هاجم ثلاثة من فلسطينيي إسرائيل (عرب الداخل) شرطيين إسرائيليين على مدخل جبل الهيكل/ الحرم القدسي الشريف. وعلى رغم أن الهجوم هذا ليس دراماتيكياً، يخشى أن تتمدد ارتداداته في المنطقة كلها. وردت إسرائيل بإغلاق الجبل أمام المصلين المسلمين، ونشرت الحواجز في المدينة القديمة ورجال أمن مدججين بالسلاح في كل زاوية منها. وهذه ثالث مرة في السنوات الخمسين الماضية تغلق فيها إسرائيل الأقصى أمام صلاة الجمعة، وتخرج على "أمر واقع أو قائم" سارٍ منذ احتلالها القدس الشرقية في1967.
والسلطات الإسرائيلية فتحت أبواب المجمع تدريجاً أمام المصلين المسلمين الأحد. ولكن عودة الأمور الى ما كانت عليه تعثرت ودونها حجر عثرة: فهي أوجبت على المتعبدين المرور عبر كواشف معدنية (بوابات معدنية) قبل دخول الحرم. وهذا ما رفضه المصلون، فاندلعت حملة عصيان مدني.
وقد يضيع معنى ما يجرى حين الغرق في معمعة التفاصيل الكثيرة. ولكن مدار المسألة ليس على مرور الفلسطينيين عبر حواجز أمنية لبلوغ المسجد الأقصى والصلاة، بل على تهديد الكواشف المعدنية الاستقرار (توازن القوى) الهش الذي تستند إليه التدابير في الأقصى ومحيطه. وكثر من الفلسطينيين يرون أن هذه التدابير الأمنية تغير فعلياً واقع الأمور، وأن الكواشف المعدنية هي حلقة جديدة من حلقات عقود من السياسات التمييزية والعنصرية في القدس الشرقية، منها قوانين السكن والإقامة التي تصب في مصلحة اليهود وترجح كفتهم، واستيلاء المستوطنين على بيوت الفلسطينيين والقصاص الجماعي على أشكاله من حظر تجول وإغلاق طرق.
ويقول مايل ماروم، المحرر في موقع "لوكل كول" الإسرائيلي، أن المخاوف إزاء ما يجرى في جبل الهيكل وثيقة الصلة بسياق الحوادث: تهويد القدس في وقت تسعى السلطات الإسرائيلية الى قلب الموازين السكانية وتغيير معالم القدس الشرقية وترجيح كفة الوجود اليهودي. ومن علامات التهويد بروز حركات جبل الهيكل، وهذه منظمات يمينية متطرفة ترمي الى إطباق المرابطة والسيادة اليهودية على الجبل. ومثل هذه المنظمات هي تحد بارز لسيادة المسلمين على ثالث أماكنهم المقدسة، وهي خطر بالغ على الأوضاع الحساسة في القدس.
ومنذ 1967، اتفق الأردن وإسرائيل على أن يشرف الوقف الإسلامي على الشؤون الداخلية في الجبل، وأن تعود الى إسرائيل السيطرة على المسائل الأمنية الخارجية. وهذا ما كُرِّس في اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي، واحتُرم طوال سنوات الى أن زار آرييل شارون الجبل برفقة جمع أمني في العام 2000. والزيارة هذه أشعلت نيران الانتفاضة الثانية. ولم تكن زيارة شارون من بنات الصدفة. فهي تزامنت مع غلو التطرف الديني اليميني الوثيق الصلة بحق اليهود في الصلاة هناك.
وعلى رغم أن الحاخامية الإسرائيلية تحظر على اليهود الصلاة في الجبل الى حين بناء الهيكل الثالث، تتحدى حركات الهيكل رأي الحاخامية أو "فتواها". ومكانة الحركات هذه كانت ثانوية وعلى هامش المجتمع ومراكز القوى، ولكن نفوذها اليوم تعاظم على وقع حملة عدائية ترى أن الصلاة في الجبل حق من حقوق الإنسان والحقوق المدنية. ومنذ العام 2000، استمالت الحركات هذه قادة سياسيين بارزين وزعماء دينيين يمينيين، من أمثال إيلي بن – دهان، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، وأعضاء في الكنيست. وفي 2015، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية بالوكالة أنها تحلم برؤية علم إسرائيل يرفرف فوق الجبل.
وعلى رغم تذرع حركات الهيكل ومؤيديها من السياسيين بلغة حرية الشعائر الدينية، تحمل دواع كثيرة على الطعن في زعمها رفع لواء التعددية الثقافية. فجمعية غير حكومية من حركات جبل الهيكل، تقول أن من واجبها تشييد الهيكل الثالث محل "المعابد الوثنية" في إشارة الى قبة الصخرة والأقصى. وتُباع في أسواق القدس صورة شعبية معدلة بواسطة الـ "فوتوشوب" تظهر الجبل من دون الأقصى وقبة الصخرة.
وسواء كان القادة الإسرائيليون يعدون لإنشاء هيكل ثالث أم لا، هو أمر ثانوي. فمدار المسألة على ما يراه الفلسطينيون أنه تهديد لبلوغهم جبل الأقصى وسيطرتهم عليه. وقرار إسرائيل الأمني- الإبقاء على الكواشف المعدنية أم إزالتها على مداخل جبل الهيكل- يحدد في الأمد المتوسط ما إذا كانت ارتدادات أسبوع العصيان المدني ستتوسع في المنطقة، من جهة، ومن جهة أخرى، قد يؤذن بتهافت الأمر القائم في الجبل وانفراط عقده.
* باحث، عن "واشنطن بوست" الأميركية، 20/7/2017، إعداد منال نحاس.