يفترض أن الشعب الفلسطيني حاليا وهو يخوض معركة كرامة الأقصى، أو معركة الدفاع عن الأقصى، أو معركة القدس، أطلقوا ما شئتم من أسماء أو أوصاف تصب في ذات الاتجاه والمفهوم المتفق عليه، منذ حوالي أسبوعين، يجب أن يترفع الأفراد والقادة والإعلاميون ونشطاء مواقع التواصل، الذين صاروا أداة مركزية في تكوين الآراء وبلورة الأفكار والاهتمامات عن المناكفات الحزبية، أو على الأقل ألا تكون المناكفات أداة في آليات الصراع مع العدو.
وذلك لأننا في معركة مركبة وليست بسيطة، ليس فقط من حيث طبيعة العدو الذي يمتلك أدوات القوة المادية المختلفة؛ بل لأن الفلسطيني يخوض هذه المعركة نيابة عن أمة المسلمين التي تزيد نسبتها عن خُمس سكان كوكب الأرض، لأن المسلمين وفي مقدمتهم العرب، انشغلوا عن الدفاع عن الأقصى بنزاعاتهم وصراعاتهم مع بعضهم، أو حال قادتهم وزعماؤهم بينهم وبين فعل حقيقي ومؤثر بناء على حسابات أو معادلات أو ارتباطات أو مخاوف أو عجز...إلخ والنتيجة واحدة.
ومن جهة أخرى فإن هذه المعركة في بعدها المحلي والإقليمي هي دفاع وجودي عن الهوية الوطنية الفلسطينية، وهي تعبير عن التحدي والتصدي، لما بات يعرف بـ(صفقة القرن) التي تستهدف القفز عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، ومحاولة شطب شعبنا من التاريخ والجغرافيا، وتحول الكيان العبري إلى دولة صديقة(وربما شقيقة) للدول العربية والإسلامية، وهي تحتل الأرض الفلسطينية، وتتعامل مع الشعب الفلسطيني بالمفهوم الأمني والاقتصادي، بلا أي بعد سياسي يذكر.
أي أن شعبنا وخاصة هؤلاء الرجال والنساء الذين يرابطون في منطقة باب الأسباط وسائر أحياء وشوارع وأزقة القدس، يدافعون عن ثالث مكان مقدس لأمة المسلمين في حالتها الغثائية(من الغثاء كما في الحديث المعروف) ويدافعون عن هوية الشعب الفلسطيني الوطنية وعن وجوده وكينونته التي يتآمر عليها ترامب ونتنياهو وبوتين وغيرهم مع جمع من العرب القابلين أو الخائفين أو الخانعين أو المخدوعين...لا يهم التعليل هنا بقدر أهمية المحصلة والنتيجة.
وإذا كان الأمر بهذه الصورة التي أعتقد أننا نتفق على أنها كما ذكرت، مع اختلافات طفيفة ربما في الرؤية، فإن المطلوب هو التحلي بالذكاء والحكمة، عند تحديد آلية الصراع وديناميكياته، وعدم جعل الآليات خاضعة لحسابات فئوية أو مزايدات أو انفعالات؛ وكي تتضح الفكرة أكثر أقول:لا يجب أن تكون جبهة غزة عبئا على معركة القدس، أو بديلا عنها، بل عاملا مساندا وقوة دفع إضافية لها، ويجب عدم جعل غزة وفق ثنائية أن اندلاع مواجهة من جبهة غزة يعني دمارا واسعا لا فائدة منه على أهلها وبيوتها المدمرة التي سيزداد تدميرها ويتوسع، أو أن ينظر إلى عدم فتح جبهة غزة على أنه ترك للقدس تواجه مصيرها، وأن عدم تسخين جبهة غزة نوع من التخاذل والنكوص عن نصرة الأقصى...النظرتان قاصرتان.
يجب أن نزن الأمور بدقة بعيدا عن الثنائية التي لا تفيد معركة القدس في شيء، بل على العكس تزرع الإحباط وتربك الصفوف؛ فالمطلوب فتح جبهة غزة في الوقت الذي سيكون لهذه الجبهة أثر يعطي زخما قويا لتأثير معركة القدس والأقصى، لا أن تفتح لتلغي تلك المعركة، وتخف درجة مواكبة ومتابعة ما يجري في أولى القبلتين وثالث المسجدين، نظرا لوجود معركة أخرى حامية الوطيس فيها قتل ودمار كبير لا يقارن ما يجري في القدس معه.
وبالتالي أرى أولا وقبل كل شيء أن تكف الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة في الوقت الحالي عن إطلاق التهديدات، وألا تنجر للاستفزازات، وأن تكتفي القوى والفعاليات في غزة بنشاطات شعبية كالمسيرات والمعارض والأعمال الفنية المناصرة للقدس والمرابطين فيها، وذلك حتى تتبلور معركة القدس، وتحافظ على استمراريتها، وتتحول مهمة الاحتلال إلى محاولة الحدّ من قوتها بدل إنهائها وإخمادها، تماما كما كان يحصل في انتفاضات سابقة، حيث أن قادة الاحتلال كانوا يحاولون بكل قوة أن يخمدوا نار تلك الانتفاضات والثورات الشعبية، سواء بالوسائل العسكرية القاسية أو بالاستعانة بخبثاء الأمريكان من مبعوثين كاذبين، وحين يتبين لهم ألا فائدة كانت أولويتهم تنتقل إلى محاولة الإضعاف بدل الإماتة، ومعركة القدس حاليا تتجه نحو نقطة اللاعودة، وإذا فتحت حرب في غزة الآن فإنها لا تساعد المعركة في القدس، بل ستكون بديلا ليس له استمرارية عنها، فلا يتحقق نصر أو إنجاز دائم هنا أو هناك.
وهذا لا يعني أن تقف فصائل المقاومة مكتوفة الأيدي في حال حاول نتنياهو تغيير قواعد اللعبة، وارتكب حماقات أو جرائم كبيرة، علما بأن وجوده فوق هذه الأرض جريمة كبيرة بحد ذاته، فمثلا لو-لا قدر الله-حاولوا فض اعتصام المصلين بقتل عدد كبير منهم، أو أحدثوا تغييرات في مباني المسجد الأقصى، أو ما شابه...لكل حادث حديث.
إن هذه المعركة قد أحرجت الساسة وعلماء الدين الذين خذلوا الأمة، فكان علماء القدس أشبه بالعز بن عبد السلام أيام غزو التتار، وأقرب لعز الدين القسام أيام الانتداب وازدياد هجرة اليهود، بينما بقية العلماء قد صمتوا صمتا أثار الحزن والغضب في نفوس كل الأحرار...فالشلل والصمت المريب الذي يعم الأوساط العربية والإسلامية-إلا من رحم ربي- تجاه ما يجري في القدس، هو يخدم معركة القدس على المدى الاستراتيجي، بحيث ستتحرر العقول والنفوس، من الخداع الذي مورس عليها أكثر من قرن بمعاونة هؤلاء الساسة والعلماء والإعلاميين والمثقفين...ولكن حين تتحول معركة القدس إلى حرب من/على غزة فإن هذه هدية لهؤلاء الذي حلّ بهم الخزي حاليا، كي يطلقوا المبادرات وتنطلق ألسنتهم بالنصائح أو المزايدات، ويصوروا الصراع على أنه ليس على الأقصى بل له بعد آخر محصور بحركة أو حزب أو منطقة جغرافية، ويأخذوا فرصة ذهبية، ليعلنوا ما هم غرقى فيه أصلا؛ أي خذلان الشعب الفلسطيني، والتوافق شبه العلني مع المشروع الصهيوني.
فالنداء هنا مزدوج:يا أهل القدس ومعكم الضفة الغربية والداخل والشتات:لا تطلبوا بل ارفضوا فتح جبهة غزة حاليا رفضا قاطعا، ولا تخضعوا الأمر للعواطف والمزايدات الفئوية.
ويا أهل غزة وتحديدا فصائلها:دوركم الآن ليس عسكريا أو ميدانيا، فلا تنجروا إلى مواجهة قبل أوانها فتكونوا كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى!
،،،،،،،،،،
الخميس 4 ذي القعدة 1438هـ ، 27/7/2017م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين
فيسبوك: https://www.facebook.com/sari.sammour