بعد استقالة رئيس أركان الجيوش الفرنسية بيير دو فيلييه من منصبه بسبب خلاف حاد مع الرئيس ماكرون بسبب قرار الاخير بخفض الإنفاق الدفاعي وتقليص ميزانية الجيش، معلقا دو فيليه قائلا " لم أعد قادرا على الحفاظ على استمرارية نموذج الجيش الفرنسي الذي نؤمن به لضمان حماية فرنسا والشعب الفرنسي اليوم وغدا لدعم طموحات بلادنا"، وبعد حالة من الحراك السياسي الواسع بالعاصمة الفرنسية وأيام كانت فرنسية بأمتياز أختتمت بزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لباريس، كان يجب علينا أن نتوقف قليلا عند بعض المشاهد ونطرح أسئلة هامة، كي نقراء ما يحدث بفرنسا من الزاوية الصحيحة.
أولا: لصالح من يتم تحجيم القدرات العسكرية الفرنسية مستقبلا، مع العلم أن الصناعات الدفاعية الفرنسية هى من انقذت فرنسا من أزمتها الاقتصادية الطاحنة بعد عقدها لصفقات عسكرية مع دول عديدة فى مقدمتها مصر، وتحجيم الدور الفرنسي العسكري خارجيا ومن سيملأ فراغه.
فما تمتلكه فرنسا من قدرات عسكرية متطورة بجانب أنها القوى النووية الوحيدة الان فى الاتحاد الاوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، الامر الذي جعل فرنسا شريكة فى أي حوار عسكري بالاطلسي أو بالعالم، وجعل فرنسا بمثابة الدرع الاول للقارة العجوز، فأذا كان الاقتصاد والصناعة وضعو المانيا فى المقعد الاول بأوروبا وجعلها شريك فى أي حوار أقتصادي عالمي، كذلك كانت الترسانة والقدرات العسكرية لفرنسا.
ثانيا: ما السر الحقيقي وراء عزل وزيرة الدفاع سيلفي جولار التى لم يستغرق عملها كوزيرة للدفاع سوى 24 يوما، أقتصر أبرز عملها بتلك المدة القصيرة جدا على زيارة لمصر بصحبة وزير الخارجية الحالي ووزير الدفاع الاسبق جان ايف لودريان، ثم يتم تعيين فلورانس بارلي يوم 21 يونيو الماضي، والتى تتواجد الان بالاردن لزيارة بعض القواعد العسكرية بصحبة رئيس الوزراء الاردني، بعد أن أكدت على توجيه هزيمة ساحقة لداعش.
فأي داعش تقصد؟ وبأي أرض (العراق أم سوريا) ستوجه لهم الهزيمة؟
ثالثا: ذهاب ماكرون لدولة مالي للاجتماع بدول الساحل والصحراء الهدف الرئيسي منه هو تقليص التواجد العسكري الفرنسي بتلك المنطقة مستقبلا (على عكس ما ذهب له البعض أن لم يكن الجميع فى تحليل ذلك المشهد)، فهل قناعة فرنسا حاليا بأنه لا حل فى التنظيمات الارهابية بشمال مالي؟.
لا أتردد منذ اليوم الاول فى رؤيتي للرئيس الشاب الفرنسي إيمانويل ماكرون الذى أستطاع وقت أن كان صبيا مراهق أن يخطف قلب بريجيت ترونيو (معلمته بمدرسة اليسوعيين الخاصة بمنطقة أميان شمال فرنسا لمادة الدراما، والتى تكبره بأكثر من أربعة وعشرون عاما) من زوجها المصرفي أندريه أوزيير واطفالها الثلاث (كي يكون التلميذ ماكرون زوج والدة زميلته فى نفس الفصل لورانس أندريه أوزيير) بأنه يريد أن يثبت لنفسه أولا قبل غيره أنه وهو فى شبابه أن يكون بونابرت جديد ويستطيع أن ينتزع فرنسا بكافة مؤسساتها.
وسيظل ما نشره دو فيليية رئيس الاركان الاسبق عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" يوم الجمعة الماضي، وهو يشير لماكرون ويقول "ليس هناك من يستحق أن نتبعه ونحن مغمضي الأعين" رسالة موجهة للاعلام الذى صنع ماكرون ومن خلفه، قبل أن تكون رسالة موجهة للشعب الفرنسي أو جنرالات وقيادات الجيش الفرنسي أنفسهم.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط [email protected]