حق الفلسطينيين في مفاوضات علنية وحوارات شفافة

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

الإدارة الأمريكية بلسان رئيسها دونالد ترامب تعلن عن مباشرتها صفقة القرن بين الكيان الصهيوني والدول العربية لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، واستعدادات تجري على قدم وساق لتشكيل الوفود المفاوضة للمباشرة في مفاوضات مباشرة برعاية أمريكية، ووعود إسرائيلية بسلال متعددة وتسهيلات جديدة تقدمها بدفع وتشجيع من الإدارة الأمريكية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحديث متواتر عن وعود إسرائيلية بجزيرة عائمة قبالة شواطئ قطاع غزة.
وتسويات أردنية إسرائيلية بشأن المسجد الأقصى والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، وموقف أردني لافت وغاضب من تصريحات الرجوب حول ملكية حائط البراق، ومفاوضات تدور في القاهرة بين حركة حماس وتيار محمد دحلان النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، وصفقات كبيرة توقع، وتفاهمات عديدة يتفق عليها، وحديث عن تسميات جديدة لرئاسة المجلس التشريعي وحكومة الوحدة الفلسطينية الجديدة، وعن الشراكة الوطنية في اللجنة الإدارية لقطاع غزة.
وحوارات أخرى متعددة المستويات بين قيادة حركة حماس في قطاع غزة والحكومة المصرية بالقاهرة، واعتراف مصري بسلطة الأمر الواقع، وتشريع التعامل والتعاون معها، وإنهاء القطيعة وتنظيم العلاقة، وأحاديث عامة عن قرب تنظيم فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وتشغيله لفترة يوميا ثم على مدى اليوم والليلة، وعن محطة توليد كهرباء جديدة في رفح المصرية، وأخرى لتحلية مياه البحر في نفس المدينة.
وحوارات سرية فاشلة أو غير ناجحة لإجراء المصالحة وإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بالاستناد إلى وثيقة الأسرى واتفاق الشاطئ وبنود اتفاقات القاهرة، وشروط عربية تمليها الرباعية العربية على القيادة الفلسطينية، وخطط عكسية متناقضة تفرضها السلطة الفلسطينية لتركيع حركة حماس ونزع قطاع غزة منها، وإجراءات عقابية انتقامية استنسابية ضد السكان عامة، ومساعي لتنسيق الحصار مع الحكومة الإسرائيلية، وضغوط تمارس عليها للمساهمة في خنق القطاع، والمشاركة في تجويع المواطنين وحرمانهم.
وغير ذلك الكثير من المتناقضات والتسريبات، مما يصدع الرأس، ويتعب النفس، ويخلق الحيرة والبلبلة ويتسبب في انتشار الإشاعات وتعدد القراءات وتباين التفسيرات، فضلا عن اضطراب الشارع وعدم استقرار المجتمع، وتعطل الحياة فيه وجمود المرافق العامة الباقية العاملة فيه، إذ أن عامة الشعب في وطنه والشتات لا يعرف حقيقة هذه العناوين، ولا يملك إزاءها غير الترقب والانتظار وتوقع النتائج والمفاجئات، وذلك لغياب المواقف الرسمية الشفافة والصادقة، التي تصف الواقع وتسلط الضوء على ما يدور خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، وفي العواصم العربية أحيانا، وبعيدا عن الأضواء والعيون في العواصم الغربية في أحايين أخرى كثيرة.
كثيرة هي القضايا التي تشغل بال الشعب الفلسطيني وتقلقه، وتخيفه وتزعجه، نتيجة غياب المعلومات وإخفاء الحقائق، وتستر المسؤولين وادعائهم الحرص الزائد على السرية لضمان النجاح وخشية التسريب والإفساد، أو بسبب الخوف من مواجهة الشارع وصدمه بالحقائق والوقائع، وهو الأمر القائم فعلا، إذ يخشى المسؤولون الفلسطينيون على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم وتباين ملفاتهم الحزبية والرسمية، من مصارحة الشعب وبيان الحقائق لهم، أو مشاركتهم ومعرفة رأيهم.
إنهم يعلمون أن الشعب لن يوافقهم، وبالتأكيد سينقلب عليهم، وسيرفض توجهاتهم، وسيعارض سياساتهم، ولن يقبل بأي اتفاق يبرمونه يتعارض مع ثوابتهم، ويتنازل عن حقوقهم، ويفرط في أرضهم ووطنهم ومقدساتهم وتراثهم وممتلكاتهم، وحقهم المقدس والثابت في العودة وإقامة الدولة وتقرير المصير، لهذا فإنهم يتحركون في الخفاء، ويجتمعون في الليل، ويوقعون بصمت، ويفرضون على اتفاقياتهم تعتيما لئلا يعلم الشعب به فيتشكل عنده رأي أو تكون له ردة فعل قاسية.
إن من حق الشعب الفلسطيني كله في الوطن والشتات، في القدس والضفة الغربية، وفي قطاع غزة والأرض المحتلة عام 1948، وفي مخيمات اللجوء والشتات في الدول العربية، وفي منافي العالم المختلفة ومهاجر الفلسطينيين المنتشرة في كل أنحاء العالم، شأنهم شأن أي شعب آخر، أن يطلعوا جميعا على ما يجري في وطنهم وما يقع على شعبهم، وأن يعرفوا ما يخطط لهم وما يحاك ضدهم وما يراد بهم، وأن يحاطوا علما بمآل شعبهم ومصير بلادهم ومستقبل وجودهم، وما يطرأ على قضيتهم وما يستجد في مسألتهم، وما يقترح من حلول ومشاريع لتسوية مشكلتهم، وتصفية قضيتهم، وإنهاء نضالهم ووضع حد لمقاومتهم، علما أن العدو يصارح شعبه، ويطلعه على حقيقة ما يواجه، ويشترط أحيانا موافقته في استفتاءات عامة على أي خطوة أو قرار يتعلق بمصيرهم، أو يمس وجودهم ومشروعهم.
ومن حقه أن يحيط علما بحقيقة أمره، وأن يعلم كل صغيرة وكبيرة تتعلق بقضيته وما يدور حولها، والمفاوضات التي تجري بشأنها والحوارات التي تعقد بسببها، والاتفاقيات التي تبرم والمعاهدات التي تفرض عليهم، والتعهدات التي تلتزم بها قيادتهم، والضمانات التي توفرها باسمهم، والخدمات التي تقدمها نيابة عنهم، وغير ذلك مما يعرضه الوسطاء ويتعهد به الرعاة، فهذا الشعب حر كريم عزيز، له رأي حر، وعنده إرادة صادقة، لا يفرض عليه حل بالقوة أو موقف بالإكراه، ولا يساق كالخراف، ولا يردد كالببغاوات، ولا يصفق كالأطفال، ولا يهتف بحياة الزعيم وروح القائد كالجاهلين والسوقة والدهماء.
الفلسطينيون ينتظرون من قيادتهم مواقف واضحة وتصريحات رسمية، وخطابا صادقا شفافا، يجلو الحقيقة ويرسم الصورة وينفي الغموض، ويتيح لهم الفرصة في المشاركة في صناعة غدهم واستشراف مستقبلهم، وهذا ليس منة من المسؤولين عليهم، ولا هو فضل يمتنون به ويشكرون عليه، إنما هو حق الشعب عليهم، وواجبهم تجاهه، وهو من كمال الأمانة وتمام المسؤولية، ومن صفات القيادة ومميزات الريادة، إذ لا يجوز خداع الشعب أو حجب الحقيقة عنه، أو تجميل واقعه وتزيين حالته بصور خيالية مختلقة تخالف الواقع وتتنافى مع الحقيقة، إذ في هذا خيانة وخديعة، وتزييف باطل وتمرير فاسد، والشعب لا يقبل أن يخدع ولا يسكت عمن يخونه ويغدر به، كما أن الرائد لا يكذب أهله ولا يخون شعبه.

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 14/7/2017
httpswww.facebook.commoustafa.elleddawi
moustafa.leddawigmail.com