عن العقل العربي

بقلم: فراس ياغي

الكثير من المفكرين العرب توقفوا كثيرا امام معضلة العقل العربي وناقشوا الأسباب التي ادت بهذا العقل لأن لا يكون فاعلا في بلدانهم ويكون سببا في تطور بلدان أخرى خاصة البلدان الغربيه وعلى رأسها الولايات المتحده وأوروبا...بعضهم إتهم السلفيه والأسلمه السياسيه بالقيام بغسيل دماغ أدى لإعتبار أن المجتمع المثالي هو ما حدث في عصر النبي محمد عليه الصلاة والسلام وعصر الصحابه وبالتالي لا داعي لإفعال العقل وهناك نموذج ومثال يحتذى...وآخرين قالوا بأن المفكريين الإسلاميين التقليديين والحشويين أتباع علم الحديث قالوا بأن النص القرآني مطلق والعقل نسبي، وعليه فالعقل يتبع النص الذي هو كلام الله المطلق، لذلك لا داعي للتفكير وكل شيء موجود بين أيدينا ومن الواحد الأحد.

الدكتور محمد شحرور وقف أمام هذه المعضله ووجد أن مطلقية النص لا تعني مطلقية المحتوى، وأن النص القرآني نفسه يطالب بقوة بالتدبر والتفكر وإفعال العقل في كل شيء، بل إن اول آيه نزلت على الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلم كانت إقرأ وهي تعني تعلم وليس إتلو من التلاوه، قال تعالى إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 9091 أل عمران.

هذه الفرضيات المختلفه التي تحاول قراءة الأسباب ليست وحدها من كان السبب في القصور العقلي العربي خاصة أن هناك دول إسلاميه غير عربيه فيها إعمال عقلي وعلمي أدى إلى تطور إيجابي وملفت ك أندونسيا وماليزيا وإيران، من وجهة نظري أعتقد أن المسأله كلها مرتبطه بطبيعة النظام السياسي الحاكم والخطط التي يتم وضعها في مختلف الدول العربيه ودور الإستعمار الغربي وعلى رأسه الولايات الأمريكيه المتحده...فالعرب بعيدون كل البعد عن مفهوم التنميه البشريه ولا يرون في أنظمتهم السياسيه أن رأسمال أي دوله هو الإنسان وإحتياجاته للتطور والإبداع، ومتطلبات ذلك في توفير الأرضيات الماليه للبحث العلمي كأساس لأي تطور، عدا عن أن مفهوم التمكين لدى الأنظمه العربيه يتطلب إبعاد العقل العربي عن الحداثه والتجديد، فهذا يتطلب ديمقراطيه وتداول حقيقي للسلطه، إضافة إلى التزاوج القائم بين ألكثير من أحزاب الأسلمه السياسيه وما يسمى علماء الدين والفقهإقرأ علماء السلاطين وأنظمة الإنغلاق الفكري والسياسي القائمه على الأمن كمفهوم قمعي وعلى تعزيز مفهوم القبيله والبطريركيه التقليديه للسيطره والتحكم والبقاء على رأس السلطه السياسيه.

إن وجود نظام سياسي عربي يعتمد المفهوم العلمي في التطور ويضع الخطط ويهتم بالعلماء والتنميه البشريه والبحث العلمي، سيكون قادرا على مواجهة السلفيه التقليديه بكافة أشكالها الدينيه والإجتماعيه القبليه والإقتصاديه الكمبرادوريه الطفيليه، وهذا يستدعي قوانين تحارب الفساد والمفسدين، وحتى الآن لا يمكن الحديث عن دوله عربيه واحده مستعده لذلك، لأنها بالمجمل حولت بلادها لمجرد سوق إستهلاكي للبضائع الغربيه، وحولت الإنسان لديها لمجرد مستقبل للتكنولوجيا الماديه وليس له علاقه بالحداثه العقليه والفكريه والتكنولوجيه فهو لديه نموذج قديم هو نموذج إلهي في الحكم والسلطه وليس بحاجه لإفعال العقل الذي تم من قبل السلف الصالح سابقا، وهذه هي الوصفه السحريه لضمان إستمرار الحكم والسيطره على النظم السياسيه.

لا يمكن للعقل العربي في البلدان العربيه أن يتطور ويستقل بذاته دون نظام سياسي يسعى لذلك ويعمل على ذلك، في حين يجد العقل العربي متنفسا له في دول الغرب التي تستقطبه وتجعل منه ماكينه مهمه في عملية التطوير القائمه في بلدانها...إن الإستقلال السياسي والإقتصادي أساس للتنميه بكافة جوانبها وعلى رأسها تنمية الفرد وصقل مهاراته، وبغير ذلك لا مكان لنا بين الأمم المتقدمه تكنولوجيا والمتطوره إنسانيا، فكل شيء يسير جنبا إلى جنب، وكل شيء مترابط، وكل شيء متغير، فعبارة سبحان الله يرددها الملايين لكنهم لا يفهمون أن التسبيح يعني التغيير الذي يحدث يوميا إلا للواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء ولا يتغير، ف سبحان الله.

بقلم/ فراس ياغي