القدس والمقدسيون بعد خمسين عاما من الإحتلال الإسرائيلي

بقلم: حنا عيسى

منذ حرب الـ1967 واعلان اسرائيل ضم مدينة القدس الشرقية اليها واعتبارها "العاصمة الأبدية لاسرائيل" رغماً عن إرادة أهلها الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت تعاقبت الحكومات الاسرائيلية على العمل لإقرار وتطبيق الاجراءات من جانب واحد، خارقةً بذلك القواعد والقوانين الدولية وضاربةً بعرض الحائط جميع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي جميعها اعتبرت مدينة القدس جزءا لا يتجزأ من الأراضي العربية المختلفة، وأن ما تقوم به اسرائيل في المدينة مخالف لصلاحيات الدولة المحتلة حسب القواعد والقوانين الدولية.

ومنذ ذلك الحين عمدت سلطات الاحتلال لتهويد المدينة وتوطيد السيطرة عليها من مصادرة الأراضي واقامة المستوطنات، حيث اتبعت استراتيجية التهويد العمراني ومصادرة الاراضي واستخدام اساليب مصادرة الأراضي المتنوعة، ومن أهم هذه الأساليب كانت مصادرة أراضي الغائبين ومصادرة الأراضي لأغراض عسكرية وأمنية، كما هناك مخططات هيكلية تهدف الى زيادة عدد السكان اليهود عبر التطور الاسكاني، وشملت مصادرة أراضي القدس الشرقية ومنع توسيع الأحياء الفلسطينية وتحويل مساحات واسعة منها الى مناطق خضراء يحظر البناء فيها، ناهيك عن شراء الأراضي عن طريق الصندوق القومي والتي تعتبر مؤسسة "هيمنوتا" المسؤولة عن عملية الشراء هذه.

وكان من نتائج التركيز الصهيوني على القدس أن بدأ الاستيطان فيها، منذ مطلع القرن العشـرين، أي في وقت مبكر بالمقارنة مع بدء الاستيطان في الأراضي الفلسطينية التي تمَّ احتلالها فيما بعد.

وكان لتلك المحاولات الاستيطانية المبكرة أهداف عديدة أبرزها:

1-    طمس الطابع العربي/الإسلامي للمدينة.

2-    تغيير الوضع الديموغرافي فيها، منذ البداية، لصالح اليهود، كي يغدوا أكثرية فيها، ويغدو العرب أقلية.

3-    وقد آتت هذه المحاولات ثمارها المرجوة صهيونياً، حين أصدرت سلطات الانتداب البريطاني قرار ترسيم حدود بلدية القدس مراعيةً فيه ما أسمته "الوجود اليهودي الجغرافي والديني في القدس". وبناء على هذه المراعاة، امتدت حدود هذا الوجود نحو سبعة كيلومترات غرب البلدة القديمة، ومئات الأمتار شرقاً وجنوباً. وحين أعاد البريطانيون ترسيم حدود القدس، بين عامي 1921 و1948، ركَّزوا على توزيع قسمها الغربي كالتالي: (40%) أملاك إسلامية، (26.12%) أملاك يهودية، (13.86%) أملاك مسيحية.

4-    أحدثت هذه النتيجة ردَّ فعل غاضب من قبل العرب المقدسيين، تمخَّض عنه توترٌ في علاقاتهم مع المستوطنين اليهود الذين هاجروا إليها. ومما زاد هذا التوتر حدَّةً، بشكل ملحوظ، تناغم تقسيم المستعمر البريطاني للقدس مع ما تضمَّنه قرار التقسيم رقم (181) الذي صدر بتاريخ 29/11/1947، بخصوص القدس، فقد جاء فيه:  "تُوضَع القدس تحت إدارة دولية، كمنطقة منفصلة، ويقوم مجلس وصاية بتلك الإدارة نيابة عن الأمم المتحدة, وتشمل حدود القدس القرى والمناطق المحيطة بها وهي: "أبو ديس" من الشرق، و"عين كارم" من الغرب، و"شعفاط" من الشمال، و"بيت لحم" من الجنوب".

5-     وظلَّ التوتر يزداد حدة بين العرب واليهود، في القدس، حتى بلغ ذروته قبيل الإعلان الرسمي عن قيام الكيان الصهيوني عام 1948. وبعد توقُّف الصدام المسلح الذي وقع بين الطرفين آنذاك، تمَّ تقسيمُ المدينة بموجب اتفاقية الهدنة التي وُقِّعَت بين الأردن وذلك الكيان بتاريخ 3/4/1949، والتي نصت على أن يتمَّ التقسيم كما يلي:

القطاع اليهودي: وتعادل مساحته (84.13%) من مساحة القدس.

القطاع العربي: وتعادل مساحته (11.48%) من مساحة القدس.

قطاع هيئة الأمم والأراضي الحرام: وتعادل مساحته (3.49%) من مساحة القدس، أو (4.4%)، حسب مصادر أخرى.

وهكذا احتلت إسرائيل في جولتها الأولى من الصراع مع العرب، حول القدس، الجزء الأكبر منها، إلا أن أطماعها ظلت تحوم حول الجزء المتبقي، محاولةً ابتلاعه، كي تتم لها السيطرة الكاملة على المدينة، لكنها لم تستطع تحقيق تلك الأطماع، إلا بعد عدوان حزيران عام 1967، حين احتلت القسم الشرقي منها.

وخلال فترة ما بين الاحتلالين، أي بين عامي 1948 و1967، قام الإسرائيليون بتدمير الشطر الغربي من القدس الذي احتلوه عام 1948، تدميراً شبه كامل، بعد أن طردوا خارجه أكثر من (98000) نسمة من سكانه الفلسطينيين، كانوا يمثلون الغالبية فيه. وقد غادروه دون أملاكهم بالطبع.

وفور احتلال شطر القدس الشـرقي، بعدوان 1967، بادر عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى إعلان عزم حكومتهم ضمّه إلى سابقه المحتل منذ عام 1948، وتوحيد المدينة تحت السيطرة الإسرائيلية. وكانت ذريعتهم في تسويغ ذلك الضم زعمهم (أن القدس، بقسميها، كانت "مدينة يهودية"، منذ أقدم العصور، وينبغي أن تعود كذلك). وبالفعل، ضَمَّن عددٌ من قادة إسرائيل الأوائل هذا الزعم في تصريحاتهم التي أعقبت عدوان 1967 مباشرة.

ومنذ احتلال القدس 1967 بذلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جهوداً كبيرة في سبيل تغيير الطابع العربي/الإسلامي للقدس، ملكيةَ أرضٍ ومعالمَ وسكاناً، عن طريق القيام بممارسات متعددة الأساليب والصور، كان أبرزَها السعيُّ إلى تغيير رجحان الميزان السكاني فيها لصالح اليهود، كي يغدوا غالبية سكانها. ولاشك أن هذه الممارسة كانت الأبشع أيضاً لأن تنفيذها كان يعني المباشرة بطرد أكبر عدد من سكان القدس العرب، وتكثيف مشاريع الاستيطان فيها وحولها، وترغيب اليهود في سكناها، كما أفصح (بن غوريون) صراحةً، أمام الكنيست في جلسته التي انعقدت في 31/7/1967، مقترحاً توسيع أعمال الاستيطان في كلا شطري القدس، بعد إزالة كل الحواجز الموجودة بينهما، وتوفير كل الخدمات اللازمة لإقامة اليهود في كليهما إقامةً مريحة من كل النواحي. وعملوا على تغيير ما كان سائداً فيها من أنظمة وقوانين، وتغيير معالمها العربية الإسلامية والمسيحية، وأسماء مدنها وأحيائها.

ولتثبيت ما تمَّ القيام به من إجراءات تهويدها، منذ صدور قرار ضمها عام 1967، ولإضفاء لون من "الشرعية" على تلك الإجراءات، أصدر الكنيست، عام 1980، ما عُرِف بـ "قانون القدس" الذي أكد في بنده الأول إعلان القدس بشطريها، عاصمةً موحدة لإسرائيل. وهو قانون صدر عام 1980جاء فيه ان القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل.

تبقى الأماكن المقدسة محفوظة من إلحاق أي ضرر بها، أو أي شيء يسيء إلى حرية وصول أبناء الديانات السماوية إلى أماكنهم المقدسة. وتحرص الحكومة الإسرائيلية على تطوير وإنعاش القدس ورفاهية سكانها، عن طريق رصد الطاقات الخاصة، ولاسيما تقديم منحة سنوية خاصة لبلدية القدس تسمى "منحة العاصمة". وتُمنح القدس أفضلية خاصة بشأن ما يتعلق بنشاطات الدولة، لتطويرها في المجالات الاقتصادية وغيرها من المجالات الأخرى.

وكان الاستيطان هو الوسيلة الأكثر نجاعة في مجال إنجاح مخطط التهويد المطلوب، حيث تم مصادرة مساحات واسعة من الأراضي العربية، تحت مختلف الحجج والذرائع، ووفقاً لمجموعة من القوانين والقرارات سنَّتها سلطاتهم، عقب احتلالها للقدس العربية مباشرة، كقانون السلطة والقضاء المعدَّل وقانون أملاك الغائبين، و قانون المناطق المحلية أو المناطق المغلقة لأسباب أمنية، وقانون الاستملاك للمصلحة العامة، وقانون تنظيم الاستيلاء على عقارات في ساعة الطوارئ، الصادر عام 1949 تحت الرقم (5710)، وكانت جميعها مجموعة ذرائع حاكتها السلطات الإسرائيلية، بوحي من رغبتها في ضم المناطق العربية المحتلة وتهويدها.

وفي اطار تهويد المدينة المقدسة قام المحتل الاسرائيلي الغاشم باقامه تجمعات وبؤر استيطانية، وبناء جدران اسمنتية احاطت القدس وكبلتها، وشوته هدوء المدينة وروعتها، وحجبت جمالها عن العالم بأسره لتكون مدينة حصرية لليهود، حيث يعملون ليل نهار على سرقة تاريخها العربي وحضارتها الاسلامية، وتزوير حقائقها ومعالمها لتصبح القدس كما يتمنون ويحلمون، حاضنة لكنسهم وحدائقهم التلمودية،

وانتهجت سلطات الاحتلال منذ احتلالها للقدس سياسة هدم المنازل بحجج مختلفة، منها: الذرائع الامنية، أو بدعوى دون ترخيص، أو لمخالفتها سياسة السلطات الاسرائيلية للإسكان أو قرب هذه المنازل من المستوطنات أو لوقوعها بمحذاة الطرق الالتفافية .. الخ."  حيث تستند لنص المادة (119) فقرة (1) من قانون الطوارئ البريطاني لسنة 1945 مع معرفتها المسبقة بأن هذا القانون تم الغائه لحظة انتهاء فترة الانتداب على فلسطين، واستمرت سلطات الاحتلال بهدم منازل المواطنين في قطاع غزة حتى دخول السلطة الفلسطينية في 1/7/1994 اما بالنسبة للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية فما زالت سياسة الهدم تتواصل يوميا رغم المناشدات الدولية الداعية "اسرائيل" الى وقف سياسة هدم المنازل، ففي العام 2004، دعا مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة اسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقا لقرار رقم 1544 / 2004، حيث نص القرار على "ان مجلس الامن دعا اسرائيل الى احترام التزامتها بموجب القانون الدولي الانساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافا لهذا القانون".

وسعت إسرائيل خلال العقود الماضية إلى استكمال مخططها الاستيطاني الهادف للسيطرة الكاملة على مدينة القدس، حيث عمل على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى بحدود القدس شرقا وشمالا، وذلك بضم مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها حوالي 20 ألف نسمة، كمستوطنة رئيسية من الشرق، إضافة إلى المستوطنات العسكرية الصغيرة مثل:

"عنتوت، ميشور، أدوميم، كدار، كفعات بنيامين" من الجهة الشرقية، "وكخاف يعقوب، كفعات زئييف، كفعات حدشا، كفعات هاردار" من الشمال.

 مما أدى إلى مضاعفة عدد المستوطنين وفي نفس الوقت قللت نسبة السكان العرب الفلسطينيين الذين يشكلون ثلث سكان القدس أي حوالي 220 ألف نسمة بما فيها الجزء المضموم 380 ألف نسمة، مع العلم أن عدد المستوطنين في القدس الشرقية يساوي عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة180 ألف مستوطن.

ومن الجدير ذكره أن عدد المستوطنات في القدس حسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي 29 مستوطنة، 14 منها في الجزء المضموم من القدس أي ما يسمى حدود القدس الشرقية، وتنتشر هذه المستوطنات في لواء القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة. ويشار أيضا إلى أن حدود البلدية (القدس الغربية) تم بشكل رسمي توسيعها ولكنة عمليا تم الاستيلاء على 72 كم مربعا بقرارات مختلفة وبتقييد التمدد العمراني في القدس وتحويل المناطق إلى مستوطنات يهودية كما حدث مع جبل أبو غنيم.

ولا شك في أن لعملية الاستيطان اليهودية في القدس وضواحيها آثار كبيرة على السكان الفلسطينيين يمكن إجمال هذه الآثار بالنقاط التالية:

1.     مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التابعة للقرى التي أقيمت عليها المستوطنات.

2.     تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها.

3.     تهديد بعض التجمعات السكانية الفلسطينية بالإزالة.

4.     إبقاء فلسطيني القدس وضواحيها العزل في حالة خوف ورعب دائمين، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح.

5.     عزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب.

6.     فصل شمال الضفة عن جنوبها، والتحكم في حركة الفلسطينيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

7.     قطع التواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة الغربية وتقسيمها إلى بقع متناثرة والحيلولة بالتالي دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

8.     تشويه النمط العمراني الرائع للقدس العتيقة والقرى الفلسطينية المحيطة.

9.     هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.ال

واعتمدت الحكومة الإسرائيلية  سنة 2002 خطة بناء الجدار العازل في الضفة الغربية, حيث بدأت بتطبيق  المرحلة  الأولى من بنائه, الذي يمتد من شمال نحو الأردن إلى جبال الخليل جنوباً وخاصة حول مدينة القدس المحتلة .. حيث عمدت السلطات الإسرائيلية بالإسراع في بناء وجدار الفصل  العنصري بهدف تضيق الخناق على السكان الفلسطينيين المدنيين  لترك مناطقهم الأصلية والرحيل إلى مناطق أخرى أولا، وقضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967  لصالح أراضي دولة إسرائيل ثانياً، وتصميمه جاء بحيث يحيط بعدد كبير من المستوطنات الإسرائيلية الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي بنيت ويستمر توسيعها ثالثاً، ورغم صدور فتوى محكمة العدل الدولية بتاريخ 9/7/2004 والتي نصت على أن بناء الجدار الفاصل مخالف لقواعد القانون الدولي ويجب أن يتم التوقف عن بنائه, وتفكيك الأجزاء التي انتهى البناء فيها على الأراضي الفلسطينية المحتلة, إلا أن الحكومة الإسرائيلية  تواصل ولم تعبأ بتلك الفتوى .

وتستهدف سلطات الاحتلال المسجد الاقصى المبارك اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بمخططات التهويد، حيث تتسارع الحفريات أسفل البلدة القديمة باتجاه المسجد الأقصى المبارك من كافة الجهات للعديد من الأسباب أهمها : الأول يتعلق بالكشف عن حائط البراق و إظهاره كاملا ما يعني إزالة جميع الأبنية الملاصقة له، والحفر إلى جانبه لتبيان حجارته الأساسية.

أما الثاني، فيتعلق بالبحث عن بقايا الهيكل الذي يزعم الصهاينة أن المسجد الأقصى يقوم فوقها.

كان الحجم الظاهر من حائط البراق عندما احتل الصهاينة القدس لا يتعدى الثلاثين ياردة، أما الهدف الذي أعلن عنه عام تسعة وستين، فهو كشف مائتي ياردة و أكثر، علما أن حجم ماكان قد كشف آنذاك بلغ ثمانين ياردة، وهو ما أنجزته الحفريات التي تمت عند الحائط الغربي، أما عند الحائط الجنوبي، فجرت حفريات أشرف عليها البروفسور بنيامين مزار، وتابعها موشيه دايان وزير الحرب في كيان العدو آنذاك، وهو صرح عام واحد وسبعين بأنه يجب استمرار الحفر حتى الكشف الكامل عن الهيكل الثاني، وإعادة ترميمه على حد قوله.

ويعتبر التراث الثقافي أحد ساحات الصراع الكبرى في المدينة المقدسة، حيث تبذل سلطات الاحتلال جهودا متواصلة لإنتاج رواية تاريخية أحادية جديدة تخدم مشروعها الاستيطاني في المدينة، تقوم على نفي التعددية والحقائق الموضوعية المتصلة بالوجود التاريخي الفلسطيني في هذه المدينة، وقد جرى توظيف مباشر لعلم الآثار في إنتاج الرواية الصهيونية المختلقة حول تاريخ القدس، حيث تسهم المؤسسة الأثرية الرسمية وهي سلطة الآثار والمؤسسات الأكاديمية الصهيونية والجمعيات الاستيطانية في إنتاج هذه الرواية وتكريسها والترويج لها. وتقدمها للسائح المحلي والأجنبي من خلال شبكة واسعة من المؤسسات والمكاتب السياحية".

وتمارس سلطات الاحتلال سياسة صامتة تهجيرية في القدس ضد سكانها العرب المقدسيين، وممنهجة لتحقيق اهداف سياسية بحتة، تتمثل بشكل رئيس لتهويد المدينة من خلال تغيير البناء الديموغرافي وإضفاء الطابع اليهودي عليها. حيث فرضت ضرائب الأرنونا التي تجبيها بلدية الاحتلال من مواطني المدينة والمستوطنين فيها مقابل الخدمات، لكن بتقديرات مختلفة، إذ بينما يجري تحديد مبالغ بسيطة على المستوطنين، مع تسهيلات كبيرة في الدفع وتقديم الكثير من الخدمات، فإن المبالغ التي تفرض على المواطنين الفلسطينيين مرتفعة جداً، ولا تقابلها خدمات تذكر، وباعتراف الاحتلال نفسه فإن الفارق بين الخدمات التي تقدم للمستوطنين والأحياء الاستيطانية في القدس، وبين تلك التي يتلقاها المواطنون العرب في الأجزاء الشرقية من المدينة، هو فارق كبير جداً. وبالتالي هي ضرائب تعسفية إلى حد بعيد".

وفي اطار هجمتها التهويدية عمدت سلطات الاحتلال الى حل مجلس أمانة القدس العربية وإلحاق موظفيها وعمالها ببلدية القدس المحتلة منذ عام 1948، تهويد القضاء بنقل مقر محكمة الاستئناف من القدس إلى رام الله، وفك ارتباط القضاء النظامي في مدينة القدس عن الضفة الغربية، والحاق مواطني القدس بالمحكمة الشرعية في مدينة يافا المحتلة منذ عام 1948، وتطبيق القوانين الإسرائيلية الجزائية والمدنية والضريبية على مواطني القدس العربية وإخضاعهم للقضاء الإسرائيلي، تهويد مرافق الخدمات العامة بإلغاء الإدارات العربية ونقل قسم منها إلى خارج مدينة القدس، وربط شبكتي المياه والهواتف بالقدس العربية المحتلة منذ عام 1948، وإلحاق الدوائر العربية بالدوائر الإسرائيلية، وسن تشريع يفرض على أصحاب المهن العرب الالتحاق بالمؤسسات الإسرائيلية حتى يسمح لهم بمزاولة مهنهم، نقل عدد من  الوزارات والدوائر الرسمية الإسرائيلية إلى القدس العربية منها محكمة العدل العليا ووزارة العدل ومقر رئاسة الشرطة ومكاتب الهستدروت، ووزارة الاسكان ومكاتب المؤتمر الصهيوني، ومقر رئاسة الوزراء، تهويد التعليم والثقافة بإلغاء مناهج التعليم العربية في المدارس الحكومية بمراحلها الثلاث وتطبيق منهاج التعليم الإسرائيلي، والاستيلاء على متحف الآثار الفلسطيني، وحظر تداول مئات من الكتب الثقافية العربية والإسلامية، وإطلاق الأسماء اليهودية على الشوارع والساحات في القدس العربية، تهويد الاقتصاد بعزل القدس جمركياً واقتصادياً عن الضفة الغربية، وإخضاع المرافق الاقتصادية والتجارية العربية لأنظمة الضرائب الإسرائيلية، ولا سيما ضريبة القيمة المضافة، تمهيداً لتصفيتها، والاستيلاء على شركة كهرباء القدس، وتصفيتها باعتبارها المرفق الاقتصادي العربي الأكثر أهمية في القدس، محاولة القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي وتدمير المقدسات تمثل هذا النهج في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدينة القدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة المقدسة. فالحفريات حول المسجد الأقصى المبارك وتحته للعثور على الهيكل الذي تدعي (إسرائيل) وجوده في منطقة المسجد الأقصى. وقد ابتدأت الحفريات في أواخر عام 1967 ولا تزال مستمرة حتى الآن. وقد مرت هذه الحفريات يثماني مراحل وأدت إلى هدم وتصديع الكثير من العقارات الإسلامية المجاورة للمسجد الأقصى، وإحراق المسجد الأقصى الذي دبرته سلطات الاحتلال في 21/8/1969 والمحاولات التي جرت لنسفه في مطلع عام 1980 على يد الحاخام مئير كاهانا، والاعتداءات على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ومحاولة إقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة، واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس، والاعتداء على المقابر الإسلامية.

ولا بد من التأكيد على ما أقره القانون الدولي الإنساني الذي اعتبر القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران سنة 1967 وتنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949  وان جميع  الإجراءات التشريعية العنصرية التي يقوم الكنيست الإسرائيلي  بسنها باطلة وتنتهك جميع قرارات  الشرعية الدولية  المتعلقة بشان القدس المحتلة.

بقلم/ د.حنا عيسى