يثير لقاء الرئيس محمود عباس، الأسبوع الماضي في المقاطعة، قادة حركة فتح في الضفة الغربية اهتمام قطاعات واسعة في الشعب الفلسطيني، وكذلك يثير شك الجهات الإسرائيلية العاملة والمهتمة بالشؤون الفلسطينية، خاصة أن هكذا استدعاء لا يحدث كثيرا من قبل زعماء حركة فتح، أو ان مثل هكذا استدعاء لا يأتي الا في مراحل مفصلية ودقيقة لإحداث تحولا في بنية السلطة الفلسطينية أو حركة العمل السياسي الفلسطيني وأولوياته.
هذا النمط من الاستدعاء "استدعاء التنظيم" جرى مرتين سابقا؛ الأولى: في نهاية عام 1994 بعد احداث مسجد فلسطين في قطاع غزة واحتدام الصراع مع حركة حماس آنذاك. والثانية: بداية الانتفاضة الثانية، وفي كلا الحالتين حمى التنظيم السلطة الفلسطينية في معارك مفصلية سواء في مواجهة الخصوم الداخليين أو الأعداء الخارجيين.
تاريخيا يرغب الزعماء الفلسطينيون قادة حركة فتح "الزعيم الراحل ياسر عرفات والزعيم الحالي محمود عباس" العمل مع الأجهزة العسكرية أو المدنية المتفرعة عن مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لانضباطها أو خضوعها لأوامر الزعيم وطاقمه. وهي طبقة لا تحتاج الى نقاش بقدر ما تقوم بتنفيذ الأوامر، وتتسابق لإبداء فروض الولاء والطاعة؛ فهم في الاغلب الاعم موظفون أو ترتبط ارزاقهم بإرادة الزعيم لا غيرها.
لكن أبناء التنظيم في الاغلب الاعم هم قادة ميدانيون إما منتخبون أو فرضوا مكانتهم بنضالهم وأحيانا بقوتهم، وهم زعماء محليون لديهم نفوذهم في مستويات متعددة بالمنطقة، ولهم مكانتهم التي حظوا بها عبر السنين، فهم مشاكسون قد لا تستطيع القيادة المركزية في الحركة ضبط إيقاع حركتهم بسبب قربهم الى الجمهور وأحيانا محمولين على مجاراة متطلبات المنافسة مع الخصوم الداخليين في الصراع على الزعامة المحلية أو مع الخصوم المحليين لتعزيز مكانة التنظيم في مواجهة شعبية الاخرين.
استدعاء الرئيس محمود عباس للتنظيم هذه المرة في الضفة الغربية يحمل الكثير من التساؤلات خاصة أن ملامح مستقبل البلاد باتت قاتمة أكثر من ذي قبل؛ فالإدارة الامريكية تتبنى، بوقاحة، مطالب الحكومة الإسرائيلية وتضيق الخناق على الرئيس الفلسطيني بمطالب قبولها أقرب الى الموت السياسي، وموقف عربي أقرب الى ابعاد الزعيم الفلسطيني عن المشهد السياسي، وأزمة عميقة مع الجانب الإسرائيلي عنوانها وقف التنسيق "العنصر الأساس في اتفاق أوسلو " معها بعد خطوات إسرائيلية غير مسبوقة في مدينة القدس.
في ظني ان الزعيم الفلسطيني مقبلٌ، ان لم تكن واقعة فعلا، على معركة حصار تشبه في بعض جوانبها تجربة الحصار التي خاضعها الزعيم الراحل ياسر عرفات. فالأحداث تتشابه سواء الاتهام بالكذب والتحريض أولا (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاء بيت لحم هذا العام تشبه اعلان جورج بوش الابن عام 2002)، أو إجراءات سلطات الاحتلال في التضييق على أجهزة السلطة الفلسطينية ثانيا، أو مطالبات الرباعية العربية ثالثا، وان كانت تختلف هذه المرة في طبيعتها أو نمط فرضها لكنها على ما يبدو واحدة انتهاء الحياة السياسية.
يتصرف التنظيم دون حاجة لإصدار أوامر أو بالأحرى لديه قدرة على تحليل رغبات وقلق وهموم الزعيم دون أن ينطقها صراحة أو هو قادر على تحريك المياه الراكدة دون شحن أو حتى ايماءة، فكل الظروف مهيأة للانفجار، والبلاد جالسة على برميل بارود بل هي جالسة على فوهة بركان نشط قارب على الانفجار.
بقلم/ جهاد حرب