الصراع القائم بين رام الله وغزه وصل إلى أكثر من حافة الهاويه، لقد أصبح في بداية الإنزلاق نحو الفصل السياسي بين جناحي الوطن كمضمون بعد أن كان فصلا شكليا نابعا من مناكفات ومحاولات تحسين لشروط هذا الفصيل او ذاك.
إن ما يجري الآن يشكل خطر حقيقي على مفهوم الكيانيه الفلسطينيه الموحده كأساس لإنطلاق الثوره الفلسطينيه المعاصره ويعيد الوضع الى ما قبل إنطلاقها وتسليم مفاتيح الوطنيه الفلسطينيه لتجاذبات الإقليم والمنطق الجغرافي القريب بما يحول قضيتنا الوطنيه من حريه وإستقلال وتحرر وطني إلى مفهوم إنساني يتعلق بمفهومي تحسين المعيشه للسكان والوصايه عليه من الدول القريبه بشكل مجزأ مع وجود الإحتلال الإسرائيلي كقاسم مشترك في المفوهمين أعلاه.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني وفق الطرح القادم من رام الله والذي يجري الإعداد له وبمن حضر رغم كل الإتفاقات السابقه وصفه لتعميق الإنقسام وبداية لإحداث شرخ جديد في بيت المنظمه بعد أن كان في بيت السلطه، حتى لو كان مسماها تجديد الشرعيه للمنظمه وتفعيلها كممثل شرعي ووحيد، خاصة أنها وفق واقعها الحالي هي رسميا تمثل ذلك أما على أرض الواقع فهي بحاجة للتجديد وإعادة الترتيب وفقا لموازين القوى الجديده والتي ظهرت بشكل واضح في الإنتخابات التشريعيه لعام 2006 في الضفه وغزة، وفي كافة مواقع التواجد الفلسطيني في الشتات، وهذا يتطلب إستدعاء ما تم الإتفاق عليه في إجتماع اللجنة التحضيريه في بيروت قبل عدة أشهر خاصة إذا كان الهدف الأساسي من عقده حل السلطه القائمه وفق إتفاق أوسلو وإعلان الدولة وفق قرار الأمم المتحده 1967، وبغير ذلك فإن المقصود تحويل المنظمه لجزء محدد الشكل والمضمون ليس في التمثيل الشرعي فحسب الذي سيكون منقوصا وقابل للهجوم والكسر وللطعن فيه حتى ممن سيعترف فيه لاحقا، وإنما في مفهوم العضويه الجامعه والرؤيه الشعبيه حول عقده بما يعزز مفهوم الإنقسام أكثر.
خطة القسام المسربه إعلاميا، والتي تتعلق بإحداث فراغ سياسي وأمني في غزه كرد على الإجراءات التي إتخذت بحق القطاع، جاءت ثورية الطرح وفي وقتها المناسب وهي بالمفهوم الوطني وحتى الفصائلي المقيت تسجل لصالح القسام إذا ما تم تطبيقها، فهي في حدها الأدنى إعادة البوصله للصراع الوطني وتحميل للإحتلال المسئوليه الكامله في كل شيء واعادة غزه لمسئولية السلطه من الناحيه الخدماتيه التي يجب عليها موضوعيا أن تعبيء الفراغ الذي سيحصل مع بقاء سيطره على الأرض أمنيه وفعليه للقسام وحماس دون تحمل تبعات تلك المسئوليه.
السيطره العسكريه والأمنيه على الأرض هي لحماس وذراعها العسكري كتائب القسام والإنسحاب من مشهد المسئوليه المدنيه والخدماتيه والإداريه سيضع قطاع غزه في شكل جديد سيفرض نفسه بقوة على المشهد الفلسطيني الرسمي وعلى الإحتلال بالأساس والذي يحاصر القطاع ويمنع عنه كل شيء، إضافة للمشهد الإقليمي وبالذات مصر والتي لن تقبل ان تترك غزه بلا قياده واضحه ومحدده تقع على عاتقها المسئوليه المباشره في إدارة القطاع من كافة جوانبه، مما سيدفع لممارسة ضغوطات هائله على القياده الفلسطينيه وعلى الإحتلال لتحمل مسئولياتهم المباشره على غزه، وفي حال تم الرفض فالمشهد ذاهب للمواجهه العسكريه والتي ستكون هذه المره حاسمه وتدميريه ومصيريه وبالذات لكتائب القسام بالأخص والأجنحه العسكريه الأخرى ولحماس بشكل عام.
إن الخروج من عنق الزجاجه لا يكون بعقد المجلس الوطني الفلسطيني بمن حضر، ولا بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، بل يكون بتنفيذ الإتفاقات السابقه تدريجيا وبشكل متواز، وبما يعزز الوحده السياسيه والجغرافيه للكيانيه الفلسطينيه، مما يجنب اهلنا في قطاع غزه المصير المجهول، ويجنب القضيه الفلسطينيه مسار الضياع الوطني النابع عن احقاد وبرامج تآمريه وفئويه تهدف بالأساس لتصفية الأمل في الحريه والإستقلال والتحرر الوطني، ومركزيه غزه في هذه المعادله وكأساس لها كانت ولا تزال المحور الصعب الذي لا بديل عنه في أي كيانيه فلسطينيه مستقبليه، فلا دوله فلسطينيه مستقله بدون غزة، ولا دولة في غزة، أليس كذلك.
بقلم/ فراس ياغي