تحدثنا في الحلقات الأربع السابقة عن نشأة بلدية غزة في سنة 1893مـ، أي قبل 123سنة كاملة ، وأشرنا إلى رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الذين قادوا وأداروا البلدية خلال العهد العثماني الذي انتهى في فلسطين بعد هزيمة الأتراك على يد الحلفاء سنة 1918م، ليحل الانتداب البريطاني على فلسطين بدلاً منهم واستمر لثلاثين سنة كاملة وتحديداً من 1918- 1948مـ،.. وتحدثنا عن المجالس البلدية (الأول والثاني والثالث) في عهد الانتداب البريطاني التي أدارت البلدية من عام 1918إلى 1930، وأشرنا أن أول انتخابات بلدية في عهد الانتداب البريطاني أجريت عام 1928مـ.
لم تجر الانتخابات البلدية التي كانت مقررة في العام 1930مـ، فالأوضاع المتوترة في البلاد نتيجة هبة البراق التي اندلعت عام 1929م ، بسبب الاستفزاز اليهودي للمشاعر الإسلامية، وذلك عندما وضعوا طاولة بجوار "حائط البراق"، في القدس، لممارسة بعض طقوسهم الدينية، وهو إجراء عدّه الفلسطينيون انتهاكاً لقدسية المسجد الأقصى المبارك. فهبوا للدفاع عن حائط البراق بالهراوات والعصي والسيوف، في مواجهة العصابات الصهيونية المدججة بالسلاح، وفي مواجهة حكومة الانتداب البريطاني،المزودة بالطائرات والمصفحات . مما دفع حكومة الانتداب إلى إلغاء الانتخابات ، تحسباً من إمكانية توظيف المناسبة لتفجير الاضطرابات مجدداً ، وبقى وضع البلديات على حاله حتى العام 1934م ، حين أصدرت الحكومة الانتدابية ، في يناير 1934مــ " قانون البلديات" ، ليصبح المرجع الوحيد المعتمد لتنظيم عمل البلديات في البلاد .
وبموجب أحكام هذا القانون أجريت الانتخابات في اثنين وعشرين مجلساً بلدياً في ذلك العام ؛ وحدد القانون حدود كل منطقة انتخابية من المناطق التي تقرر إجراء الانتخابات فيها ، ومن ضمنها حدود منطقة غزة من جهاتها الأربع ، كما حددّ عدد أعضاء المجلس البلدي لغزة باثني عشر عضواً.
وحددّ القانون المؤهلات التي يشترط توفرها في الناخبين ، وأهمها : أن لا يقل عمره من 25 سنة وآلا يكون فاقداً للأهلية القانونية ، وألاّ يكون قد حكم عليه بالحبس من قبل أية محكمة بجرم ، وأن يكون قد دفع ضريبة أملاك لا تقل عن 500 مل، عن أملاك هو مالكها المعروف، واقعة في منطقة البلدية ؛ أو أنه دفع ضرائب أو عوائد رسوم بلدية لا تقل عن جنيه واحد خلال اثني عشر شهراً عن ملك يقع في منطقة البلدية .
وعلى صعيد بلدية غزة ، أصدر المندوب السامي في 16/4/1934مـ، مرسوماً أطلق عليه اسم (مرسوم المناطق الانتخابية بغزة) ، يقضي بتقسيم منطقة بلدية غزة إلى أربع مناطق انتخابية هي: الدرج والزيتون والتركمان والتفاح الجديدة ، وبموجب هذا القانون تنتخب منطقة الدرج "أربعة أعضاء" ، ومنطقة الزيتون "أربعة أعضاء" ؛ فيما تنتخب منطقة التركمان "عضوين" ، والتفاح مع الجديدة عضوين ، ليبلغ عدد أعضاء المجلس البلدي مجتمعين من المناطق الأربع اثني عشر عضواً.
أجريت انتخابات البلدية في مدينة غزة في شهر يونيو وتميزت بتنافس شديد، وبحملة انتخابية حامية الوطيس بين المرشحين، الذين حّولوا دواوين ومجالس العائلات إلى مقار انتخابية عرضوا فيها على الجمهور برامجهم الانتخابية، وقدموا وعودهم بتطوير المدينة ، وإعادة بنائها وإعمارها، وقد شهدت هذه الانتخابات عقد تحالفات غير مكتوبة بين بعض المرشحين فيما بينهم ، فشكلوا ما يشبه الكتل، كما عقدت أيضاً تحالفات غير مكتوبة بين بعض المرشحين وبعض العائلات لاستقطاب أصواتهم ، وهكذا شهدت غزة أول حملة انتخابية حقيقية في القرن العشرين .
تمخضت الانتخابات عن فوز كل من: فهمي الحسيني ، وعادل الشوا ، وموسى الصوراني ، ورشدي الشوا، ومحمد طاهر الريس ، وموسي البورنو ، وعثمان الغلاييني ، وعبد القادر حتحت ، وراغب أبو شعبان، وسعيد أبو رمضان ، وعبد النور الإفرنجي ، وحافظ ترزي ، وهو ما جاء في الإعلان الصادر عن حاكم اللواء الجنوبي؛ وبموجب هذه النتيجة ، أصدر المندوب السامي إعلانا حددّ فيه اليوم العاشر من أغسطس 1934م ، لبدء دورة مجلس بلدية غزة المنتخب. واتبعه المندوب السامي بقرار يقضي بتعيين فهمي الحسيني رئيساً لبلدية غزة؛ وبقرار أخر يقضي بتعيين عادل الشوا نائباً لرئيس البلدية .
وبناءً عليه فان المجلس البلدي الجديد تشكل من اثني عشر عضواً ، سبعة منهم أعيد انتخابهم من المجلس السابق بمن فيهم رئيس البلدية الجديد فهمي الحسيني الذي فاز مجدداً برئاسة البلدية وموسي البورنو وعثمان الغلاييني وسعيد أبو رمضان وراغب أبو شعبان وعبد النور الإفرنجي وحافظ ترزي، وخمسة أعضاء جدد دخلوا المجلس للمرة الأولى هم: وعادل الشوا وموسى الصوراني ورشدي الشوا ومحمد طاهر الريس وعبد القادر حتحت .
أولاً الأعضاء الجدد//
* عضو المجلس البلدي / محمد طاهر الريس :
هو محمد طاهر عبد الله الريس، ولد في مدينة غزة عام 1873م ، من عائلة معروفة بغزة ، جاء جدها (وهو من الأشراف) قديماً من مصر للتجارة ، وتوطن في غزة ، وحفظ القرآن الكريم ، ثم تعلم في مدرسة الرشيدية وهي مدرسة (هاشم بن عبد مناف) الحالية. درس في الكتاتيب التي كانت منتشرة في غزة ، التي غالباً ما يعمل خريجوها في السلك الحكومي. كان متسلحاً بالثقافة الدينية في الفقه الحنفي والتفسير والحديث، نشأ يتيماً فقيراً ولكنه استطاع بجده واجتهاده أن يصبح من ذوي الأملاك والثروة . تزوج مرتين رزق من الزوجة الأولى ابناً واحداً هو(عبد الرحمن)، ورزق من زوجته الثانية بهية حنفي الحسيني: عادل وصبحي (توفيا في ريعان شبابهما) ، ومنير ، الذي انضم لعضوية المجلس البلدي لاحقاً ثم ترأس البلدية في خمسينيات القرن المنصرم؛ كان يمتلك شبكة علاقات اجتماعية واسعة للغاية طالت المدينة والريف والبادية ، و برز كواحدٍ من رجال الإصلاح ووجهاء غزة . كانت له العديد من المواقف الوطنية والسياسية المختلفة . توفى عام 1947م.
* عضو المجلس البلدي / رشدي سعيد محمد الشوا .
ولد عام 1889م ، ينتمي لعائلة الشوا المعروفة . والده الحاج سعيد الشوا أحد الزعامات البارزة في غزة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى وفاته عام 1930م. أتم رشدي الشوا دراسته الابتدائية في غزة ، ثم أرسله والده إلى اسطنبول عام 1902م ، حيث أتم دراسته الثانوية ، والتحق بجامعة اسطنبول لدراسة القانون ؛ وفي سنته النهائية بالجامعة نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، فاستدعى كباقي الرعايا في الدولة العثمانية للخدمة في الجيش، حيث عُين في قسم المالية برتبة "ضابط صغير"؛ ونظراً لانهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وانقطاع الاتصال بينه وبين جامعته باسطنبول، التحق بالجامعة السورية. أتم دراسة الحقوق عام 1925م، وعاد إلى فلسطين ليمارس مهنة المحاماة في مدينة يافا، ولمع اسمه بين المحامين مما حدا بمجموعة كبيرة من الشركات والبنوك باعتماده وكيلاً قانونياً لها . والمتتبع لتصاريح مزاولة مهنة المحاماة الصادرة عن حكومة الانتداب يجد أن رشدي الشوا قد منح بتاريخ 29/7/1926م رخصة لمزاولة المهنة أمام المحاكم الشرعية الإسلامية ، ومزاولة مهنة المحاماة أمام المحاكم النظامية أيضاً في 31/10/1927م ، وكانت رخصة المهنة تجدد له سنوياً وينشر اسمه ضمن قائمة المحامين المجازين المرخص لهم من قبل السلطات بمزاولة المهنة ، ومن أبرز محامي غزة في تلك الحقبة ، والذين حصلوا على رخصة مزاولة مهنة المحاماة بشقيها النظامي ، والشرعي في عهد الانتداب البريطاني ، ووردت أسماءهم في الجريدة الرسمية هم: فهمي الحسيني ، والشيخ سعيد هاشم الشوا ، وسعيد الخلفاوي ، ومصطفى بسيسو كيالي ، وعبد الحي الدجاني ، ومحمد حسن عواد ، وعلي شيخ المباشر ، والشيخ نعيم الخزندار ، وعثمان بشناق ، ومحي الدين عبد الشافي ، ونجيب الطيب ، وفريد الشوا .عقب وفاة والده 1930م انتقل إلى غزة واستمر في مزاولة المحاماة متنقلاً بين محاكم يافا ، ومحاكم القدس. خاض رشدي الشوا الانتخابات البلدية عام 1934م ، وفاز بعضوية المجلس البلدي . عقب اعتقال وعزل فهمي الحسيني،تم تعيينه رئيساً للبلدية أوائل عام 1939م. خاض الانتخابات البلدية عام 1946م ، وكان أحد الفائزين ، واستمر في رئاسة البلدية حتى عام 1951م، تمكن خلال رئاسته للبلدية في تحقيق انجازات عديدة أسهمت في تعزيز مكانة المدينة والسير بها نحو التقدم والبناء وفي مقدمتها : إقامة آبار الصفا التي أمنت مياه الشرب العذبة لسكان المدينة ، وتعبيد شارع عمر المختار حتى شاطئ البحر ، وبناء مدرسة الزيتون ، ومدرسة فلسطين الثانوية ، وإقامة أول مدرسة لمحو الأمية في غزة ، بالإضافة للعديد من الأعمال المهمة الأخرى .
كان له العديد من النشاطات السياسية سواء خلال العهد العثماني ، أو خلال الانتداب البريطاني، وكانت له مشاركة سياسية بارزة انطلاقاً من وضعه العائلي، والاقتصادي، وعضويته في المجلس البلدي ثم رئاسته للبلدية من 1939-1951م . ومن المواقف التي تحسب لرشدي الشوا أنه وعلى الرغم من التنافس الذي كان طاغياً آنذاك بين عائلتي الحسيني والشوا، إلا أنه قام بتأبين فهمي الحسيني عند تشييع جثمانه، كما قرر إطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة وهو شارع فهمي بيك الحسيني الذي يعتبر من أهم شوارع المدينة على الرغم من صغره فهو يربط بين شارع الوحدة شمالاً بشارع عمر المختار وميدان فلسطين جنوباً ويرتاده يومياً عشرات الآلاف من المواطنين وآلاف المركبات.
عقب انتهاء الانتداب البريطاني ، وتولي مصر مهمة الإشراف على قطاع غزة في ما عرف "بعهد الإدارة المصرية على القطاع" ، أصدر الحاكم المصري العام لقطاع غزة قراراً بحل المجلس البلدي برئاسة رشدي الشوا في 21/6/1951م ، وعقب العدوان الثلاثي 1956م وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على غزة كلف برئاسة البلدية ، وعقب انسحاب الاحتلال من القطاع وانتهاء العدوان الثلاثي ، أصدر الحاكم المصري العام للإدارة المصرية على القطاع قراراً بعزل المجلس البلدي ، وتشكيل مجلس بلدي جديد برئاسة منير الريس في 23/9/1957م .
لم يكن عهد الإدارة المصرية لقطاع غزة عهداً جيداً بالنسبة لعائلة الشوا بشكل عام ، حيث شهد خلافات حادة وعلاقات متوترة بين هذه الإدارة وبين العائلة ، تمخض عنها الكثير من الأحداث والتداعيات لعل أبرزها الانزواء القسري لزعامات هذه العائلة من الحياة السياسية في غزة ، وظهور زعامات جديدة من عائلات أخرى .
عضو المجلس البلدي / موسى أحمد الصوراني:
ولد موسى أحمد الصوراني في مدينة غزة عام 1890م ، من عائلة بارزة في غزة ، والده أحمد الصوراني الشخصية المعروفة سياسياً واقتصاديا. تلقى موسى الصوراني تعليمه في كتاتيب غزة التي كانت مصدر التعليم الأساسي في ذلك الوقت، وكان والده يأتي بالشيوخ والفقهاء والعلماء للبيت ليزودوه وإخوانه بالعلوم المختلفة، درس في القدس فترة وجيزة ، كان فيها بجوار المسجد الأقصى عند أخواله من آل السالموني. تزوج مرتين؛ الزوجة الأولى هي ابنة عمه صفا محمد الصوراني؛ أما الزوجة الثانية فهي لمعان عرفات عارف (من القدس) كان والدها مديراً عاماً للبريد والتلغراف في فلسطين في العهد العثماني، واستمر عرفان عارف(وهو من أصل تركي) في هذه الوظيفة بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين وبعد تقاعده تولاها ابنه (عاكف) من بعده .. له من الذكور أربعة أبناء هم: خضر وصلاح وعبد الكريم، ولديه من الإناث خمس. يعتبر من الشخصيات الوطنية والسياسية الفلسطينية البارزة خلال حقبة الانتداب البريطاني، وحكم الإدارة المصرية لقطاع غزة، شارك في العمل السياسي والنضالي الفلسطيني وكان سجله حافلاً بالنشاطات الحزبية والسياسية والوطنية. ونظراً لمكانته الاجتماعية البارزة فقد عين من قبل حاكم اللواء الجنوبي عضواً في لجنة تنظيم مدينة غزة قبل أن ينضم للمجلس البلدي بعد فوزه في انتخابات عام 1934م. عمل وشقيقه عمر عضو المجلس البلدي ونائب رئيس البلدية من(1918-1928م) في التجـارة، وكان من أصحاب الأملاك أرباب الثروة. حفلت حياته بالعطاء الاجتماعي وبالأعمال الخيرية المتميزة . توفي في غزة عام 1972م .
عضو المجلس البلدي / عادل سعيد الشوا :
هو عادل سعيد محمد الشوا . ولد في مدينة غزة عام 1891م ، ينتمي إلى عائلة الشوا المعروفة. والده الحاج / سعيد الشوا الشخصية البارزة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ، وأحد الذين تبوءوا رئاسة البلدية في العهد العثماني .
عاش عادل الشوا في كنف أبيه ، وتحت رعايته ، وساعده في إدارة أعماله ورعاية أملاكه.
تزوج من فخرية يوسف قسطنطين ، لبنانية الجنسية رُزق منها : سعيد وعبد القادر وسلمى وعبلة. كان من وجهاء غزة وأعيانها، رفض أن يتولى أي منصب حكومي عرض عليه من قبل سلطات الانتداب، وكان من أشد المؤمنين بالوحدة العربية وانتسب الى حركة القوميين العرب التي نشأت كرد فعل سياسي ونفسي على نكبة فلسطين 1948 التي سلطت الأضواء على العجز والتفكك العربي، وكمحاولة للسعي للقوة والتنظيم والتوحيد وللانقلاب الجذري على الأوضاع القائمة واسترداد الحقوق العربية التي عجزت الأحزاب عن انتزاعها ؛ وتأسست في مطلع الخمسينيات، وكان الدكتور جورج حبش من أبرز مؤسسيها ومن رفاقه د.وديع حداد والشهيد مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى ) ، وحمدي مطر( أبو سمير) ، وآخرون. ومن قادة الصف الأول بحزب الدفاع الذي تأسس في 4/11/1934م بمدينة يافا وأسسه راغب النشاشيبي، وعدد من رؤساء البلديات وكبار الملاكين والتجار وشيوخ العشائر . حاز على الجنسية الأردنية في ثلاثينات القرن الماضي ، ومنحه إياها الأمير عبد الله وظل محتفظاً بها حتى وفاته. فاز في انتخابات بلدية غزة عام 1934، وعين نائباً لرئيس البلدية فهمي الحسيني ، وتولى رئاسة البلدية فترة وجيزة عقب اعتقال فهمي الحسيني أواخر عام 1938م، حتى تولي شقيقه رشدي رئاسة البلدية في 24/1/1939م . توفى بعد صراع طويل مع المرض في 10/4/1961م ، ودفن في مقبرة العائلة الكائنة بحي الشجاعية بجوار والده.
عضو المجلس البلدي / عبد القادر يوسف حتحت :
هو عبد القادر يوسف بدوي حتحت، ولد في حي الشجاعية بمدينة غزة عام 1892م. كان والده يوسف حتحت تاجراً من أغنياء غزة ؛ كان يمتلك مصنعاً للغزل والنسيج بمحلة الشجاعية مسقط رأس العائلة، والدته هي أم خليل الصوراني التي كانت متزوجة قبل أبيه من السيد/ أحمد الصوراني والد عمر وموسى الصوراني ، وطُلقت منه . كان يجيد القراءة والكتابة، تزوج من نجية علي القطان من يافا، رُزق منها من الذكور: يوسف ومحمد سالم ومعاوية ، ومن الإناث: وداد ونعيمة وإسعاف وعطاف وناريمان. ورث عن والده ثروة طائلة، وكان من ذوي الأملاك وأرباب الثروة . اهتم بالعمل الاجتماعي وكان من رجال الإصلاح البارزين ، وأسس ديوان عائلة حتحت الذي كان مركزاً لإصلاح ذات البين بين الناس ، وتكفل برعاية أيتام العائلة. كانت له مواقف سياسية ووطنية عديدة . توفي عام 1980م.
أولاً الأعضاء القدامى من المجلس السابق //
رئيس بلدية غزة/ فهمي الحسيني:
هو: فهمي عبد الحي الحسيني. ولد في مدينة غزة 1886مـ، من عائلة فلسطينية عريقة قال عنها الشيخ الطباع: (... وبالجملة فهي عائلة كريمة نبيلة تعلوها الشهامة والسيادة، وشيوخ تحليهم الهمة والسعادة، وجوه تزينهم والعمائم، ولا تفل الشدائد منهم العزائم) ، كان والده/ عبد الحي الحسيني من أعلام فلسطين الخفاقة، ومن أكبر رجالاتها وأبلغ خطبائها، كان من فحول الشعراء في عصره، وهو من أصدقاء فيلسوف الإسلام السيد/ جمال الدين الأفغاني، وقد اجتمع الرجلان في الأستانة مرارًا عديدة، وكان عضوًا في مجلس البلدية ومجلس الإدارة فيه ؛ اعتنى والده بتربيته عنايةً فائقة وتثقيفه تثقيفًا عاليًا؛ فمنذ حداثته اختار له صفوة الأساتذة الموجودين في غزة في ذلك الحين ليعلموه العلوم الإسلامية وما يتصل بها من فروع المعرفة، ثم أدخله مدرسة عليا في الأستانة، ولما تخرج منها التحق بكلية الحقوق في إسطنبول وفيها أظهر تفوقًا كبيرًا. أما والدته فهي حورية الدجاني من القدس. نال الشهادة العليا في الحقوق من إسطنبول، وعاد إلى غزة وهو في ريعان شبابه، فأسندت إليه وظيفة "مدع عام"، ثم استقال منها واشتغل في المحاماة إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى ، عاد مرة ثانية إلى تركيا ومكث هناك طيلة مدة الحرب العالمية الأولى، ثم رجع بعد انقضائها إلى فلسطين واشتغل في المحاماة حينًا بعد أن حصل من السلطات على رخصة مزاولة المهنة أمام المحاكم النظامية والمحاكم الشرعية بتاريخ 27/7/1920مـ ، عين حاكم صلح في نابلس وبعدها عين عضوًا في المحكمة المركزية للواء الشمالي ثم استقال ورجع إلى مزاولة مهنة المحاماة مرة أخرى وأخذ يترافع في أكبر القضايا الجنائية والحقوقية بما عرف عنه من تضلع ومقدرة، ومنذ ذلك الوقت نزل منزلته الرفيعة بين المحامين في فلسطين وأصبح من رجال القانون والطبقة الأولى في فلسطين . أصدر فهمي الحسيني مجلة الحقوق في مدينة يافا في الأول من ديسمبر 1923مـ، وهي مجلة قضائية، حقوقية، شرعية، بوليسية، علمية، أدبية تعد أول صحيفة غزية وأول مجلة من نوعها في فلسطين، طبعت في المطبعة العصرية بمدينة يافا ثم في مطابعها الخاصة، اشترك في تحريرها فوزي خليل الدجاني وعارف العزوني وعمل مديرًا لها رمضان البعلبكي وسعيد الخليل، واستمرت في الصدور حتى عام 1928مـ ، ولقد كان النجاح الذي حققه فهمي الحسيني بإصداره مجلة الحقوق وتأسيسه مطبعة خاصة، الدافع الرئيس الذي حدا به إلى إصدار جريدة: (صوت الحق) في مدينة يافا، وهي جريدة يومية سياسية مستقلة كان سكرتير تحريرها المحامي/ فوزي خليل الدجاني. صدر العدد الأول منها بتاريخ 6/10/1927مـ، وقد طبعت هذه الجريدة في البداية في المطبعة العصرية بيافا، ثم انتقلت بعد ذلك إلى غزة عام 1928مـ؛ حيث تولى حمدي الحسيني رئاسة تحريرها وتعاقب على إدارتها محمد عواد الفالوجي وسعيد الخليل، واستمرت الجريدة حتى نهاية عام 1928مـ؛ حيث توقفت بسبب انتخاب فهمي الحسيني رئيسًا للبلدية، وبذلك يكون فهمي الحسيني أول من أصدر الصحف في غزة ، لقب فهمي الحسيني بعملاق المحاماة في فلسطين وقام بعمل كبير أثرى الواقع القانوني؛ حيث قام بترجمة وتعريب مجلة درر الأحكام في شرح مجلة الأحكام للعلامة علي حيدر من اللغة التركية للغة العربية بأسلوب بليغ ورصين وكان بحق مصدر فخر لمدينة غزة التي منحها كل نشاطه وجهده؛ كما قام بصياغة وإعداد أول سند قانوني لإيجار الأراضي والعقارات واستئجارها وهو معمول به إلى يومنا هذا. ألح عليه أبناء المدينة لخوض الانتخابات البلدية في عهد الانتداب عام 1928مـ، فرضخ لرغبتهم ورشح نفسه حبًا في إصلاح المدينة وفاز بأغلبية ساحقة أهلته لرئاسة بلدية غزة عن جدارة واستحقاق، ونظرًا للإنجازات الكبيرة التي حققها خلال فترة رئاسته الأولى للبلدية، فاز في الانتخابات الثانية التي أجريت عام 1934مـ، واستمر في رئاسته للبلدية إلى أن اعتقلته السلطات البريطانية وأودعته معتقل صرفند عام 1938مـ، بصفته معارضًا لسياستها الاستعمارية ومناوئًا لممارساتها القمعية ، تميزت الفترة التي قضاها فهمي الحسيني رئيسًا للبلدية بعزيمة جبارة وهمة شماء مليئة بالإنجازات قلبت مدينة غزة من حال إلى حال ونذكر من الأعمال التي قام بها: مشروع المياه بحيث لم يبق بيت في غزة إلا وأوصل المياه إليه، وتدشينه مدرسة للإناث وإتمام بناية المستشفى البلدي وإنشاء سوق كبير ومسلخ على الطراز الحديث وفتح الشوارع وتوسيعها. وعمل على إصلاح المدينة، فمد العمران فيها تجاه البحر، ومن أجل تشجيع هذا التوجه أنشأ حديقة عامة (متنزه البلدية) وحفر بئرًا للمياه، وقام بمشروع تقسيم الكثبان الرملية (غزة الجديدة) حي الرمال لاحقًا إلى قسائم وزعها على الراغبين من السكان بثمن رمزي وبالتقسيط المريح، كما قام بتوسيع الشارع الرئيس الذي يشطر المدينة إلى شطرين وهو المعروف حاليًا بشارع عمر المختار، وضرب مثلًا أعلى عندما قرر تسمية هذا الشارع باسم المجاهد الشهيد/ عمر المختار رغمًا عن احتجاج القنصلية الإيطالية على هذه التسمية. فرض فهمي الحسيني احترامه على الجميع على الرغم من أنه أحد أبناء العائلات الإقطاعية المتنفذة، فقد كان من أصحاب الأملاك؛ لكنه كان يعي بأحوال الشعب وقدم الكثير من أمواله في سبيل تحقيق إنجازات لصالح مدينته وشعبه ووطنه، فقوبل ذلك من شعبه بالاعتزاز والتقدير ، تزوج فهمي الحسيني أربع مرات، ورزق بأربعة من الذكور وسبع من الإناث . عقب خروجه من المعتقل أواخر عام 1939مـ، وعزله من رئاسة البلدية اعتلت صحته وأصيب بسكتة قلبية توفي على إثرها في 25/12/1940مـ، وشيع جثمانه في جنازة مهيبة شارك فيها معظم سكان المدينة وشخصيات بارزة وطنية وشعبية من جميع أنحاء فلسطين، بالإضافة إلى رؤساء بلديات فلسطين، وانهالت برقيات التعازي والمواساة من جميع أنحاء الوطن العربي والإسلامي معزية بوفاة الفقيد الكبير.
عضو المجلس البلدي/ عبد النور الإفرنجي:
هو: عبد النور حسن الإفرنجي. ولد في مدينة غزة عام 1860مـ، نشأ في كنف أسرة اشتهرت بالصلاح والتقوى، فقد كان جده الشيخ علي الإفرنجي كان في العهد العثماني من أعيان المدينة وعضوًا في مجلس الإدارة ومسؤولًا بدائرة النفوس ومسؤولًا عن تحصيل الضرائب والأعشار، والده الحاج/ حسن الإفرنجي عين خلفًا لوالده في مجلس الإدارة، كما عين عضوًا في أول مجلس بلدي لمدينة غزة في العهد العثماني عام 1893مـ. تلقى عبد النور تعليمه في كتاتيب المدينة القديمة. سكنت عائلته في حي الزيتون وكان لها أملاك كثيرة في هذا الحي وفي مناطق أخرى من قضاء غزة. نشأ عبد النور هو وأخواه/ درويش وشعبان، نشأة صالحة والتحق في مقتبل شبابه بالجيش العثماني؛ حيث أمضى فترة لا بأس بها في خدمة الدولة العثمانية. انضم للمجلس البلدي المنتخب عام 1928مـ، بعد فوزه في الانتخابات، واستمر في عضوية المجلس لأكثر من 13عامـًا، كان خلالها مخلصًا لمدينته ولشعبه. رزق ببنتين هما: عربية وعريفة ولم يعقب ذكورًا. توفي في مدينة غزة عام 1941مـ.
عضو المجلس البلدي/ عثمان الغلاييني:
هو: عثمان محمد سالم الغلاييني. ولد في مدينة غزة عام 1865مـ، من عائلة غزية معروفة. والده محمد سالم عمر الغلاييني. كان من الميسورين ومن ذوي الأملاك. والدته مفتية حامد الشوا. تعلم في مدارس غزة وأكمل تعليمه في القدس وتمتع بثقافة واسعة وإلمام كبير. كان صاحب نشاط سياسي ووطني، وشارك في الكثير من الفعاليات السياسية والوطنية. عمل في التجارة، وكان من ذوي الأملاك. شارك في تعزيز العلاقات الاجتماعية بين العائلات الغزية وإصلاح ذات البين والمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع. تزوج صبحة خليل سالم الغلاييني، توفي في غزة عام 1940مـ.
عضو المجلس البلدي/ موسى البورنو:
هو: موسى مصطفى محمود البورنو. ولد في مدينة غزة عام 1877مـ، من عائلة معروفة، عمل في التجارة، وبنى ثروة كبيرة، وكان عضوًا في الغرفة التجارية إبان الحكم العثماني. تزوج مرتين؛ زوجته الأولى بهية الغلاييني؛ أما زوجته الثانية فهي نادرة بنت يوسف بك البورنو، توفي عام 1952مـ.
عضو المجلس البلدي/ سعيد أبو رمضان:
هو: سعيد محمود قدورة رمضان أبو رمضان. ولد في مدينة غزة عام 1884مـ، ينتمي إلى عائلة بارزة في غزة، كان والده محمود قدورة أبو رمضان من الوجهاء وذوي الأملاك ورث سعيد عنه الكثير وتمكن بجهوده الذاتية من تعزيز مكانته وتضخيم ثروته. والدته آمنة عمار، توفيت عام1917مـ. تلقى تعليمًا أساسيًا مكنه من تعلم القراءة والكتابة وأساسيات العلوم الأخرى. نفي إلى تركيا عام 1914م لمدة 4 أعوام بسبب تخوف السلطات العثمانية من نشاطاته السياسية ومواقفه الوطنية وكان من رجال الإصلاح والوجوه الاجتماعية والاقتصادية البارزة في المدينة. أسهم إلى جانب فهمي الحسيني رئيس بلدية غزة من 1928-1938مـ، في إنشاء حي الرمال ضمانًا لعدم منح السلطات البريطانية هذه الأرض لليهود، تزوج مرتين، زوجته الأولى آمنة أبو حليقة، أما زوجته الأخرى فهي آمنة إسماعيل الدجاني. توفي سعيد أبو رمضان عام 1955مـ.
** عضو المجلس البلدي / حافظ داود ترزي:
ولد في مدينة غزة عام 1887م ، من عائلة مسيحية، أنهى تعليمه الأساسي فقط ، ولكنه امتلك رصيداً كبيراً من المعلومات والخبرة ، كان من وكلاء كنيسة الروم الأرثوذكس العربية بغزة ، وتمتع بعلاقات اجتماعية قوية، شارك في الحياة السياسية من خلال انضمامه للجمعية الإسلامية المسيحية ، كان من ذوي الأملاك ، تزوج من فوميا عيسى فرح ورُزق منها : صليبا ، وفؤاد ووليم وإميل وجميل وقمر وفلات وكلير، توفى عام 1972 عن 85 عاما.ً
** عضو المجلس البلدي/ راغب مصطفى أبو شعبان:
هو راغب مصطفى شعبان أبو شعبان، ولد في مدينة غزة 1880م ، من عائلة معروفة . اشتهرت عائلة بكنية مؤسسها أبو شعبان، وصارت لقباً لعائلته بغزة ، ولقد جاء جد هذه العائلة من مصر في أوائل القرن الثالث عشر إلى مدينة غزة واستقر فيها، ومنهم رجال بارزون في الفقه والتجارة والإدارة ، يعتبر راغب أبو شعبان من رجال الإصلاح المعدودين في قضاء غزة ، وله مواقف وطنية جادة وكان من كبار أصحاب الأملاك وأرباب الثروة في غزة وقضائها، كان لا يجيد القراءة والكتابة ، ولكنه تمتع بذكاء كبير، تزوج من ابنة عمه ورد يوسف أبو شعبان ، تزوج من ابنة عمه ورد يوسف أبو شعبان رُزق منها عشر أبناء ، ستة ذكور ، وأربع إناث هم : عايدي واسحق وبهجت وجمال ومحمد وأنور ولميحة وأنعام ومنور وعين الحياة ، توفى راغب أبو شعبان 1956م.
باستعراض السجلات الخاصة بمجلس بلدية غزة الرابع المدونة بخط اليد، التي كانت تدون القرارات التي يتخذها المجلس البلدي يوماً بيوم نجد أن أول جلسة رسمية عقدها المجلس البلدي الرابع عقدت يوم الثلاثاء الموافق21/8/1934مـ، ويتضح من السجلات، أن البلدية هي التي تحملت المصروفات والنفقات المالية للانتخابات البلدية في غزة ، فلقد قرر المجلس إدخال مبلغ عشرون جنيهاً لمصروفات الانتخابات في ميزانية البلدية 1934/1935م ، كما أنها قامت بدفع جنيهين إلى المطبعة التجارية، ثمن طباعة أوراق الانتخابات. أيضاً قرر المجلس البلدي صرف مكافأة لكتبة البلدية لمشاركتهم في إنجاز عمل اللجنة الانتخابية بغزة، وهم: جلال ترزي بقيمة خمسة جنيهات، ورأفت البورنو، بقيمة ثلاثة جنيهات، وشعبان أبو شعبان، وحسن زمو لكل واحد منهم جنيه وربع الجنيه. وظهر واضحاً وجود توتر وتباين وخلافات بين قطبي المجلس البلدي ، وهما رئيس البلدية فهمي الحسيني وحلفائه في المجلس البلدي من جهة، ورشدي وعادل الشوا وحلفائهما في المجلس البلدي من جهة أخري ، وصلت إلى مرحلة تصيد الأخطاء وتوجيه الاتهامات الصريحة فيما بينهما، وما وقع في جلسة المجلس البلدي المنعقدة بتاريخ 6/7/1935مـ، يشكل دليلاً على هذا التوتر والخلاف ؛ والواقعة تتمثل في أن ستة أعضاء شاركوا في الجلسة المذكورة ، ومن بين المشاركين العضو عبد القادر حتحت الذي شارك في المذاكرات والمداولات والقرارات التي اتخذت حتى لحظة وصول(سعيد) نجل نائب رئيس البلدية عادل الشوا الذي كان متغيباً عن الجلسة ودعا العضو عبد القادر حتحت لمقابلة والده ، فذهب العضو عبد القادر حتحت واعداً بالعودة للتوقيع على القرارات التي اتخذت، ولكنه عاد بعد فترة مدعياً أن الجلسة غير قانونية وأنها غير مكتملة النصاب القانوني؛ هذا الموقف دفع برئيس البلدية وبالأعضاء الحاضرين إلى توجيه الاتهام للعضو المذكور ولبعض الغائبين(عادل ورشدي الشوا) بأنهم اتفقوا على وضع العراقيل في طريق أعمال هذا المجلس، وأنهم يسعون من خلال عدم الحضور، والاعتراض على الجلسات إلى إيقاف المجلس عن أعماله.
هذه الواقعة تشكل تجسيداً صريحاً لشكل العلاقة المتوترة بين قطبي المجلس الحسيني والشوا ، ويعتقد الباحث من خلال تتبعه للسجلات قراراً بقرار، أن عادل ورشدي الشوا لم يكونا راضيين عن قيادة فهمي الحسيني للمجلس البلدي أو بتعبير أدق لم يكونا سعداء بأن يكون رئيساً للبلدية وهما عضوان ، لذلك نجد أنهما لم ينتظما في المشاركة الدائمة في الجلسات منذ الانتخابات وفوزهما بالعضوية ، ويعتبران الأقل مشاركة بالجلسات حسب ما تشير إليه السجلات الخاصة بالمجلس البلدي الرابع ؛ كذلك وعلي الرغم من تولي عادل الشوا منصب نائب رئيس البلدية إلا أنه لم يتولى مهام قيادة الجلسات ورئاسة البلدية بالإنابة طيلة هذه الفترة ، فلقد ترأس راغب أبو شعبان جلسات المجلس مرتين بالوكالة عندما تغيب فهمي الحسيني عن البلدية ؛ كما أن فهمي الحسيني وجه اتهاماً صريحاً في أعقاب واقعة "عبد القادر حتحت " لهما ولحلفائهما في المجلس بالسعي لتخريب المجلس وإيقاف عمله ؛ كما أن المتتبع لتطور الأحداث خلال الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936م، والإضراب الشهير الذي امتد من20/4/1936 إلى 13/10/1936م، يصل إلى نتيجة مفادها أن فهمي الحسيني من جهة ، وعادل و رشدي الشوا من جهة أخري ، كانا على طرفي النقيض في جميع الأفكار والمقترحات والقرارات التي اتخذت حول كيفية تعامل البلدية مع تداعيات الإضراب ؛ ففي الوقت الذي كان فهمي الحسيني يطلب فيه التريث وعدم تقرير الإضراب إلا بعد المشاركة في مؤتمر رؤساء بلديات فلسطين الذي كان مقرراً للانعقاد بعد فترة وجيزة في مدينة يافا لمعرفة رأي البلديات جمعاء من هذه القضية ، كان رأي عادل ورشدي الشوا مخالفاً ومطالباً بالإعلان الفوري للإضراب،ولم يبت بينهما سوي التصويت الذي جاء في صالح اقتراح فهمي الحسيني بضرورة انتظار نتيجة اجتماع رؤساء البلديات ، مع التنويه أن عبد القادر حتحت كان إلى جانب عادل ورشدي الشوا خلال التصويت الذي انتهى بتأييد سبعة أعضاء لمقترح للتأجيل والانتظار ، وثلاثة أعضاء مع الإعلان الفوري للإضراب ، وكان رأي موسي الصوراني يقضي بأن تضرب البلدية إذا أضربت نصف بلديات فلسطين ، فيما تغيب عضو واحد عن المشاركة في هذه الجلسة هو سعيد أبو رمضان.
كما أن عادل ورشدي الشوا كانا من مقدمة الأعضاء الذين أضربوا وامتنعوا عن حضور الجلسات رغم قرار المجلس بالإجماع في 4/6/1936م بعدم إعلان الإضراب لأسباب إنسانية وخدماتية ووطنية عديدة جاءت في حيثيات القرار؛ وحتى تكون الصورة واضحة فإن رئيس البلدية فهمي الحسيني وخمسة أعضاء هم : محمد الريس وموسى البورنو وعثمان الغلاييني وعبد النور الإفرنجي وحافظ ترزي كانوا مع استمرار البلدية في تأدية واجباتها خلال الإضراب، وكانوا يحضرون الجلسات التي يتم إلغائها لعدم توفر النصاب والأكثرية القانونية، فيما كان عادل ورشدي الشوا وموسي الصوراني وعبد القادر حتحت وسعيد أبو رمضان مع الإضراب ولم يشاركوا في الجلسات . كما أن الخلافات وتداعياتها بين قطبي المجلس ظهرت جلية باستقالة عضو المجلس راغب أبو شعبان الذي كان الحليف الرئيسي لفهمي الحسيني في المجلس البلدي ، بسبب تأثره من أقوال قيلت ضده لعدم اشتراكه في الإضراب مع بعض الأعضاء ، وهذا ما جاء "نصاً" في الجلسة التي عقدها المجلس بتاريخ 14/10/1937 لمناقشة موضوع الاستقالة ، ويفهم من ذلك أن العضو راغب أبو شعبان تعرض لنقد لاذع، ولاتهامات من الأعضاء الذين كانوا مع مشاركة البلدية في الإضراب ، مما حدا به إلى الاستقالة من المجلس في شهر آب/أغسطس 1936م ؛ ولكن رئيس البلدية آثر عدم عرض الاستقالة على المجلس البلدي ، وعندما هدأت الأحوال قليلاً عرضها على المجلس بعد أن اكتمل النصاب القانوني للجلسة للمرة الأولى منذ شهور ،بحضور كل من فهمي الحسيني ، وعبد النور الإفرنجي ، وموسى البورنو ، ومحمد الريس ، وعثمان الغلاييني،وحافظ ترزي ، وتغيب رشدي وعادل الشوا ، وعبد القادر حتحت ، وموسى الصوراني ، وسعيد أبو رمضان ؛ واقترح رئيس البلدية على الأعضاء رفض الاستقالة والطلب من العضو المستقيل سحب استقالته ، وهو ما قوبل بالموافقة والإيجاب من قبل المجلس وبالإجماع ؛ فقام المجلس على الفور بإرسال تحرير خطي إلى العضو راغب أبو شعبان يبلغه بقرار المجلس رفض الاستقالة ومطالبته بالعودة الفورية إلى المجلس،فحضر راغب أبو شعبان واستجاب للطلب ، وعاد للمجلس مجدداً ، وتقرر مخاطبة السلطات لإعلامها برفض المجلس للاستقالة ، وقبول العضو سحب استقالته وانضمامه مجدداً للمجلس.
ورغم الاختلاف الظاهر بين فهمي الحسيني ، ورشدي وعادل الشوا ، إلا أن هناك قصة تداولها سكان غزة طويلاً تدل على أن هذا الاختلاف لم يقلل احترام وتقدير رشدي الشوا لفهمي الحسيني، والرواية تقول أن أحدهم جاء إلى رشدي الشوا عندما توفى فهمي الحسيني ، مبشراً ومتهللاً بوفاة الرجل، ظناً منه أن هذا الخبر سيدخل السرور إلى نفس رشدي الشوا كالبشرى السارة ، لكن رشدي الشوا عنفه ووبخه ، وظهرت عليه علامات الحزن الشديد، والتأثر البالغ لخبر وفاة فهمي الحسيني، وقال بحضور عدد كبير من وجهاء وأعيان المدينة ممن كانوا يجالسونه ساعتها (لقد فقدت غزة رجلاً عظيماً من رجالاتها النجباء) ولعل ما يؤكد صحة هذه القصة ، أن رشدي الشوا أمر بأن تتولى البلدية مراسم الإشراف على مراسم تشييع ودفن فهمي الحسيني ،كما أنه بادر بإطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة وكان لا يذكره إلا بالخير في جميع جلساته.
وبنظرة متأنية إلى تركيبة مجلس بلدية غزة الرابع نجد أنه ضم للمرة الأولى شخصيات تمثل العائلتين الأكبر والأوسع نفوذاً في غزة ، وهما : عائلة الحسيني ، وعائلة الشوا ؛ وهذا ما أشعل بين هذين القطبين صراعاً وتنافساً داخل أروقة المجلس ؛ كما أن كل قطب سعى لاستقطاب بقية الأعضاء إلى صفه فتشكل في المجلس كتلتين ، كتلة تؤيد وتدعم رئيس المجلس فهمي الحسيني ، والأخرى تؤيد وتدعم عادل رشدي الشوا ؛ كما أن تركيبة المجلس ضمت عضواً مسيحياً واحداً هو حافظ ترزي ، أي أن عدد الأعضاء المسيحيين كان يتقلص مع مرور الوقت ، فبعد أن ضم مجلس البلدية الأول عضوين مسيحيين من إجمالي أعضاء المجلس البالغ عددهم ستة ، أي ثلث المجلس؛أصبح عضواً واحداً من 12 عضواً في المجلس الرابع ؛ كما أن المجلس ضم محامين هما فهمي الحسيني ورشدي الشوا ، والبقية من رجال المال والأعمال ، ومن ذوي الشأن الاجتماعي والاقتصادي ، وأصحاب الأملاك وأرباب الثروة ؛ أيضاً كان معظم أعضاء المجلس من المشتغلين بالسياسة في تلك الآونة التي شهدت الإضراب الكبير عام 1936م ، والثورة الفلسطينية الكبرى ، ومحسوبين على الأحزاب السياسية التي تشكلت في ثلاثينيات القرن الماضي؛ ويذكر أيضاً أن العائلات التي دخلت البلدية من المجلس الأول وحتى الرابع بلغت 21 عائلة فقط ، هي : أبو خضـرا ، والبربـري ، والجرجاوي ، والصوراني ، وظريفة ، وخوري ، وأبو شعبان ، وحتحت ، والعلمي،والحسيني ، والقرم والغلاييني ، وخيال ، والغصين ، والشوا ، وفرح ، وترزي ، والريس ، وأبو رمضان،والبورنو،والافرنجي وهذا يدل على نوع من الخصوصية العائلية لمن انضم إلى عضوية مجالس بلدية غزة ، مع الإشارة أن العائلات المذكورة سواءً المسلمة منها أو المسيحية هي التي كانت تتسيد حلبة الزعامة الغزية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً بدون منازع حتى منتصف القرن الماضي ، مع إضافة بعض العائلات الأخرى التي دخل أبناؤها في المجلسين الخامس والسادس......... يتبع
-------------------------------
د. ناصر الصوير
باحث وكاتب ومحلل سياسي
----------------------------