سيدي الرئيس : أنتم لستم أيوب فلسطين

بقلم: ميساء أبو زيدان

أن تخوض نقاشاً في دوائر تعُج بالذين تمكّن منهم غول الإنهزام لهو أمرٌ شاق بل مُفجع ويدفع للشعور بالعجر في كثيرٍ من الأحيان، وهنا لا يؤلمني حجم الإحباط المستشري بين العديد من الذين ينتمون ( كما تعكس توصيفاتهم ومراتبهم ) لمستويات من المفترض أنهم ومن خلالها هم الطليعة التي يقع على عاتقها بناء مؤسسات دولتنا التي نُجاهد لترسيخها كحتمية واستحقاق لشعبنا الفلسطيني العظيم، حيث أنني أدرك جيداً طبيعة وحجم التحديات التي تستهدف جماهيرنا ومسارنا الوطني ككل ومناحي أثرها، ولكن ما يؤلم هنا هو البون الشاسع ما بين حجم ما تبذلونه من جهود وبين مستوى إدراك وفعل بل وإرادة البعض الذي من المفترض أنه يتحمل جزءاً من المسؤوليات وعظيم المهام بحيث تربعوا على عروش الذات مطلقين الأحكام ومتشدقين بلغة الإنهزام ضاربين بمقتل كل ما يمكنه أن يحمي ويعزز متطلبات الثبات وبهذه المرحلة بالتحديد.
سيدي الرئيس:
العديد وصفكم بأيوب فلسطين، ولكن أنتم لستم أيوب فلسطين، فلقد ابتُليَّ سيدنا أيوب بمرضِ عضال كان خلاله العزاء الوحيد له أن كان لله وحده المقدرة المطلقة في استشرائه وبالتأكيد الشفاء منه، وقبل أن أسمح لنفسي بل وأتجرأ وسط هذا المعترك الهلامي المُنطلق أن أوصَف حالتكم دعني أُعرّج على المشاهد التالية:
ففي المشهد الأول والمرتبط بالقدرة على تحليل وتقييم واقعنا السياسي من قبل البعض (النخبة!) والمُستند بالنسبة الأكبر منه على مداركهم الذاتية التي بُنيت على مجموع ما يتلقفونه من الماكينات الإعلامية المتربصة عبر منبرٍ هنا أو شاشةٍ هناك، اللافت بهذا المشهد هو كيف من الممكن أن ذلك العنوان الذي يدير معركتنا بإرادة منفردة بحيث مكنته من تجسيد مكانة (عمدة) الإقليم إن صح التعبير، ولهؤلاء الذين يتحملون بديهياً دور إسناد هذا العنوان في مهامه إلى جانب تحصين جبهتنا الداخلية أن ينتموا لذات الدرب وينشدوا ذات الهدف! فكيف يُهيّأ لهؤلاء مثلاً أن مصر الشقيقة التي امتازت سياسياً كأحد أهم المدارس في العالم بمنهجيتها الراسخة من الممكن لها أن تمس وبالمقام الأول بمصالحها القومية عبر تمكين أدوات في قطاع غزة جاهزة للتسليم بمخططات المُحتَل، ضاربةً بذلك حقها التاريخي وأمنها الإستراتيجي بسيناء التي حُررت بالدم المصري الطاهربعرض الحائط! أم أن حكمة الأشقاء في مصر بالتعاطي مع بعض التفاصيل الخاصة بأمنهم تراءت لهم موقفاً رسمياً تجاه قضيتنا! وكيف فسرّ هؤلاء الأشاوس موقف لبنان العزيز من القيادة الفلسطينية واعتقدوا أنه سيُسمح للبعض بانتهاك سيادته على أرضه لصالح البعض الآخر في المنطقة وعلى حساب استقلالية قرارنا الوطني الفلسطيني! بأية قواعد سياسية ترجم أولئك توجهات سوريا الصامدة بخصوص قضيتنا، سوريا التي باتت تدرك جيداً الموقف الفلسطيني الحريص والرافض لأية محاولة تستهدف حق الشعب الشوري البطل بتقريره لمصيره وعلى أرضه الموحدة! كيف استنتج هؤلاء أنه بإمكان الأشقاء في الخليج العربي أن يمنحوا الدور لِمَن بمقدوره أن يعبث باستراتيجياتهم على حساب الشعب الفلسطيني الذي يدركون تماماً بأنه رأس حربتهم في معاركهم القومية (ولستُ أشير هنا لأي بُعد عقائدي)!
كثيرةٌ هي المشاهد التي من الممكن استعراضها في مضمار تحليلاتهم السياسية التي باتت حقائق بالنسبة لهم، ولكن دعني أنتقل بكم لمشهدِ آخر وهنا سأشير لما يرتبط بميداننا الفلسطيني حيث ارتهن البعض لوظيفة إطلاق الأحكام المطلقة في عدة قضايا داخلية فمن تقييمهم لمنهجيتكم التي يعتقدون بأنها ضعيفة بل متخاذلة، فكيف لكم أن تدركوا لغة عدوكم وتفوتوا عليه فرصة الرقص على بحر الدم الفلسطيني! لماذا لم تقدِموا كما فعل البعض المغامر وتعلنوا عن صمودكم في المعركة حتى ولو لم يتبقَ فلسطيني واحد على هذه الأرض! هنا لماذا تقف أمامهم وتصُدّهم عن الذود بأرواحهم بحيث تتحقق مقولة أن (الأرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض)! مروراً بعدم استيرادكم جموعاً من الأنبياء لإدارة مؤسساتنا الوطنية بحيث نقيم دولتنا الفاضلة الطاهرة من النزعات البشرية، لماذا لم تخلق جيشاً من أولي الأمر الصالحين بحيث يتولوا زمام أمر العباد في كلِ بقعةٍ ندير شأنها!
أما الآن وفي هذا المشهد اسمح لي كونكم القائد العام أن أقترب من أُم القضايا بل وسرها على الإطلاق،حيث انبرت ألسُنَ عجز البعض لتحاكمكم على اتخاذكم القرار بالإجهاز على رائدة النضال الوطني الفلسطيني وإلا فلماذا لم تتيح للألف قائد وقائد بحماية الوجه المُشرق لـِ"فتح" وإعادة الإعتبار لدورها!؟ ولماذا لم تقم كقائد بإنجاز المهام المُوكلة لكم بحيث : تحمي مشروعنا الوطني، وتُصلح مؤسسات م.ت.ف حيث أن "فتح" هي التي تقودها، وتعمل على الحرث في الميدانين الدولي والعربي لِتُعزز مكانة "فتح" فيهما، وتُنجز مهامك الإعلامية على الصعيدين الجماهيري والسياسي وتُتِم إنجاز ماكينة إعلامية حركية قادرة على التصدي للإعلام المُوَجه، وتعزز وتحمي علاقة الحركة مع الجماهير الصامدة، وتعمل على تمكين الإطار الطلابي وتحرص على انتزاع النصر في كافة المؤسسات التعليمية، وتُمكّن النساء في الحركة بالقيام بأدوارهن بحيث يحمينّ ويُعظّمنّ دور المرأة الفلسطينية كحارسة نارنا المقدسة، وتحمي حقوق كادرنا وعمالنا والمهنيين والحرفيين والصحفيين والفنانين والأدباء و..و..و عبر تحصين أجسام نقابية فاعلة، وتُعيد المجد الحركي لأقاليمنا في الساحات الخارجية بحيث تحمي لاجئينا وجالياتنا في أماكن تواجدهم من المشاريع المأجورة ومخططات التهجير والتوطين، وتبحث السبل الكفيلة ببناء مؤسسات إقتصادية وإجتماعية وأهلية ترفد الحركة بحيث تحقق لنا الاكتفاء بل ومواجهة كل طارئ.
وهنا واستكمالاً لما سبق أيها القائد نصل لمهمتكم الأكبر التي (وكما يطرحون) تنصلتم من تأديتها ألا وهي إعادة غزة هاشم للحضن الفلسطيني وإلا فلماذا لم تنساقوا لرهان العديد من الأطراف بخصوص غزة؟! ما هي حكمتكم في تقديس ذلك المبدأ الثوري القائل أن (الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام)!؟ لماذا لم تسمح للجهابذة الذين فرّوا من قطاع غزة بشهور من تعرضنا لذلك المنعطف الأسود بتطبيق مقترحاتهم منذ أول يوم بالأزمة!؟ لماذا لم تدفع بالجيوش لذبح الفلسطيني الأخ!؟ ولم تقطع الأرزاق منذ اليوم الأول!؟ ولماذا صارعتم المُحتل في الثلاث حروب لوقف المتاجرة بالدم الفلسطيني الطاهر الغالي!؟ لماذا لا زلتم تراهنون على فلسطينية حركة حماس والجهاد وباقي الفصائل الوطنية!؟ قم وانهض وحرر غزة ولكن لا تهدر الدم، ولا تضيق الخناق على شعبنا فيها، ولا تكشف لنا زيف الأدوات، قم أيها القائد فحجم الموازنات التي تتلقاها ومجموع المقرات التي تعمل من خلالها وسيل التسهيلات المُغدق عليك يدفعنا لأن نقول لكم : نفذ المهام المُوكلة لكم وإلا فأنتم برسم المساءلة عما فعلتموه تجاه الحركة التي ...... وهنا سأقف صاغرة ولن أكمل بالسياق للقول بأنها صنعتكم فهذا مُحال بل أنتم أيها القائد ورغم أنف المنهزمين والمأجورين والمارقين أحد أعمدتها المُؤسِسَة.

سيدي الرئيس:
عديدةٌ هي تلك المشاهد التي تُدلل على خطورة ما نحن عليه حقيقةً، فأين نحن من مقدرتكم التي لن تتكرر والتي وباعتقادي تحكُم فيها إرادة قدرية حيث الأداء المنفرد في التعاطي مع المجتمع الدولي مروراً بكيفية تناولكم لقضايا المنطقة والإقليم وبلغة باتَّ قادة العالم وسياسيوه يشيرون لها ولأثرها وصولاً لإدارتكم بثبات المعركة مع هذا المحتل الأوحد على هذه البسيطة، وبتمسكِكم بصدق اللغة مع شعبكم مهما كلفكم هذا الأمر من أثمان، كم هو مُخجل بل ومُعيب أن نترككم وحدكم في كل هذا بل ونسمح أن نتحول في مواقف عديدة لمساهمين في تعميق الأزمة التي يمر بها وعينا وفكرنا متجهين بذلك نحو انهزام داخليّ يصب في نهايته بكل ما هو ضد الصالح الوطني الفلسطيني.
وعليه أعتقد أنكم لستم بأيوب فلسطين، بل أنتم يُوسف فلسطين فالبعض من إخوتكم يعتقدون بأنهم في حلٍّ من نتاج مواقفهم وسلبيتهم معتقدين أنهم يرمون بكم في ميدان المعركة لتواجهوا فيه النشاب وحدكم وتتعرضون لإغواء البعض المنافق الذي لم يُدرك قدرتكم المذهلة في تمييز الغث من السمين.
أنتم يوسف الذي يتهمه البعض (المُنسلخ عن شعبه) بكل الموبقات على الصعيد الوطني، ولكن سيدرك هذا البعض المنهزم حقيقة تخاذلهم ومحاولتهم التهرب من مسؤولياتهم عندما يدفعون ثمن خيانتهم للأمانة الثقيلة التي حمّلهم إياها شعبنا، واعلم يا يوسف فلسطين بأن ذاك البون الشاسع سيُحجمه شعبنا الذي هو فقط رهانكم الأول والأخير وأنه لن يكون بيننا مكان لأولئك المارّين بين المراحل، سيُدرك شعبنا أنكم لم تنتهجوا لنفسكم أصعب الدروب في التاريخ المعاصر لكي تأتوا فيه وبلحظةٍ ما لتنحرفوا عنه فأنتم ورفاق دربكم مَن مهده لنا، سيدرك شعبنا الكنعانيّ الجذور الذي وُلِد من بين أنقاض نكبته فينيق فلسطين رفيق دربكم رمزنا الخالد "ياسر عرفات" أنكم لستم أيوب فلسطين بل "نبيّ الوطني الفلسطينية" .

ميساء أبو زيدان