ان استشهاد اثنين من الاردنيين علي يد حارس سفارة الاحتلال بعمان واحتجاز طاقم السفارة فجر انتفاضة بالشارع الأردني مطالبا بمحاكمة حارس السفارة وبدأت تحركات اسرائيلية امريكية للافراج عن طاقم السفارة بما فيهم حارس السفارة القاتل وبدأ الحديث عن صفقة إسرائيلية مع الأردن، والتي تم بموجبها السماح لطاقم السفارة الإسرائيلية بمغادرة الأردن مقابل إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعتها سلطات الاحتلال على أبواب المسجد الأقصى المبارك ، واعادة الامور كما كانت عليه قبل الرابع عشر من الشهر الحالي ، ولكن كانت الصدمة الكبري لدي الشارعين الاردني والفلسطيني بمغادرة طاقم سفارة الاحتلال الي تل أبيب بصفقة هزيلة وخالية من أي مكاسب سياسية يمكن ان يقتنع بها الشارع الأردني.
هزيلة لأنها ليست مقايضة سياسية منطقية، فبوابات بنيامين نتنياهو الإلكترونية هي بالأصل غير شرعية، والشعب الفلسطيني قدم تضحيات لإسقاطها، وكادت تسقط فعلا قبل ساعات من الجريمة الإسرائيلية في عمان.
كانت انعكاسا لأزمة الإعلام الوطني والصورة المقابلة للحالة المقلقة في السياسة الأردنية.
ناهيك عن رئيس الوزراء الغائب «عجل الله فرجه أو فرجنا بظهوره»، فإن الناطق الإعلامي باسم الدولة وهو برتبة وراتب وزير، كان في أسبوع الأزمات العنقودية المنصرم، مشكلة أكثر منه حلا، وهو بحد ذاته علامة سؤال أكثر منه منبعا للأجوبة، التي لا تجد طريقا للوصول خارج صندوقها المغلق.
ان الحديث عن صفقة سياسية أو دبلوماسية بين الأردن واسرائيل انتهت بزوال بوابات الاحتلال، مقابل التساهل اللافت بدم أردنيين اريق على أرضهم وبرصاص اسرائيلي غادر.
نعلم، وذلك لم يعد سرا، ان اتفاق الكواليس بين عمان وتل ابيب كان قد وصل أصلا إلى نقطة إزالة البوابات الالكترونية، واستبدالها بما يسمى بكاميرات ذكية، وحصل ذلك قبل أيام من الاعتداء الاسرائيلي الغادر.
الموافقة الأردنية لمغادرة الطاقم الامني الاسرائيلي جاءت بدون إفصاح او شرح على المستوى الرسمي، ونتائج هذه السياسة الغامضة ستكون على الأرجح سلبية ليس على الشعب الأردني فقط، ولكن على مؤسسات الدولة الأردنية التي اخفقت وبوضوح في إطلاع شعبها على حقيقة ما يجري.
مغادرة الحارس الاسرائيلي سرا، وبصورة غير قانونية، وبناء على إتفاق غير معلن يعد ضربة موجعة للقانون الاردني، ومساس بهيبة الدولة وصدمة للشارع الأردني والعربي الذي كان يأمل بالحد الأدنى إخضاع القاتل للعدالة، وهو ما لم يحصل. وما زاد الأمر تعقيدا، أن بنيامين نتنياهو هو الذي أعلن عن عودة الطاقم الأمني بما فيه القاتل، قبل إعلانه عن عدم وجود «صفقة» أصلا.
يمكن فهم غضب اعضاء مجلس النواب الأردني الذين يشعرون بخيبة الأمل لأنهم لا يجدون الآن قصة لروايتها أمام جماهيرهم باعتبارهم ممثلين للشعب، الذي صدم مرتين في أقل من 48 ساعة، الاولى عندما استشهد اثنين من أبنائه بدم بارد، والثانية عندما أفلت القاتل بدون استجواب.
ويمكن أيضا تفهم الإحراج الذي تشعر به المؤسسة البرلمانية في البلاد التي يبدو أنها خارج التغطية فيما لا يختلف وضعها عن وضع الحكومة، حيث بلغ وزير الداخلية في وقت متأخر مساء الاثنين عائلة الشهيد محمد الجواودة ان القاتل لن يغادر المملكة بدون عقاب وان دم الشهداء في رقبة السلطة.
مؤسف جدا صمت الحكومة الأردنية عن الخوض في التفاصيل، مع الأخذ بالاعتبار ظروف الأردن وامكاناته وحجم ومستوى الضغط الاسرائيلي او حتى الأمريكي في هذه القضية. لكن سخط الشارع مبرر ليس فقط لأنه لا يعلم بكل ما حصل او لأن الذرائع التي ذكرت لا تبرر الموقف الرسمي، ولكن لأن المواطن الأردني لا يحظى بأي مكسب جراء السماح للقتلة بالمغادرة دون أدنى سؤال.
يبقى ان نذكر الحكومة الأردنية أن الصمود الفلسطيني في القدس هو الذي أسقط بوابات نتنياهو الالكترونية، وهذه الحقيقة المؤلمة تدفع بالسؤال: لأي سبب اريق الدم الأردني في عمان؟ ولأي سبب تعطلت ماكينة العدالة والقانون بحيث أخفقت في استجواب أو إخضاع قاتل ارتكب جريمة نكراء بدون مبرر أمني.
بقلم الكاتب : عز عبد العزيز أبو شنب