ما أن انتهت الزيارة المثيرة للجدل ، التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة السعودية في الثلث الأخير من أيار الماضي . حيث اتهم ترامب خلال خطابه في القمة العربية الإسلامية صراحة حركة حماس على أنها تنظيم إرهابي ، حتى تسارعت الخطوات السياسية اللافتة للانتباه . فلم تمضي أيام على ذاك الإتهام إلا وكان وفد كبير من حركة حماس برئاسة السيد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي في قطاع غزة يزور مصر ، وهي التي كانت حاضرة بشخص رئيسها في قمة االرياض برئاسة الملك سلمان ، وبحضور الرئيس الأمريكي ترامب .
زيارة وفد حماس إلى مصر ليست كسابقاتها من الزيارات التي لم تنجح آنذاك في إقناع القيادة المصرية على الأقل بجدية حماس في التجاوب مع المطالب والمتطلبات الأمنية المصرية . وهذا ما ميز الزيارة الأخيرة وتبدى ذلك من خلال الخطاب المنفتح لكل من حماس ومصر على بعضهما البعض ، ما ترجم على صعيد تخفيف المعاناة قدر المستطاع في ملف كهرباء غزة ومعبر رفح . وبالتالي ما كان يعمل عليه في فترات سابقة من إحداث فجوة في جدار علاقة حماس بمحمد دحلان ، ليتحقق في الزيارة الأخيرة لوفد حماس برئاسة يحيى السنوار إلى مصر ، حيث حققت اللقاءات بين الطرفين ووجها لوجه تفاهمات رشح عنها العمل على حل مشكلة الكهرباء وفتح معبر رفح ، وإجراء المصالحات المجتمعية ، مضافا لذلك إعطاء المزيد من حرية التنقل والحركة والعمل لمجموعات دحلان في قطاع غزة .
تلك التفاهمات جاءت مزعجة ومقلقة في آن . أولا مزعجة للداخل الحمساوي ، من خلفية أن ما قد تم تسريبه على لسان بعض قيادات حماس ، أن زيارة يحيى السنوار على رأس وفد من حماس إلى القاهرة وما تم التوصل إليه بين الجانبين ، لم يكن منسقا مع قيادة حماس في الخارج ، وهناك من قال عن أن رئيس الحركة السيد اسماعيل هنية لم يطلع على تفاصيل وعناوين الاتفاقات بين حماس والقيادة المصرية . وبالتالي قيادة حماس في الخارج وخصوصا ممن هم في الدوحة اعتبروا الزيارة إلى مصر في توقيتها مضر بالحركة ويسيء لعلاقاتها مع كل من تركيا وقطر التي تعاني من مشكلات جدية مع السعودية ومصر والامارات والبحرين وصل حد القطيعة والتلويح باستخدام القوة . هذه الزيارة من وجهة نظر قيادة الخارج أو بعضها ، جاءت وكأنها تنكر لم قدمته قطر من دعم لا متناهي لحركة حماس ، وصل الأمر بكل من تركيا وقطر التهديد باتخاذ إجراءات بحق حماس ، إلا أن موقف بعض قيادات الخارج قد عدل من طبيعية ردود الأفعال لكلا البلدين . أما ثانيا ، فتفاهمات حماس دحلان قد أقلقت السلطة ورئيسها السيد محمود عباس ومعهما حركة فتح ، وقرأت فيها ، أنها في التوقيت والدلالات استهداف مباشر لدورها وحضورها ومرجعيتها ، بل إلى أبعد من ذلك في خلق البدائل للسلطة ورئيسها ، الأمر الذي استلزم ردودا سياسية وإعلامية من قبل فتح وفريق أبو مازن في السلطة أخذت شكل توجيه الاتهامات لطرفي التفاهمات وخصوصا حركة حماس .
كان من المأمول أن تفضي الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس إلى القاهرة ولقائه المسؤولين المصريين وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ، إلى شيء ما يبدد مخاوف أبو مازن غير ما قيل على لسان الوفد المرافق له ، عن أن القيادة المصرية قد أكدت التزامها الشرعية الفلسطينية ، وبالتالي تفاهمات حماس دحلان وإن ما تم التوصل إليه بين الطرفين في مصر ، ولكن القيادة المصرية لم تتدخل فيها . ولكن أيضا الصحيح ما أكدت عليه القيادة المصرية لأبي مازن والوفد المرافق ، عن أن قطاع غزة هو أمن قومي مصري ، وعلى اللبيب من الاشارة أن يفهم ، أن مصر معنية لتحقيق أمنها القومي أن تسلك كل الطرق وتتبع كل الوسائل ، وهذا حق مشروع لها يجب ألا يغفله أحد ، في ظل ما تتعرض له مصر من عدوان إرهابي منظم .
والمسكوت عنه في كلام المسؤولين الذين رافقوا أبو مازن في زيارته إلى القاهرة ، أفصحت عنه صحيفة الحياة الصادرة في لندن ، عن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد طرح على أبو مازن مبادرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني ، مكونة من ست نقاط ، أولها حل اللجنة الإدارية الحكومية . وثانيها ، تزامنا مع حل اللجنة ، أن يلغي عباس كل إجراءاته وقراراته العقابية ضد قطاع غزة وحماس من دون استثناء . وثالثها ، تمكين حكومة التوافق من العمل بحرية في القطاع . ورابعها ، حل مشكلة موظفي حماس واستيعابهم ضمن الجهاز الحكومي . وخامسها ، تنظيم انتخابات عامة فلسطينية . أما سادسها ، دعوة القاهرة كل الأطراف الفلسطينية إلى حوار شامل للبحث في سبل إنهاء الانقسام نهائيا . وحسب ما رشح من معلومات صحفية ، فإن الموافقة التي أبداها رئيس السلطة أمام الرئيس السيسي ، سرعان ما انقلب عليها من خلال الإيعاز لمدير مخابراته اللواء ماجد فرج بإطلاق مبادرة قام الأخير بإبلاغها إلى أحد قادة حماس وهي تكرار لشروط أبو مازن ، وهي مؤلفة من ثلاث بنود ، أولها حل اللجنة الإدارية الحكومية ، وثانيها تمكين حكومة التوافق الوطني التي شكلت في حزيران 2014 ، وثالثها تنظيم رئاسية وتشريعية ومجلس الوطني الفلسطيني . سرعان ما عمدت حماس في قطاع غزة إلى إصدار مبادرة ، من خلال بيان أصدره القيادي في حماس صلاح البردويل يتضمن مبادرة من أجل المصالحة . وذلك قطعا في الطريق على اللقاء الذي عقده الوزير السابق ناصر الشاعر وبرفقته وزيرين سابقين وثلاثة نواب من حماس مع رئيس السلطة السيد محمود عباس . وما تحدث به الوزير الشاعر حول مبادرة جديدة ، الأمر الذي أشاع أجواء من التفاؤل عن قرب التوقيع على وثيقة جديدة تتعلق بالمصالحة . وما دفع حماس في غزة إلى إصدار تلك المبادرة هو اعتبارها أن خطوة الوزير الشاعر قد فهمت في سياق رد قيادة حماس في الخارج على ما قامت به قيادة الحركة في القطاع من خطوات وتفاهمات دون تنسيق وعلم قيادة الحركة في الخارج .
رئيس السلطة الفلسطينية لم يتأخر في الرد على مبادرة حماس التي وردت في بيان البردويل ، وهي من الواضح أنها ليست بعيدة عن المبادرة التي عرضها الرئيس السيسي على أبو مازن في زيارته الأخيرة إلى القاهرة . والمؤسف أن رد أبو مازن جاء في المزيد من التضييق على قطاع غزة وأهلها ، وهذه المرة في وقف رواتب والمخصصات العائدة إلى القطاع ، الأمر الذي ينذر بانفجار الأوضاع المعيشية والاجتماعية والخدمية في غزة . وهذه الخطوة اعتبرها أبو مازن وفريقه أنها في سياق الضغط على حماس من أجل دفعها إلى التراجع وحل اللجنة الإدارية الحكومية في القطاع . ولا أعلم إن كان أبو مازن يدرك أو لا يدرك فإن المتضرر الأول والأخير من تلك الإجراءات العقابية هو الشعب الفلسطيني بكل فئاته وشرائحه ، وليست حركة حماس على الإطلاق . هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فهذه الإجراءات من شأنها دفع الأمور إلى الإنفصال الكلي بين القطاع والضفة وهذا ما تعمل عليه إسرائيل ، وهناك للأسف من يسهل عليها هذا الأمر .
إن استمرار الانقسام والحرب السياسية الإعلامية بين حماس وفتح والسلطة ، سيدفع المشهد الفلسطيني إلى مزيدا من التأزم ، الأمر الذي يحتم على الفصائل وهي بالمناسبة ليست بريئة بمعنى أو بآخر عما يجري بين حماس وفتح ، عليها أن تلعب دورا أكثر تأثيرا وحضورا في المشهد لصالح رأب الصدع الذي يتحول مع مرور الوقت إلى صدوع ، الخوف إذا ما استمرت أن تنفلت الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة على نحو خطير .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي