العدو يحاسب قادته والفلسطينيون يسكتون عن قادتهم

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

أهو مديحٌ لهم وهم أعداؤنا الذين نكره ونقاتل، وإشادةٌ بفعلهم ونحن الذين ندين إجرامهم ونستنكر سياستهم، وإطراءٌ لهم وهم الذين لا يعرفون غير العيب، ولا يأتون إلا بالشر، ويرتكبون كل محرمٍ، ويأتون بكل خبيثٍ، وتجميلٌ لصورتهم وتحسينٌ لمكانتهم وهي التي تتشوه كل يومٍ بجرائمهم، وتسوء بأفعالهم الخبيثة وسلوكهم العدواني تجاهنا، أم هو اعترافٌ بمناقبيتهم العالية وإقرارٌ بمؤسسيتهم الوطنية المنظمة، وهم الذين ورثوا الغدر وتعاهدوا على الظلم، وأسسوا للمحسوبية وعاشوا على الطبقية، وتربوا على الربا والاحتكار والكسب غير المشروع، وأقاموا ملكهم على التآمر والخيانة والتحالفات المشبوهة والحروب القذرة.

أم هي غيرةٌ منهم وحسدٌ لهم، وحسرةٌ على أنفسنا وبكاءٌ على حالنا، واعترافٌ منا بدونيتنا ورفعتهم، ووضاعتنا ومهنيتهم، وتفريطنا ومسؤوليتهم، ومهانتنا وجدارتهم، فنحن أولى منه بالمناقبية والأخلاق، وأجدر منه بالمسؤولية والأمانة، وأحق منه بالمؤسسية والمحاسبة، فنحن في أصلنا أصدق وأطهر، وأنبل وأشرف، وفي حياتنا أخلص وأنقى، وفي تعاملنا أفضل وأحسن، وأكثر وفاءً وأشد حرصاً، فما بالهم تفوقوا علينا وسبقونا، وأخذوا منا صدقنا وتركونا، وتمسكوا بقيمنا وخلفونا، ونحن أهل القيم وحُسن الخلق، وأصحاب العدل والوعد الحق.

لا تستغربوا مقالي هذا ولا تستنكروه، ولا تروا بأساً في الاعتراف ولا عيباً في الإقرار، ولا تأخذكم العزة بالإثم فتخسروا، ولا تنكروا حقاً فتحرموا، ولا تتكبروا عن الحق فتضلوا، فالحكمة ضالتنا أنى كان مصدرها وأياً كان قائلها، ولكم في كتاب الله أسوةٌ حسنةٌ، إذ صدَّقَ الله قول بلقيس وقد كانت كافرة ولكنها نطقت حقاً وقالت صدقاً، فعقب الله عز وجل على كلامها "وكذلك يفعلون".

لا يكاد يمر يومٌ على الكيان الصهيوني دون قيام الشرطة الإسرائيلية بفتح ملفات تحقيق ضد مسؤولين كبارٍ فيه، أو توجيه اتهاماتٍ صريحةٍ لهم بالفساد والانحراف، وبممارسة التحرش والابتزاز، أو بسوء استخدام السلطات أو التقصير في أداء المهام، أو تلقي رشاوي أو هدايا، أو إخفاء حقائق وطمس دلائل، أو الكذب تحت القسم أو الشهادة المضللة، وغير ذلك من التهم التي تستحق التحقيق وتستوجب المحاسبة والعقاب.

لا تستثني الشرطة الإسرائيلية من تحقيقاتها رئيس الكيان الحالي أو السابق، أو رئيس الحكومة الحالي والسابقين، وغيرهم من الوزراء وقادة الأركان وكبار القادة والضباط العسكريين، مهما علت رتبهم، وتعددت ملفاتهم، ووصفت مهامهم بالخطرة والحساسة، فإنهم ليسوا أكبر من الاتهام ولا أعلى من القانون، ولا تتجاوزهم التحقيقات، ولا تتستر الشرطة عليهم، ولا تخفي جرائمهم، ولا تسكت عليهم لمناصبهم، ولا تخاف منهم لسلطاتهم، ولا تتكتم على ملفاتهم خشية الفضيحة ومخافة سوء السمعة، بل تعلن عن تحقيقاتها معهم، وتنشر في الإعلام ملفاتهم، وتكشف عن جلساتها معهم واستدعاءاتها المتكررة لهم، وتذكر للعامة اعترافاتهم وتبين موقفها منهم، وتبرئ البريء منهم، وتحيل المتهمين المدانين إلى المحكمة، أو توصي بتجريدهم من مناصبهم، وعدم أهليتهم لوظائفهم.

بالمقابل فإننا نسكت عن المخطئين فينا، ونتستر على المجرمين بيننا، ونبرئ المدانين من مسؤولينا، وننفي التهم عن المتجاوزين من قادتنا، بل نشيد بهم ونمدحهم، ونختلق لهم قصص البطولة وحكايات الشرف، ونصنع منهم الرموز ونرفع صورهم ونعظمهم، ونتهم من يتهمهم ونخون من يعارضهم، ونجرم من يشك فيهم أو يدعو لمحاسبتهم، وندعو إلى توقيع أشد العقوبات بهم لجرأتهم وتجاوزهم، في الوقت الذي نرى فيه أخطاء المسؤولين والقادة بارزة وواضحة، بل مكشوفة وفاضحة، ومتكررة ومتعددة، وهي مزيجٌ من الظلم والاعتداء، والسرقة والخيانة، ونهب خيرات البلاد وبيع وتهريب كنوزها، والتفريط وسوء الائتمان، ومخالفة القوانين وتجاوز الأعراف، واستغلال المناصب وسوء استخدام السلطة، وتسخير المصالح العامة للخدمات الشخصية، والمحسوبية وتسلط الأولاد والأقارب والأصهار والمعارف، فضلاً عن القرارات الخاطئة بحق الوطن والمواطنين، والتخابر مع الأعداء والتبعية للخصوم والمعادين.

عدونا يحاسب مسؤوليه على الصغائر قبل الكبائر، وعلى السفاسف قبل العظائم، وعلى الخاص قبل العام، وعلى الشكل والمظهر وعلى المضمون والجوهر، ولا يمتنع عن محاكمتهم وإصدار الأحكام عليهم بالإدانة والسجن والغرامة المالية، وبالتجريد من الأموال والحرمان من المناصب العامة، والمنع لسنواتٍ أو مدى الحياة لهم ولأولادهم من الترشح للنيابة أو مزاولة العمل السياسي، دون مراعاةٍ لتاريخهم وحجم عطاءاتهم، أو لخبراتهم وكفاءاتهم، بل يسوقونهم كغيرهم من المجرمين إلى السجون ورداً، بلا مميزاتٍ ولا حصاناتٍ، ولا امتيازاتٍ وخصوصياتٍ، يقضون مدة العقوبة كغيرهم، ويقاسون في السجن جزاءً نكالاً بما عملته أيديهم، إحقاقاً للعدل الذي يرون، وتنفيذا للقانون الذي يضعون وبه يؤمنون.

بينما نحن نخلد قادتنا ونعظمهم، ونبرؤهم ونطهرهم، ونرفعهم ونقدسهم، بل ننزههم ونؤلههم، ولا نرى فيهم عوجاً ولا أمتاً، ولا ضالاً ولا منحرفاً، ولا كاذباً ولا مدعياً، ولا سارقاً ولا مختلساً، ولا عاجزاً ولا خرفاً، بل هم الخُلص فينا والأفضل بيننا، اختارهم الله بعينه وانتقاهم بفضله، ليكونوا لنا قادةً وحكاماً، وملوكاً ورؤساءً، وأمناء وحكماء، ومرشدين وموجهين، نمنحهم الحصانة المطلقة والبراءة الدائمة، ونؤمن بحكمتهم ونسلم بعدالتهم، ونصدق كلامهم ونعتقد بفضلهم، فهم القادة الخالدون، السادة المخلصون، الشرفاء المطهرون، الذين نفتديهم بالروح والمال والولد، ونضحي في سبيلهم بالوالد والولد ومن سيولد من بعد.

ألا نغار من عدونا الذي يقاتلنا ويحتل أرضنا ويغتصب حقوقنا ويدنس مقدساتنا، فنكون مثله وأفضل، وأسبق منه وأحسن، فنحاسب المخطئين من قادتنا والمتجاوزين منهم، الذين يفضلون مصالحهم الخاصة ومنافعهم الشخصية على حساب شعبهم ومصالح وطنهم وهموم أمتهم، والذين يرتكبون الموبقات من أجل بقائهم وحفاظاً على كراسيهم، واعلموا أننا لسنا بحاجةٍ لأن نتعلم من عدونا أو نتأسى به، فتاريخنا بالمحاسبةِ غني، وبعقاب المجرمين حافلٌ، فنحن أبناء أمةٍ حرةٍ عزيزةٍ ما عرفت الاستخذاء يوماً، ولا ارتضت أن تكون من المصفقين لحكامها والمطبلين لولاة أمورها أبداً، فويلٌ للفاسدين من قادتنا من يومٍ قد اقترب، وحسابٍ وشيكٍ قد دنا، وعقابٍ شديدٍ قد آن أوانه وحل زمانه.

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 6/8/2017