على الرغم من فتح معبر رفح البري، بشكلٍ مفاجئ، لمدة يومين، للعالقين في الاتجاهين، إلا أن ذلك لم يكُن خبرًا مُفرحًا، لعشرات ألاف العالقين في قطاع غزة، الذين ينتظرون فتح المعبر، الذي مضى على إغلاقه بشكلٍ كامل، أكثر من "150يومًا".
وكانت هيئة المعابر في قطاع غزة، أعلنت مساء أمس الثلاثاء، عن فتح معبر رفح البري، في الاتجاهين، للسماح بمغادرة الحالات الإنسانية من القطاع للخارج، فضلاً عن استكمال سفر حجاج بيت الله الحرام؛ بينما السماح كذلك بعودة العالقين بالخارج.
وتسبب إغلاق المعبر طيلة الفترة الماضية، لاستكمال عملية ترميم وبناء صالات وأرفقت الجانب المصري من المعبر، في تفاقم معاناة العالقين، خاصة المرضى، التي انتهت تحويلاتهم الطبية، والطلبة الذين تأخروا عند دراستهم، وحملة الإقامات التي انتهت والتأشيرات، وأرباب العمل والحرف في الخارج.
وافترش العالقون الذين تدفقوا بالمئات الأرض، تحت أشعة الشمس الحارقة، منذ ساعات الصباح الأولى، أمام معبر رفح البري، على أمل السفر، ومحالفتهم الحظ في ذلك، رغم إعلان وزارة الداخلية كشوفات السفر مُسبقًا، وتحديد أعداد الحافلات، والفئات التي سيُسمح لها بالسفر.
حياة مُهددة
المواطن محمد النجار"43عامًا"، اتخذ من حقائبه مقعدًا له ولطفلته الوحيدة خارج صالة المسافرين، يرقُب بتوجس، وصول النداء على اسمه المُدرج ضمن حافلات المسافرين لليوم الأول، فيما بدت عليه علامات التوتر، خشية عدم وصول زوجته للمعبر، قبل النداء عليهم، لذهابها لتجديد التحويلة العلاجية لها.
وينتظر النجار السفر منذ نحو "ستة أشهر"، لإجراء فحوصات "المسح الذري" بجمهورية مصر العربية، لزوجته المُصابة بمرض السرطان، والتي يذهب لمصر لعلاجها باستمرار منذ عام 2014؛ وفي كل رحلة يُكابد الأمرين في توفير طريقة للخروج من غزة، في ظل عدم السماح له بالسفر عبر "بيت لحم/ايرز" بحجة الرفض الأمني.
ويقول النجار، لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء": "زوجتي مُصابة بمرض السرطان، منذ سنوات، وأتابع علاجها بمستشفى معهد ناصر بمصر، وأنتظر منذ ستة أشهر للعودة للمراجعة، ولم أتمكن بسبب إغلاق المعبر، وكل شهر تنتهي التحويلة، ونذهب لتجديدها، واليوم فُتح المعبر، ولم نعلم سوى مساء أمس، وزوجتي ذهبت لتجديدها، وأتمنى أن تتمكن".
ويضيف: "الأمراض الصعبة تحتاج باستمرار لمراجعة في الخارج، ولا تحتمل التأجيل، فهذا يتهدد حياتها، ويُبقي رهينة الموت الذي يفترس في أي لحظة"؛ مُشددًا على أن المعبر هو المتنفس الوحيد لغزة، وإغلاقه يعني أننا داخل سجن.
ويتابع النجار : "اسم مرض السرطان بحد ذاته مُخيف، وفي كل يوم أفكر به والمعبر سويةً، خاصة أننا بغزة نفتقر للأجهزة والأدوية اللازمة لعلاج هذا المرض الفتاك؛ فمثلاً (جهاز المسح الذري) غير متوفر هنا، ويحتاج المريض للسفر للفحص من خلاله، فلو كان متوفرًا، لما احتجنا لكل هذا العناء والتعب".
ويواصل حديثه : "أن تعيش في غزة في هذا الوضع، (مرفوض عبر إيرز، ومعبر رفح مُغلق)، يعني عليك أن تنتظر الموت، أو تنتظر فتح المعبر"؛ مُشيرًا إلى أن سفرهم الماضي كانوا في الحافلة الثانية قبل عام وباتوا يوم في المعبر المصري، وبعد 48ساعة وصلوا مصر، وعام 2014 انتظروا عام ونصف حتى تمكنوا من السفر!
وتمنى النجار من السلطات المصرية النظر بعين الرحمة لأشقائهم الفلسطينيين، كفى ما نعيشه؟!؛ مُشددًا : "نقدر الظروف التي تعيشها مصر، لكن ذلك لا يمنع فتح المعبر على فترات مُتقاربة، وتسهيل سفر المحتاجين؛ فمعظم المسافرين لم يأتوا للسياحة أو التجارة، بل للعلاج، أو الدراسة، أو الإقامة؛ فمنهم المريض والطالب والمُغترب..
ويشدد على ضرورة، ألا يرتبط المعبر بالسياسة، فالإنسانية لا بد أن تكون بمعزل عنها؛ مُضيفًا : "المسافرين معروفين، وطريق وهدف سفرهم معروف، ويتعرضون للتفتيش، والتشيك الأمني، بالتالي لا خطر منهم، على حياة أحد، فجلهم أصحاب حاجات.
أما الطفل المريض جلال عطوان، "11عامًا"، والذي يُعاني من سنوات عدة من مرضٍ مجهول، أدى لتساقط شعر رأسه وحواجبه ورموشه بالكامل، ودفعه للخجل من نفسه، ويُحجم عن اللعب مع الأطفال، والذهاب للمدرسة، لاستهزاء الأطفال به.
عطوان، رافقه والده، في رحلة علاجه الثانية لجمهورية مصر العربية، في غضون عامين، بعدما وجد ضالته في العلاج بالخارج، لعدم جدوى مستشفيات قطاع غزة؛ ويقول بصوت خافت، على استحياء لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "نفسي أتعالج، بانتظر (انتظر) من شهور فتح المعبر، بدي (أريد) يطلع إلي شعر، وأرجع ألعب مع الأطفال، وأصبح مثلهم؛ بتمنى المعبر يبقى مفتوح، حتى أتعالج".
30ألف عالق
بدوه، قال الناطق باسم هيئة المعابر في قطاع غزة هشام عدوان، لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "يعمل معبر رفح لليوم الثالث على التوالي، لسفر حجاج بيت الله الحرام، من الفوج الثالث؛ بجانب السماح بسفر عدد من الحالات الإنسانية لخارج القطاع وعودة العالقين من الخارج".
وأشار عدوان، إلى تمكن نحو "790حاجًا" من السفر بالأمس عبر المعبر، لأداء فريضة الحج، ونظيره غادر أول من أمس؛ مُشيرًا إلى أنهم ابلغوا من السلطات المصرية أن المعبر سيُفتح اليوم وغد لسفر الحالات الإنسانية من القطاع، وعودة العالقين من الخارج، بجانب تواصل سفر الحجاج.
ولفت إلى أن جرى التوافق مع الجانب المصري، على سفر حجاج الفوج الثالث في بداية عمل هذا اليوم، من ثم تسهيل سفر الحالات الإنسانية العالقة؛ مُشددًا على أنهم لا يريدوا إحداث تداخل بين الحجاج والحالات الإنسانية، وخلق أزمة في الجانب المصري، كون الصالة المصرية ليست جاهزة، لاستقبال المسافرين؛ بالتالي نبذل كل الجُهد لتسهيل إجراءات الحجاج والمسافرين.
وتمنى عدوان أن تسير الأمور بشكل سلس، للمغادرين والعائدين؛ مؤكدًا أن إغلاق معبر لمدة خمسة أشهر، ما فاقم من الأزمة الإنسانية للمسافرين؛ "فلدينا كشوف بها ما يُقارب "30ألف" محتاج للسفر، وإن طال الإغلاق، ستزيد الحالات.
ودعا السلطات المصرية لفتح المعبر على مدار الساعة لتخلص من الأزمة الخانقة.