العملية البطولية التي نفذها الشاب الفلسطيني عمر العبد مساء الجمعة 21/7/2017 وأدت إلى مصرع ثلاثة صهاينة محتلين، والرسالة الوصية التي كتبها عمر على صفحته على الفيس بوك تستوجب التوقف عند محطات بتقديرنا مفصلية إستراتيجية للبيت الفلسطيني، وفي سياق الصراع مع العدو الصهيوني.
اولاً، ولد عمر في العام 1998، أي بعد 5 سنوات على توقيع إتفاق أوسلو الذي بموجبه اعترفت م. ت. ف. بـ "شرعية" العدو الصهيوني على 78% من أرض فلسطين الإنتدابية مقابل إعتراف الكيان المحتل بمنظمة التحرير وإنشاء سلطة حكم ذاتي على 22% من الأراضي الفلسطينية على أن يتحقق إقامة دولة فلسطين في العام 2000، في وعد أقل ما يقال فيه بأنه كذبة كبيرة، إذ لم يتحقق شيئ حتى الآن. وكان عمر الشاب اليافع أربعة سنوات فقط عندما أعاد العدو الصهيوني إحتلال مدن الضفة الغربية بالكامل سنة 2002، وقد كان لديه من العمر 9 سنوات عندما حدث الإنقسام الفلسطيني.
عمر هو واحد من الآلاف من الأطفال والشباب الذين كبروا في ظل القهر والظلم الذي شكل حاجزاً أمام تحقيق أحلامهم وأمانيهم ورسم البسمة على وجوه الناس، وهم الآن من يتصدر المواجهات مع الإحتلال رافضين الإعتراف وفكرة التعايش مع المحتل، وإذا كان قد نجح عمر باختراق كل الحواجز العسكرية وكلاب الحراسة وكاميرات المراقبة والوصول إلى مستوطنة "حلاميش" وتحويلها ومستوطنات الضفة والقدس إلى مدن أشباح، فلن يتردد أي من الشباب الغيور على القدس والأقصى والمقدسات من أن يحذو حذو عمر عندما تحين له الفرصة، مما يعطي مؤشر بأن مرور حوالي ربع قرن من محاولات غسل الدماغ وكي الوعي لدى الشباب الفلسطيني لتقبل الإحتلال قد باءت بالفشل، وأن من يريد أن يحقق إنجازات نوعية للشعب الفلسطيني عليه أن ينحاز إلى مقاومة الإحتلال كخيار استراتيجي وممارسة كافة أشكال المقاومة وضمن الوسائل المتاحة، وأن الرهان على عملية التسوية والمفاوضات قد فشل.
ثانياً، جاءت العملية بعد مرور أسبوع كامل من التعدي غير المسبوق للإحتلال على المسجد الأقصى المبارك وقيامه بإجراءات تشكل تحدياً ليس للفلسطيني فقط وإنما كذلك للعربي والمسلم ولكل غيور من العالم الحر الذي يرفض الإحتلال، من إغلاق للمسجد أمام المصلين، ومنع إقامة الصلاة ورفع الأذان فيه، ومصادرة مفاتيحه، والعبث بمحتوياته وتركيب أبواب الكترونية، والهدف ليس أمنياً بقدر ما هو إستغلال العملية البطولية التي نفذها ثلاثة فلسطينيين ارتقوا شهداء من عائلة جبارين صباح الجمعة 14/7/2017 وقتل فيها إثنين من شرطة الإحتلال الصهيوني في محاولة لتكريس واقع جديد للإحتلال بفرض أمر التقسيم الزماني والمكاني في مدينة القدس، وصولاً لتهويدها في نهاية المطاف.
يراقب عمر ويتابع ومعه الكثيرون، الإعتداءات المنهجية الصهيونية بحق الأقصى والمقدسات والإهانات بحق المقدسيين والمصلين من الشيوخ والأطفال والنساء والرجال والشباب.. ليضع النقاط على الحروف في رسالته الوصية والتي أعتقد ينبغي قراءة حروفها وكلماتها وجملها ومعانيها بتأن وبعناية فائقة كتعبير ليس فقط عن ما يجول في خاطر عمر وإنما كحالة شبابية ترفض الإستمرار في العيش في ظل الإحتلال وتحاول أن تنتهز أي فرصة للتعبير وبأي من الوسائل المتاحة، ومما قاله عمر في رسالته :
"انا شاب لم يتجاوز عمري العشرين، لي أحلاماً وطموحات كثيرة، كنت أعلم أنه بعون الله ستتحق أحلامي. كنت أعشق الحياة لرسم البسمة على وجه الناس، لكن أي حياة هذه التي يٌقتل فيها نساؤنا وشبابنا ظلماً ويدنس أقصانا مسرى حبيبنا ونحن نائمون أليس من العار علينا الجلوس". وبأنه في حال استشهاده "لفو رأسي بعصبة القسام ولفو على صدري عصبة أبي عمار وادخلوهم معي في القبر، أنا أعي ما اقول" وليضيف راجياً ومتوجهاً إلى حالة الإنقسام الفلسطيني "أرجوكم وحّدوا صفوفكم فكلنا واحد ودمنا واحد وعدونا واحد وأقصانا واحد فلم الفرقات الحمقاء بيننا".
رسالة عمر وصلت للإحتلال بأن لا مكان لكم في هذه الأرض وعليكم الرحيل، وإلا ستبقى المقاومة كموج البحر تعلو أحياناً وتنخفض حيناً آخر لكنها لن تتوقف حتى كنس الإحتلال، فهل ستلقى رسالة عمر إستجابة جدية وكافية في البيت الفلسطيني للبدء بمرحلة فلسطينية جديدة لتكريس الوحدة الوطنية ونبذ الإنقسام المقيت والتعالي على الخلافات، والإتفاق على برنامج سياسي موحّد لدحر الإحتلال واسترجاع الحقوق؟ هذا ما نتمناه ونرجوه.
بقلم/ علي هويدي