكمه بضرورة الحذر من اللجان الخيرية، بعدما أفتى أحد الشخصيات السياسية الدينية، والمسيطر على بعض هذه اللجان في إحدى دول الخليج، في وقت سابق بجواز الآخذ من زكاة المسلمين ليتم إنفاقها على الدعاية للحملات الانتخابية لمرشحيهم، ليعمم الكاتب بعد ذلك في نهاية مقاله، بشكل ضمني، على أن هذا السلوك يمارسه العديد من رؤساء الجمعيات الخيرية مما يثير الشكوك حول سوء استخدام أموال الزكاة والصدقات.
ويتساءل كاتب آخر عن جدوى خوض منتسبين لجمعيات خيرية غمار العمل السياسي، والنيابي تحديدا، لافتا إلى نوع من الخلط بين النشاطين الخيري والسياسي، ومحذرا من استغلال الأعمال الخيرية وتجييرها لأهداف حزبية وسياسية ضيقة لا تمت لعمل الخير بصلة، مشيرا في الوقت ذاته إلى اسمي جمعيتين لهما تاريخهما العريق في العمل الخيري والإنساني الذي يتجاوز حدود بلادهما.
فيما يطعن كاتب ثالث في نزاهة العديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية، وارتكابها جرما أخلاقيا وقانونيا، من خلال إتباعها أسلوب ما وصفه بالـالمزاجية والواسطة في تقديمها للدعم الذي يستهدف مذهبا دينيا بعينه، ومن أبناء المنطقة، أو لديه تزكية من شيخ دين معروف، وغيرها من أشكال التمييز.
ويذهب الكاتب بعيدا فيما أسماه انحراف العمل الخيري الذي يتخذ طابع الإقحام المتعمد للدين لتشويه جوهر الشريعة الإسلامية السمحة، على حد تعبيره، محذرا من خروج كيانات تحت ستار العمل الخيري تهدف لإشعال نيران الطائفية واستهداف نسيج المجتمع، محملا الجهات الحكومية في بلاده مسؤولية التغاضي عن هذا الانحراف.
وفي سياقات ما ورد في الكتابات السالفة الذكر تجاهل واضح لتاريخ ومنجزات العمل الخيري الإسلامي التي تتجاوز هفوات وأخطاء يرتكبها بعض العاملين في القطاع، وحتى إن شاء البعض أن يسميها تجاوزات، فهي في نهاية الأمر سواء أكانت مقصودة أو غير ذلك فإنها لا تمت بصلة لروح العمل الخيري الإسلامي المتأصل بمبادئه وقواعده الراسخة المستمدة من التشريعات السماوية، والمنصوص عليها في كتاب البارئ عز وجل، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولا يخفي ذلك تلك النبرة الواضحة في توجيه أسباب الأخطاء والتجاوزات إلى العمل الخيري كونه إسلاميا، وليس بسبب سلوكيات بشر قد يخطئون ويصيبون، فهم غير منزهين عن الخطأ بطبيعة الحال، أما العمل الخيري الإسلامي فالحديث عن فضائله ومنجزاته وانعكاسات ذلك على الفرد والمجتمعات لن تتسع سطورنا هذه لحصره، ولكن بالإمكان تقديم لمحة سريعة لجزئيات قد تشحذ الذاكرة لمن نسي عظمة هذا القطاع، أو ترسم بعض الملامح بشكل مقتضب لمن لا يدركون مكانة العمل الخيري الإسلامي
أولا العمل الخيري في الإسلام ليس حالة تكميلية وإنما يصل إلى اعتبارات متقدمة كجزء من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى خالقه تبارك وتعالى، والآية الكريمة من سورة الحج تلخص هذا المعنى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون 77، كما تجدر الإشارة إلى الدعوة الصريحة من البارئ جل وعلا في الآية 104 من سورة آل عمران ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، كما يفصل سبحانه وتعالى بعض أوجه العمل الخيري التي تتسم بالإلزامية للمسلم الذي يريد الأجر والمثوبة، وليست في موضع التخيير، حيث يقول تبارك وتعالى في سورة النساء، الآية 114، لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما، وفي محكم التنزيل والسيرة النبوية الشريفة ما يزخر بالنصوص الصريحة والواضحة في الحث على العمل الخيري، وتبيان فضائله.
ثانيا للعمل الخيري فضل كبير في دعوة الناس إلى الإسلام، وهو ضمانة للحق في الحياة الكريمة، وتنمية المجتمعات، ونشر قيم التسامح والتضامن بين أفرادها.
ثالثا العمل الخيري سلوك حضاري بيئته الخصبة للنمو هي المجتمعات التي تحظى بقدر وافر من المسؤولية والثقافة والوعي، حيث يؤدي هذا العمل دورا مهما وإيجابيا في تنمية هذه المجتمعات من خلال مؤسساته التي يسهم فيها الأفراد كل بحسب إمكاناته في عملية البناء الاجتماعي والاقتصادي، ضمن حس عال من المسؤولية والقدرة على العطاء.
رابعا أدى العمل الخيري والتطوعي دوره البارز في نهضة العديد من الحضارات والمجتمعات، وقد لعب القائمون عليه الدور الأهم في تنمية وتطوير الدول سواء كانت صناعية أم نامية من خلال برامج ومشاريع الدعم الإنساني، والتعاون في شتى المجالات، حيث تدرجت في عملها من دعم الفرد إلى الأسرة وحتى المجتمع.
خامسا كانت روح التكافل الإنساني تظهر بشكل جلي منذ بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي حوادث عدة كبناء المسجد النبوي الشريف وحفر الخندق، ودعوته صلى الله عليه وسلم لشراء بئر ماء احتاج المسلمون إليه منعه عنهم صاحبه، فضلا عن حثه لأعمال تسابق عليها المسلمون منذ بداية الدعوة كسقيا الماء، وكفالة اليتيم، ورعاية الأرامل والعجزة، ورعاية طلبة العلم.
ومن الضروري التأكيد على أن العمل التطوعي والخيري كان وما زال حقا مكتسبا لكل مواطن مهما كان انتماؤه الحزبي أو الديني، أو توجهاته الفكرية، طالما أن هذا العمل يتوافق مع قوانين الدولة، وقد سار العمل الخيري الإسلامي في هذا النسق على مدى عشرات السنوات، حيث ظهر ذلك واضحا في شهادات حسن السيرة بعدما ثبت بطلان الإدعاءات الموجهة ضدها بدعم الإرهاب خلال السنوات الماضية، والتي أكدت سلامة أداء مؤسسات العمل الخيري الإسلامي، ومنهجية عملها ذات الشفافية العالية، وذلك من خلال تحقيقات قضائية نزيهة أنصفت هذه المؤسسات وبرأت ساحتها من كافة التهم المتعلقة بهذا الشأن.
وتعدت أهداف الهجمة التي تعرضت لها مؤسسات العمل الخيري الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من خلال التذرع بالاتهامات المتعلقة بدعمها للإرهاب حدود الغايات المصرح بها لوقف تمويل الإرهاب، لتتكشف فيما بعد، بحسب خبراء، الأهداف التي كانت في غالبها سياسية، إضافة لهدف التحريض على هدم القيم الإسلامية المتأصلة في عمل هذه المؤسسات، وما تتضمنه من منظومة أخلاقية، إلى القبول بالتطبيع، والانضواء تحت راية مؤسسات العمل الخيري الغربي، والترويج لقيم العولمة الأمريكية.
ووقف رواد العمل الخيري والعاملين في هذا القطاع موقفا حصيفا وثابتا من هذه الأزمة يقوم على أساس التدقيق والتمحيص ما أمكن في أوراق وملفات مؤسساتهم، لا سيما وأن موقفهم ينبع من ثقتهم المطلقة بسلامة هذه الملفات وتطابقها مع قوانين بلدانهم، إيمانا منهم بأن عملهم ذو الشفافية العالية والذي يجري علنا لا سرا، من السهل مراقبته وتتبعه، ليثبت فيما بعد بأن الحملات التي تستهدفهم بالاتهامات الجزافية لم يكن مقصدها الضبط القانوني، بل لغايات أخرى دفينة تتعلق بمحاولات تقويض النجاحات التي حققها العمل الخيري الإسلامي على المستوى الدولي.
وتأتي الاتهامات من بعض التيارات السياسية من داخل بلدان مؤسسات العمل الخيري، المتيمة بالفكر الغربي، والمنسجمة غالبا مع خطابه السياسي حد التماهي، لتقوم بشكل فعلي بدور مكمل لحملة الاتهامات الغربية، بهدف تكريس نوع من التمييز السياسي، أو الحزبي، وأحيانا الطائفي، بخلاف ما تعلنه من حرص على قطاع العمل الخيري، وذلك من خلال رسائلهم التي يسعون من ورائها للتشويش على قناعات أبناء المجتمع بمؤسساته الخيرية الإسلامية، وتقديمها كما لو كانت حالة طارئة وليست مؤسسات خرجت من نسيج هذه المجتمعات، لتنهض بها اجتماعيا واقتصاديا وفكريا.
وفي حقيقة الأمر، تتجاوز اتهاماتهم منهجية عمل المؤسسات الخيرية الإسلامية أو سلوكيات الأفراد المنتسبين لها، إلى التشكيك بأداء الأجهزة الرقابية والقانونية في دول هذه المؤسسات، حيث تعطي هذه الاتهامات تصورا بأن الدولة بأنظمتها وقوانينها التي تقرها الحكومات غافلة أو عاجزة عن ضبط أداء هذه المؤسسات، على الرغم من المتابعة الحثيثة التي اعتادت عليها الأجهزة الرقابية في هذه الدول، حيث يظهر ذلك بشكل واضح في تغيير القوانين والتشريعات التي تحكم وتضبط عمل المؤسسات الخيرية، من وقت لآخر وفقا لما تراه من مقتضيات تفرضها التطورات داخل وخارج الدولة سواء من الناحية السياسية أو التقنية الخاصة بعمل هذه المؤسسات.
ويشهد تاريخ العمل الخيري في الدول العربية والإسلامية غيابا شبه كامل لغير المتبنين فكرا إسلاميا أو دينيا بشكل عام، عن ساحات وميادين العمل الخيري، ما يوحي بقلة خبرتهم في فهم التقنيات العملية، والتعقيدات والتحديات الميدانية التي يواجهها القائمون على هذا العمل، الذين عكفوا على الارتقاء به على مدى سنوات طويلة شهدت على إبداعاتهم، وكان من أبرزهم المنتسبين للتيار الإسلامي الوسطي المعتدل، بعدما اكتسبوا الخبرات في هذا المجال، استطاعوا من خلالها ترك بصمات عبر انجازاتهم، لا سيما انطلاقا من دول الخليج العربي إلى خارجه في باقي أرجاء المعمورة.
وليس من المستغرب أن يبدع أصحاب الفكر الإسلامي المعتدل في قطاع العمل الخيري، حيث يؤكد ذلك على فهمهم الحقيقي لتعاليم دينهم السمحة في نظرته للإنسان وتكريمه له، كما تسير بشكل متواز، وفي نسق قريب، المؤسسات الغربية أوروبية وأمريكية القائمة على أساس ديني والتي تسعى لخير الإنسان، ما يشير إلى أن غياب أصحاب الفكر غير القائم على أسس دينية عن ساحة العمل الخيري قد تركوها لأصحاب الفكر الديني يحملون العبء الأكبر منه، ويتحملون مسؤولياته دون غيرهم.
وبفضل جهود مؤسسات العمل الخيري يؤكد الدكتور عبدالله المعتوق رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في كلمة له خلال تكريمه من قبل معرض ومؤتمر دبي الدولي للاغاثة والتطوير ديهاد، مارس الماضي، على أن دولة الكويت أصبحت عاصمة عالمية للإغاثة والإنسانية فقد جبلت منذ القدم على عمل الخير.
وتضطلع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بدورها الخيري الريادي منذ أن تم تأسيسها بقرار أميري منذ العام 1986، حيث تجاوزت الهيئة في تكوينها وأدائها الإطار المحلي لتأخذ الصبغة العالمية، متطلعة في ذات الوقت إلى أن تسهم في تمكين المجتمعات المستهدفة من خلال مشاريع وبرامج تنموية وشراكات إستراتيجية وكفاءات بشرية متخصصة.
وقد كان لأحد رجالات الكويت البارزين بصمته الواضحة في تأسيس الهيئة وغيرها من كبريات مؤسسات العمل الإنساني في البلاد كالهلال الأحمر الكويتي، إضافة لإسهاماته في إدارة مؤسسات أخرى بارزة كبيت الزكاة الكويتي، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة، ألا وهو الشيخ يوسف بن جاسم الحجي، أحد رواد العمل الخيري الإسلامي، الذي صاغ فلسفته الخاصة في تعظيم الإنجاز الخيري، تلك الفلسفة الباقية على مدى الأجيال، ينهلون من دروسها التي باتت فكرا خالصا في هذا المجال.
ويؤكد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي حمود حمد الرومي أن رسالة الجمعية هي إصلاح الفرد والأسرة في بناء المجتمع في إطار العقيدة والقيم الإسلامية، بما يحقق نماءه واستقراره، والمحافظة على هويته والقيام بدوره تجاه وطنه والأمتين العربية والإسلامية.
ويضيف خلال تصريحات له في الذكرى الخمسين لانطلاق الجمعية، في نوفمبر 2014، بأن الجمعية بذلت منذ تأسيسها ممثلة بمسئوليها وكافة أعضائها جهودا كبيرة في طريق مشروع الإصلاح والنهضة الحضارية، وحققت بفضل الله تعالى نتائج طيبة وإنجازات عظيمة وثمارا يانعة في كافة المجالات التربوية والشرعية والدعوية والثقافية والاجتماعية والخيرية والإعلامية والاقتصادية، ومعتمدة في تحقيق ذلك كله على الوسائل المشروعة للدعوة والإصلاح، متبعة بذلك كتاب الله وسنة نبيه.
وقدمت مؤسسات وشخصيات على مدى سنوات العطاء الكويتي الطويلة ما يشبه الملحمة الأسطورية في مجال العمل الخيري تمثلت في أدائها لواجبها بإخلاص فائق، وشفافية ومصداقية عالية، وتفان لم يسبق له مثيل، حيث تعد تجربة الدكتور عبد الرحمن السميط، الذي آثر ترك رغد العيش في بلاده، ليعيش قسوة الحياة في مجاهل أفريقيا بغية إغاثة من يئنون تحت الجوع والجهل والمرض، معرضا نفسه لمخاطر لا يمكن التكهن بها، كأنموذج على تضحيات قدمها رجال الخير من أهل الكويت.
وقد أثمرت جهود السميط ومن حذا حذوه من ممتهني العمل الخيري والإنساني إلى إنجازات هائلة طالت قطاعات متنوعة، واستفاد منها مختلف الفئات الاجتماعية، من مكافحة للأمراض والأوبئة، وبناء للمستشفيات، والمدارس، والمساجد، وربما الأهم من كل ذلك تصدي السميط ومن معه من رجال الخير ومن ورائهم المؤسسات الخيرية للمجاعات الموسمية المتكررة في أفريقيا، حيث أنقذت جهودهم مئات الآلاف من خطر الهلاك نتيجة الجوع.
فيما لا تزال انجازات مؤسسة العون المباشر التي أسسها الفقيد العظيم السميط تنهل من روحه المعطاءة، وفكره الإنساني العميق، حيث يؤكد رئيس المؤسسة الحالي عبدالله بن عبدالرحمن السميط بأن أداء المؤسسة المتميز على مدى سنوات منحها المصداقية لدى المؤسسات الدولية، ما فتح أمامها الأبواب لصنع شراكات والتعاون مع هذه المؤسسات كوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واليونسكو، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق التضامن الإسلامي، وغيرها من المؤسسات، فضلا عن التعاون الكبير والشراكة مع حكومات الدول التي تعمل فيها المؤسسة.
ولم يكن استحقاق تسمية الكويت من جانب الأمم المتحدة كـ مركز إنساني عالمي، في يناير 2014، ومنح أمير الدولة صباح الأحمد الصباح لقب زعيم للإنسانية سوى أقل القليل لتقدير الدور الإنساني الكبير الذي تلعبه هذه الدولة صغيرة المساحة، ليكون بذلك احتفاء وتكريما لسمو وطيب أخلاق شعبها، وعظمة مؤسساتها التي لم تخذل يوما يدا تمتد طالبة الغوث والمساعدة.
وللمؤسسات الكويتية نظيراتها في دول الخليج الأخرى، من حيث تشابه ظروف النشأة في غالب الأحيان، انطلاقا من كونها رغبة شعبية عبرت عنها ثقافة المجتمع المسلم، يتصدرها رجالات حملوا على عاتقهم عبء المسؤولية في إعلاء شأن مؤسسات العمل الخيري الإسلامي، ليعلوا بالتالي شأن بلادهم التي امتلكت السمعة الرفيعة، والتي أفاضت بالخير والفائدة على تعاملات دول الخليج مع المؤسسات الدولية ونظيراتها من دول العالم.
وفي هذا الإطار، تجب الإشارة إلى أن مؤسسات العمل الخيري الأهلي السعودي يحسب لها قدرتها ومرونتها في التناغم مع التوجهات الخيرية الرسمية، حيث كانت تعبر دوما عن سياسات المملكة في المجال الخيري، الذي أدى عبر مسيرة الخير الطويلة إلى رسم معالم الدور الإنساني السعودي، وبلورة هويته العالمية، ليشهد فيما بعد لمهنية هذه المؤسسات هيئات دولية منبثقة عن الأمم المتحدة عقدت معها شراكات، وعلاقات تشبيك واحتكاك ميداني مباشر عملت على إثراء تجربة المؤسسات السعودية.
ويلخص توجهات مؤسسات العمل الخيري في السعودية، وفي العالم الإسلامي عامة، الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، صالح بن سليمان الوهيبي خلال كلمة له ضمن فعاليات افتتاح المؤتمر العالمي الثاني عشر للمنظمة في المملكة المغربية، في يناير 2015، التي أكد فيها أن المنظمة ليست سياسية، مطالبا بالفصل بين ما هو سياسي وما هو إنساني، وهذا من صلب الأعراف والمقررات الدولية.
وقد أدت مؤسسات العمل الخيري الإسلامي في السعودية، على رأسها الندوة العالمية للشباب الإسلامي، أدوارا وضعت المملكة العربية السعودية في مراتب متقدمة على المستويين العربي والإسلامي، جسدت من خلالها رؤية المملكة ورسالتها الهادفة لتكريس الخير والسلام والمحبة والتكافل الإنساني، المستمدة من تشريعات وتعاليم الإسلام السمحة.
وفي قطر تقدم المؤسسات الخيرية القطرية من خلال علاقتها البالغة الانسجام بحكومة بلادها، أنموذجا للشكل التكاملي الذي تكون عليها الحالة الخيرية في المجتمعات، حيث باتت الدولة صغيرة الحجم في مصاف كبريات الدول المانحة في العالم، في سنوات قليلة، متجاوزة من سبقوها منذ عشرات السنين، وذلك من خلال سياساتها في رسم إستراتيجيات المرحلة، وامتلاكها إمكانيات التطوير والتحديث، والرؤية الحكيمة التي مكنتها من استيعاب التجارب الخيرية في المنطقة والعالم، وفهم مفردات العمل الإنساني العالمي من خلال التزود بكافة الوسائل الحديثة التي باتت تشكل متطلبات عصرية لمن يتطلع إلى بلوغ القمة.
ومكنت حالة الانسجام بين المؤسسات الخيرية القطرية وحكومتها، من استيعاب المتغيرات التي طرأت على العمل الخيري الإسلامي بعد إعلان الحرب عالميا على الإرهاب، والفكر المتطرف الذي يعيث في الأرض فسادا، من خلال تأسيس هيئة تنظيم الأعمال الخيرية في العام 2014 بموجب قرار أميري، لتقوم بمهمة مراقبة وتنمية ودعم الأعمال الخيرية والإنسانية.
وشكل القرار جرعة إضافية من الشرعية القانونية، بدأت تسهم في تقوية موقف المؤسسات الخيرية في الخارج، وذلك بفضل إبعاد أية شبهة قد يختلقها المتربصون بالعمل الخيري الإسلامي، وتسحب منهم الذرائع بعدما تكفلت الهيئة بعملية الإشراف على جمع التبرعات وتنسيقها ومراقبتها بصورة دقيقة، وإلزام كافة الجمعيات بالخضوع لرقابة الهيئة، وتزويدها بالمعلومات والمستندات اللازمة والمطلوبة للقيام بعملها وأداء واجبها الرقابي بحسب البروتوكول الذي قامت على أساسه الهيئة.
وشهدت الأمم المتحدة مؤخرا على لسان المتحدث الرسمي باسمها، ستيفان دوجاريك، الذي أكد في تصريحات صحفية في يونيو الماضي، بأن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قام على مر السنين ببناء شراكات قوية مع جمعية قطر الخيرية على أساس مبادئ إنسانية مشتركة غير سياسية على الإطلاق، وتابع بأن الخيرية القطرية تقوم بـتنفيذ مشاريع مدرجة في خطط الأمم المتحدة المنسقة للاستجابة الإنسانية في اليمن وفي سوريا وفي العراق حيث تشارك أيضا في هيكل التنسيق الإنساني المشترك حسب ما نقله المركز الإعلامي للخارجية القطرية.
ويعتبر التطور الأخير، مطلع الشهر الحالي، الذي شهد توقيع منظمات إنسانية قطرية في العاصمة الدوحة حزمة مشاريع شراكة مع منظمات تابعة للأمم المتحدة، بلغت قيمتها الإجمالية 8.5 ملايين دولار أمريكي، خير شهادة على نزاهة ومهنية وشفافية مؤسسات العمل الخيري الإسلامي من أعلى هيئات أممية، لا سيما وأن الحضور من الطرف الأممي كانت مؤسسات الصف الأول وتمثلت في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، وبرنامج الغذاء العالمي WFP، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، ومنظمة الصحة العالمية WHO ، بينما كانت عن الجانب القطري هيئة تنظيم الأعمال الخيرية القطرية، والهلال الأحمر القطري، وقطر الخيرية، ومؤسسة ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية راف، ومؤسسة الشيخ عيد الخيرية، ومؤسسة عفيف الخيرية.
وفي البحرين، سعت المؤسسات الخيرية البحرينية، إلى التناغم مع مشاريع الإصلاح الاجتماعي والسياسي التي أطلقها العاهل البحريني منذ عدة سنوات، بهدف ترسيخ صورة المجتمع الواحد المتماسك الذي يقف بصلابة في وجه المتربصين به وبوحدة نسيجه، وذلك من خلال تكوين حالة من الوعي المجتمعي بضرورة التوحد ونبذ كافة أشكال الفرقة، والعمل على محاربة الفساد المالي والإداري وصولا لترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية في البلاد.
وفي صدد سلوك الجمعيات الخيرية البحرينية لمنهجية التناغم المذكورة، تقدم جمعية الإصلاح نفسها للمجتمع البحريني كمؤسسة ملتزمة بالمنهج الإسلامي الوسطي، المستمد من الكتاب والسنة، كما أنها ترفع شعار التعاون مع كافة الجهات الرسمية والأهلية على تنمية الوطن وازدهاره وتعزيز وحدته الوطنية، والإيمان بالوحدة الخليجية، والسعي لتعزيز انتماء المجتمع للعالمين العربي والإسلامي، ومؤازرة الشعوب العربية والإسلامية في سعيها إلى النهوض والوحدة.
وقد أكدت جمعية الإصلاح في بيان صدر عنها مؤخرا بأنها كانت وما زالت جمعية وطنية إسلامية وسطية ترتبط بمصالح الوطن العليا ومع قيادته الشرعية، كما أن الجمعية تعمل ضمن إطار النظام والقانون خدمة لأبناء الشعب البحريني، وليس لها علاقة بأية مرجعيات أو جهات خارجية.
وفي ذات الإطار، يؤكد رئيس الجمعية عبد اللطيف الشيخ على أن الجمعية تحترم وتلتزم بقوانين الدولة وإجراءات قيادتها السياسية المتخذة في سبيل الحفاظ على أمنها واستقرارها وحمايتها من التدخلات الخارجية، متمسكة بالشرعية الدستورية لحكم آل خليفة الكرام.
من جهة أخرى، يقوم برنامج عمل الجمعية الإسلامية على النهوض بالمجتمع البحريني، فضلا عن تقديم يد العون للمحتاجين خارج المملكة، حيث شملت مشاريع المؤسسة مناطق مختلفة من بقاع الأرض.
أما في الإمارات، تولي الدولة اهتماما كبيرا بالعمل الخيري باعتباره قيمة إنسانية قائمة على العطاء والبذل، وكذا باعتباره سلوكا حضاريا بمستويات متقدمة من الثقافة والوعي والمسؤولية، حيث ينمي هذا السلوك الإحساس بالمسؤولية لدى المشاركين ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال الذي يتميزون فيه.
يقول أحمد شبيب الظاهري، مدير عام مؤسسة زايد بن سلطان للأعمال الخيرية والإنسانية، في تصريح صحفي نشرته صحيفة البيان الإماراتية في سبتمبر 2016، إن الإمارات تعد من الدول الرائدة في مجال العمل الخيري ومبادراتها المستمرة خير شاهد على ذلك، فهي التي خصصت مدينة خاصة للخدمات الإنسانية وتحرص قيادتها الرشيدة بشكل مستمر على إطلاق المبادرات التي تستهدف مد يد العون للمحتاجين في شتى بقاع الأرض، مشيرا إلى أن هذا الدور الكبير يحفزنا شعبا وجمعيات أهلية واجتماعية إلى الوعي بأهمية الدور الإنساني على المستوى الداخلي والخارجي.
ويؤكد عبد الله علي بن زايد، المدير التنفيذي لجمعية دار البر الخيرية بأنه لا يخفى على أحد حجم الأعمال الخيرية التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، بما جعلها بفضل المولى عز وجل بين الدول الأكثر عطاء، ولا شك بأن ذلك لم يكن يحدث سوى بالجهود الإنسانية المتواصلة التي تبذلها قيادة الدولة الحكيمة والأنشطة والفعاليات التي تعزز وترسخ ثقافة العمل الخيري والخدمة والرعاية الاجتماعية وأصبحت قيمة أساسية ضمن العديد من القيم الإنسانية الإيجابية في المجتمع الإماراتي.
وفي سلطنة عمان، قانون حديث صدر عام 2000 ينظم عمل الجمعيات الأهلية، حيث يحدد مجالات عمل هذه الجمعيات، ويصنفها بحسب ما تقدمه من خدمات وأنشطة خيرية، كما ينظم عمل المؤسسات الخيرية من ناحية تعاطيها في الشأن السياسي.
ويشير وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، عضو مجلس إدارة الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، في تصريح لصحيفة الشبيبة العمانية، في ابريل 2017، إلى أن العمل الخيري في السلطنة يعد منظومة متكاملة ولا يمكن أن تحقق أهدافها إلى من خلال التنسيق بين الهيئة العمانية للأعمال الخيرية والجمعيات المتخصصة والمسجلة في السلطنة، مؤكدا أن هناك تنسيقا قائما بين الهيئة والجمعيات ووزارة التنمية الاجتماعية، وأن استخدام الأنظمة الالكترونية يسهل ويساعد في استهداف الحالات المستحقة للدعم.
وتدعم الحكومات عادة عمل مؤسسات العمل الخيري والإنساني، حيث جرى ويجري ذلك في الدول العربية، الخليجية منها بشكل واضح، كما جرت العادة كذلك في دول العالم المتقدم، حيث تحظى هذه المؤسسات بثقة الحكومات نظير ما تقدمه من جهد في خدمة ملايين البشر المستحقين للدعم الإنساني، الأمر الذي يلغي أية حواجز وحدود تحول دون المؤسسات وحكوماتها نظرا لتكامل وتداخل الوظائف والأدوار فيما بينها.
ويتيح ذلك علاقة انسيابية لا تعقيد فيها بين مؤسسات العمل الخيري ومجتمعها بما في ذلك الحكومات والمستفيدين من خدماتها، وكذلك المراقبين لأدائها، والذي يسهل على صاحب أية شكوى أن يدلي بشكواه في أداء هذه المؤسسات والقائمين عليها، إضافة للعاملين فيها، حيث جرى ذلك سابقا في عدد من الدول، وفقا للقوانين واللوائح المتبعة خرجت في غالبيتها مؤسسات العمل الخيري في عدد من الدول العربية بيضاء اليدين، لا يشوبها شائبة، إلا من افتراء مغرض يقوم على أساس سياسي أو إيديولوجي عبثي.
الدكتور عصام يوسف رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة