عملية الأقصى التي نفذها ثلاثة من أبناء شعبنا في المناطق الفلسطينية التي اغتصبها العدو الصهيوني عام 1948 ، وتحديدا من مدينة أم الفحم ، هي وإن كانت ليست الوحيدة التي ينفذها مقاومونا من أراضينا هناك ، ولكنها الوحيدة التي أثير حولها هذا الكم من الأسئلة والتساؤلات ، وصل البعض منها إلى حد التشكيك بها ، من حيث التوقيت والمكان والدوافع . ليس من المهم استعراض ما قاله المؤيدون عن تلك العملية البطولية ، عن هؤلاء الفتية الذين أمنوا أن لا مكان لمقولة العين لا تقاوم المخرز ، وأمنوا أيضا وبكل ثقة ، لا يضيع حق ورائه مطالب ، فكيف إذا كان المطالب مقاوم بكل جدارة .
المشككون انطلقوا من حجج لا تمت للواقع بأية صلة ، ولا أساس لها لا من الصحة ، بل هي تعطي الاحتلال المبررات الكافية للمضي في سياساته التعسفية الإجرامية بحق القدس والمسجد الأقصى وأهلنا الصامدين هناك . ولم يدرك هؤلاء أن الاحتلال وقادته وعلى مر العقود السبعة الماضية من عمر النكبة والقضية لم يكونوا في انتظار أي مبرر ، بل ما أقدموا عليه على مدار تلك العقود يدلل بما لا يدعو للشك أن هذا المغتصب وعصابات مستوطنيه قد ارتكبوا أفظع الجرائم والمجازر التي لم يعرف التاريخ المعاصر مثيلا لها ، بل هذا العدو وعصاباته عملوا حثيثا من أجل تصفية العناوين الوطنية للقضية الفلسطينية ، وهم الذين وظفوا اتفاقات أوسلو عام 1993 خير توظيف لمصلحة فرض وقائعه في تهويد القدس والمسجد الأقصى ، وفي الاستيطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية في القدس والضفة ، ويعمل على عبرنة مدننا وقرانا وشوارعنا ولغتنا ، ويسجن في زنازينه الآلاف من الأسرى والمعتقلين ، ويقدم على الإعدامات الميدانية لنشطاء شعبنا ، والاستمرار في حصار قطاع غزة وتجويع أهله هناك ، وبالتالي ما سنه من عشرات القوانين العنصرية بهدف تمرير وفرض رؤيته حول يهودية الدولة .
وبعد هذا الاستعراض السريع ، فما الذي أضرت به عملية الأقصى البطولية وألحقته بالقضية الفلسطينية ، وما هي المسوغات التي أمدت به تلك العملية للعدو الصهيوني لكي يذهب بعيدا في سياساته وإجراءاته بحق القدس والمقدسيين والمسجد الأقصى . على هؤلاء المشككين أن يدركوا أولا وأخيرا أن العملية جاءت ردا على المسلسل الطويل لتلك الجرائم والإجراءات التعسفية التي يقدم عليها العدو الصهيوني . وقد يذهب الذين ارتضوا لأنفسهم وأقلامهم أن يتحولوا منابر للذم والتشكيك بالعمل المقاوم للفلسطينيين ، إلى القول أن البوابات الالكترونية هي نتيجة مباشرة لتلك العملية ، وقد تناسوا أن الاحتلال ومنذ زمن يسعى ويجهد من أجل تركيب كاميرات لمراقبة أهلنا والمصلين في المسجد الأقصى . ونحن لا نرى فيها إلا ذريعة واهية في السلسلة الطويلة من تلك الإجراءات الهادفة إلى السيطرة زمانيا ومكانيا على المسجد الأقصى ، وتكريس أن القدس عاصمة أبدية لكيانهم الغاصب ، ولا مكان للشعب الفلسطيني في هذه المدينة التي يرد أهلها اليوم كما بالأمس وكما في الغد ، أن القدس الواحدة الموحدة هي عاصمة الدولة الفسطينية طال الزمن أم قصر .
تنويه العدو الصهيوني يعمل دوما على استدراجنا إلى مربعاته . لذلك يجب أن لا تكون معركة إزالة البوابات الالكترونية على مداخل المسجد الأقصى هي النهاية ، بل معركتنا مستمرة حتى طرد الاحتلال عن أرضنا الفلسطينية المغتصبة .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي