لم تقف الإعاقة البصرية، حائلاً أمام الطالبة المتفوقة، أسماء أبو هلال، من محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، والتي حصلت على مُعدل "95.1%"، في الثانوية العامة – الفرع الشرعي.
وحافظت "أسماء" على تفوقها، رغم إعاقتها، منذ الطفولة، فلم تقبل سنةً أن تتراجع عن الأوائل الثلاث في مدرستها، حتى أنها توجت الأولى على مدرسة شفا عمرو برفح، في فرعها، في الصف الحادي عشر الثانوي.
"أسماء"، تمتلك عزيمة وإرادة، جعلتها تتعامل مع نفسها، كما الآخرين، وأنها ليست بمعزل عن المُحيط الذي تعيش به؛ ووضعت نصب عينيها طموحًا وهو أن تحصل على مُعدل أوائل الوطن، حتى حصدت ما تتمناه على مستوى محافظتها.
تحديات وطموح
هذا المُعدل الذي كانت تتطلع له، كان خلفه هدفًا عظيمًا، تجد "أسماء" نفسها به، وهو دراسة الشريعة الإسلامية في الجامعة، وتُصبح مدرسة جامعية، تلقي هذا التعليم لطلابها.
تُعبر "أسماء"، عن سعادتها الكبيرة، بتفوقها، رغم أنها كانت تتوقع أكثر من ذلك؛ قائلاً : "تلقيت الخبر بكل سعادة وسرور، وسجدت شكر لله، أنني حققت ما أتمناه، كخطوة أولى على طريق تحقيق حُلم المستقبل، وعمت الفرحة منزلنا عند إعلان النتائج".
وتلفت، إلى أنها لم تستسلم للواقع، ولا للمجتمع المُحيط، الذي تُعتبر نظرته سلبية للشخص المُعاق، بأي نوع من أنواع الإعاقة، بل ثابرت واجتهدت، وحافظت على التفوق منذ الصغر؛ كما أثقلت ثقافتها بامتلاكها موهبة الإنشاد وحفظ أجزاء من القرآن الكريم.
وتقول "أسماء" لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "منذ ولادتي لم أبصر شيئًا، ولم أعرف ما يدور حولي، حتى كبرت، ودخلت الروضة والابتدائية، وحافظت على التفوق، لحين أصبحت بالثانوية، وحققت النجاح وتوجت سنوات الشقاء بهذا المُعدل، ولم أضيع تعب أهلي معي".
وتضيف : "كنت أدرس في كُتب خاصة عبر كُتب (برايل) الخاصة بالمكفوفين، كنت أجلبها من مدرسة خاصة، وكنت في المدرسة كما باقي زميلاتي، والكل يساعدني ويُساندني ويقف معي، من مدرساتي وإدارة المدرسة، والأسرة، والمُحيطين، وهذا كان دافع كبير للتفوق".
يذكر أن منزل "أسماء" تعرض للقصف الإسرائيلي، خلال العدوان على غزة الأخير؛ مما تسبب في استشهاد عدد من أفراد عائلتها، وتدمير غرفتها الوحيدة التي تقطن بها، وتمزقت كتبها وملابسها وأثاث غرفتها، لكن ذلك لم يُثنيها عن مواصلة مشوارها في الحياة.
وعلى الرغم من إعاقتها البصرية، إلا أن "أسماء" ترى أن ذلك لم يؤثر يومًا على مركزها الاجتماعي، وتقول: "إن أكثر من فقدوا أبصارهم متفوقون ورائدون في عصرهم، فحتى لو فقدنا أبصارنا فإن عقولنا تمتلك البصيرة، وما مثال طه حسين ببعيد".
دعم وتفوق
وغمرت الفرحة منزل أسرة "أبو هلال"، خاصة والداها اللذان وقفا معها وسانداها؛ وتقول الأم لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، : "اليوم يوم عيد، أن نجحت ابنتي ورفعت رأسي، وأثبتت لنا أنها تمتلك عزيمة وإرادة أقوى منا جميعًا، وأنها أجدر أن تحصل على هذا المُعدل".
وتتابع الأم : "سعيت قدر الامكان على توفير الأجواء المناسبة لابنتي كي تتمكن مواصلة دراستها بشكل سليم، كما اعتادت عليه منذ طفولتها، لتصل إلى ما تسمو إليه بحصد مراكز متفوقة لتنفع به وطنها ودينها".
ومضت بالقول :"في أوقات دراستها واختباراتها أقف بجانبها، حتى أنني في بعض الأحيان أقوم بإلغاء أمور هامة في حياتنا من أجلها، لنقدم لها كل ما نملك لإسعادها."
وبينت "أبو هلال" أن ابنتها هي النور الذي تمشي به في حياتها، فهي تفتخر بأنها أنجبت طفلة مثل المتفوقة "أسماء"، فالجميع يتمني أن يصل إلى ما وصلت إليه ابنتي المتفوقة.
وأشارت إلى أنها لم تواجه صعوبات خلال تعليم ابنتها، فهي ذكية؛ كذلك مميزة عن غيرها، وتحاول قدر الإمكان أن تثبت لنا لا ينقصها شيء عن غيرها من الطالبات.
وتمنت والدة "أسماء"، لابنتها التفوق والنجاح في حياتها الجامعية، وتدرس التخصص الذي تتمناه، وتعبت لأجل أن تصل له في يوم ما؛ كما تمنت التفوق لجميع المتفوقين في الثانوية العامة "التوجيهي" من أمثالها، الذين تحدوا إعاقتهم، واثبتوا أن المُعاق هو مُعاق الفكر والعقل، وليس الجسد.