نتوقف اليوم امام واقع استمرار الانقسام الفلسطيني ونسأل من يعرقل انهاء حالة الانقسام ، ومن يلهث وراء مشاريع واجندات خارجية ، فالشعب الفلسطيني الذي سجل عبر مسيرة نضاله صفحات مضيئة وانتصارات وانجازات يريد البعض أن يتخلى عنها تحت يافطات غير مفهومة ومعروفة ، علما ان الشعب الفلسطيني الذي شكل انتصارا عظيما في القدس من خلال صموده وتحديه حيث أجبر دولة الكيان على التراجع عن اجراءاتها التعسفية بوضع البوابات الالكترونية أو كميرات مراقبة متطورة على بوابات المسجد الاقصى ، حيث اثبت أن المقاومة والصمود هي البوصلة التي تتوحد خلفها كل جهود وطاقات شعبنا من أجل كنس الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني،هو اليوم يتطلع الى عقد المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره البرلمان المعبر عن الشعب ، وحتى يتمكن المجلس الوطني وبحضور الجميع من رسم استراتيجية وطنية تستند لانتصاراته وثوابته الوطنية ، بعيدا عن الاتهامات لهذا الفصيل او ذاك بانه يعمل لحساب هذه الدولة او تلك وهذا حق مشروع في تعزيز العلاقات بشرط ان تكون في خدمة تحرير فلسطين ، فنحن نريد وحدة وطنية حقيقية تكون فيها المرجعية الوطنية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل والكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني .
انتفاضة أهلنا بالقدس والجماهير الفلسطينية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة وأهلنا في 48 واماكن اللجوء والشتات والشعوب العربية واحرار العالم هو من أجبر دولة الكيان على التراجع عن كل اجراءاتها التعسفية والعنصرية، وأفشل كل المخططات الرامية للسيطرة على القدس وعلى رمزها الديني والسياسي "المسجد الأقصى"، ولكن كل الفضل في هذا الانتصار يعود لجماهير شعبنا والتي قدمت الشهداء والجرحى ووقفت سداً منيعاً في وجه الغطرسة الصهيونية، وكل الادعاءات الاخرى من قبل بعض الانظمة العربية عن دورها في حل هذه المشكلة هو محض افتراء وأكاذيب، فالشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله وقواه ومرجعياته الدينية الاسلامية والمسيحية هم من اعطوا المثل والقدوة في كيفية التعاطي مع الاحتلال وأعوانه، فمن خلال المقاومة وعدم الرضوخ لكل اجراءاته القمعية أو الرهان على بعض الانظمة العربية التي تطبع علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، وصمت المجتمع الدولي الذي سئم الشعب الفلسطيني منه ، وهو يرى مزيداً من القتل والاعتقال وسرقة الاراضي وتهويد القدس والتضيق عليه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا من أجل تركيعه واجباره على الرضوخ للاملاءات الصهيونية، فكانت مفاجئة الشعب الفلسطيني أكبر من كل التوقعات حيث أجبرت الاحتلال على ضرورة مراجعة كل حسابته، والتراجع عن كل اجراءاته خوفاً من تفجر انتفاضة فلسطينية جديدة تعمل على تحقيق تراكم كمي ونوعي وتغير موازيين القوى لصالح الشعب الفلسطيني.
من هنا نقول نحن امام شعب عظيم يشكل نواة صلبة في مواجهة الاحتلال ، فهو يتطلع الى الجميع بعدم وضع العراقيل امام انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ، لانه بحاجة الى الوحدة الوطنية التي يفتقدها بسبب استمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة نستذكرُ باحترامٍ عميق القادة العظام الشهداء الذين حموا مسيرة النضال والكفاح وصانوا الوحدة الوطنية بحدقات العيون في إطار التعددية والاختلاف الديمقراطي، باعتبار أن الوحدة الوطنية هي أحد أهم شروط الانتصار على العدو الصهيوني .
ان تزايد مظاهر الهبوط السياسي والتفكك الاجتماعي والاقتصادي ، وتتزايد تراكمات البطالة والفقر والتشرد وارتفاع نسبة الجريمة الاجتماعية وهجرة الشباب مع تزايد مظاهر الإحباط والمعاناة واليأس، بما يجعل شعبنا في فلسطين واماكن اللجوء والشتات مرتعاً خصباً لكل اشكال ومظاهر التطرف والفوضى المتوحشة، بما قد يؤدي ليس إلى تكريس انفصال قطاع غزة جغرافياً عن الضفة بل أيضاً تكريس انفصاله الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ليصبح القطاع محكوماً لمظاهر وممارسات وأوضاع أشد بؤساً وقسوةً من كل ما عاناه طوال السنوات الماضية ،وبما سيؤدي إلى أن تتعرض الضفة لمزيد من المعاناة، حيث يتعرض اليوم أبناء شَعبِنَا فيها بسبب الممارسات الصهيونية التي لا تتوقف عند تفتيت الضفة عبر المستوطنات والجدار العنصري والحواجز والإذلال العنصري والاعتقالات والتهجير ووضع القدس تحت السيطرة الصهيونية ، بل تستهدف أيضاً الفصل النهائي للضفة عن قطاع غزة في محاولة يائسة لإقامة دويلة ممسوخة لا مستقبل لها في القطاع ، هنا بالضبط تتجلى ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني ، من اجل إنهاء الانقسام ووأد كافة المخططات الهادفه الى الانفراد بما يسمى “دولة غزة” وصولاً إلى استعادة الوحدة السياسية والمجتمعية والجغرافية بين الضفة والقطاع في اطار النضال من أجل إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم التي هجروا منها كحل مرحلي لا يلغي الهدف الاستراتيجي بتحرير فلسطين .
لقد آن الأوان للجميع ان يتطلع الى وحدة الصف الفلسطيني وحماية المشروع الوطني ومنظمة التحرير ، وفي حال وضعت العراقيل فعلى المجلس الوطني كشف الغطاء عن كل أسباب هذا التلاعب على حبال المصالحة التي طال العبث بها لحساب مصالح فصائلية أنانية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا والعامة، وليس بأجدر من القوى الديمقراطية الفلسطينية للقيام بهذا الدور فهم القوة الأكثر تأهيلاً لتولي مثل هذه المهمة، بعد أن عجزت كل الجهود من اجل حضور الجميع لجلسة المجلس الوطني على ارضية اتفاقات المصالحة وخاصة وثيقة الوفاق الوطني ، وبذلك تكون القوى الفصائل الحاضرة للمجلس الوطني هي الاكثر جرأة وصراحة في كشف الحقائق.
ختاما : أن الصراع الذي يقوده الشعب الفلسطيني من أجل انهاء الاحتلال ، يستدعي انهاء الانقسام قبل فوات الأوان، ونحن اذ نؤكد على اهمية عقد المجلس الوطني الفلسطيني لاننا بحاجة الى اعادة تطوير منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها ، وخاصة هناك أوراق كثيره وكبيرة لا زالت
في يد شعبنا وهي كفيلة بأن تحقق للمقاومة الوطنية كل أسباب الانتصار، وفصائل منظمة التحرير هي الأقدر والأكفأ لاستثمار هذه الأوراق بشكلها الصحيح ووقتها المناسب.
بقلم/ عباس دبوق " الجمعة "