حقنا المطلق بالنقد البناء لتصويب المسار..... ومعالجة الثغرات حق مكفول ولا ينازعنا به أحد ...كما حقنا بالنقد الذاتي والجماعي واستخلاص العبر والدروس المستفادة..... ومعالجة العيوب ...وتصويب المسار ....كلها حقوق وحقائق لا ينازعنا بها أحد .....وليس لأحد الحق في انقاص حقوقنا وأداء واجبنا في ممارسة النقد الايجابي البناء ......والذي يساهم في تعزيز ثقافة الحوار وبناء المجتمع المدني الديمقراطي القادر على مواجهة تحدياته .
هذا الحق السابق ذكره لن يتوقف ....ولم يستطع للحظة واحدة أن يوقف البعض منا..... وعبر كافة المراحل والأزمنة والأمكنة من سياسة النقد السلبي بكافه اشكاله وصوره ومسبباته .
كل شي بحياتنا العامة والخاصة لم يسلم من سياسة النقد السلبي ....والذي أخذ بمنحي التشهير والتجريح والقذف الذي لا يرحم ....حتي ولو اكتشفنا بلحظة صدق وصراحة .....وما بعد فترة زمنية أن نقدنا لم يكن بمحله ....وليس له ما يبرره ....وأنه كان تجنيا وتطاولا وخروجا عن قواعد وقوانين وأنظمة المجتمع وعلاقاته الوطنية .
تاريخيا ومنذ عقود طويلة شهدنا واستمعنا لانتقادات لا حصر لها ....وصلت الي حد التخوين والتشهير والقذف وإطلاق العنان للألسنة والعقول والقلوب التي تقول ما لا تعرف .....وتتحدث بلغة لا طائل منها..... إلا المزيد من خيبات الأمل والفرقة .
من امتلكوا النقد السلبي لقول ما يشاءون..... ومتى شاءوا ....وحيث شاءوا..... دون رقابة وادراك ودون تمحيص وتدقيق ....وبعيدا عن المعرفة وتوخي الحذر.... فيما يقال ويتحدثون به ...وكأن ثقافة النقد السلبي تعشعش بالعقول .....وتحدث حالة من الفرقة والفلتان لتزرع الاحقاد والكراهية..... وعدم الثقة .....واحداث حالة من فقدان الضوابط والقوانين ومنظومات المجتمع .
حالتنا الفلسطينية حالة خاصة واستثنائية لها ما لها وعليها ما عليها ...وثقافة النقد السلبي وسياسة التشهير والتطاول وزرع الأحقاد أقحمت بالمواقف والسياسات..... وأضحت جزءا من ثقافة الموقف والدفاع عن هذا وذاك ....وكأنها ثقافة قائمة ومنتشرة تستخدم في تمرير المواقف دون أن يكون لها أساس من الصحة واليقين ....مما أثار القلق والخوف على تماسك المجتمع وارادته ووحدة قضيته وقراره .....وهذا ما يثير المخاوف ويدعو للقلق الشديد .....ويدعونا لدق ناقوس الخطر الذي بات يتهددنا جميعا .
مراحل تاريخنا الوطني وعبر العديد من الاجيال كنا نعيش حالة النقد السلبي الذي اضر بنا ....وشتت من جهودنا..... وفتت من طاقاتنا ....وأحدث خيبات الامل لدينا عبر فترات زمنية ....كنا فيها نقدم التضحيات والشهداء ونصمد أمام عدو مجرم لا زال على عنصريته وعدوانه .
النقد والتشهير بتاريخنا الحديث لم يتوقف منذ عهد الانتداب البريطاني وما بعد النكبة..... وحتي مع تاسيس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد ....ولم يتوقف النقد والتشهير واثارة المخاوف واهتزاز الصورة مع انطلاقة الثورة الفلسطينية .....وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وما أحاطها من ادعاءات كاذبة ....وتقولات مشبوهه ...ومحاولات لوقف انطلاقتها ....وديمومتها ....استمر النقد والتشهير والتجريح واثارة البلبلة بكافة مراحلنا وعبر كافة الساحات ...وفي علاقاتنا الوطنية وما شاهدنا من انشقاقات وصراعات لم تتوقف مع العديد من الجبهات والحركات السياسية .....وحاول البعض في حينه أن يضعها في اطار الديمقراطية وحق الاختلاف.... لكنها بمحصلتها النهائية حالة من الضعف والتشتت في اطار نقد وتشهير وتجريح .
ومنذ أوسلو 93 وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية كأول سلطة على الأرض الفلسطينية وما صاحبها من مفاوضات المرحلة الأولي والثانية...... وتوقف عجلة التسوية مع المرحلة الثالثة التي كان يجب الانتهاء منها بالعام 99.... سمعنا انتقادات لا حصر لها وتشهير وصل الي حد الخيانة والقذف والتجريح...... وكأن التنازلات والتفريط قد أصبحت سمة في السياسة والتفاوض الفلسطيني ....وقيل في حينها أن غزة أولا وأخيرا ....كما قيل أن المفاوضات عبثية وستكون محطة للتنازل والتفريط عن الحقوق والثوابت .
قيل الكثير .....وتم النقد والتشهير ....ولم يكن كل ذلك بمكانه ومحله ....لكنه تعبير عن حالة ثقافة سياسية قائمة على النقد السلبي .....ومحاولة اتهام الأخر بأنه مفرط ومقصر دون تحليل شامل لسياسة عدو محتل ومعادلة سياسة دولية .....لم تصل بعد إلي مرحلة حسم الصراع واحقاق الحقوق وفرض شروط التسوية على هذا العدو العنصري .
تم بناء المواقف على النتائج الغائبة بمعظمها..... لأسباب لها علاقة بالمحتل الإسرائيلي والراعي الأمريكي والحالة الدولية..... اذا ما أضفنا الحالة العربية والإسلامية وما وصلت إليه في السنوات الأخيرة .
هذا لا يعني بالمطلق أن مقومات التفاوض ....وعوامل إسنادها وقوة دفعها..... قد توفرت بصورة ايجابية لأسباب داخلية وخارجية .....مما يجعلنا أن نطرح على أنفسنا بعض التساؤلات منها على سبيل المثال وليس الحصر .
هل يعقل مفاوضة المحتل الإسرائيلي في ظل انقسام داخلي
هل الراعي الأمريكي بحالة تفرض عليه الإسراع في دفع عجلة التسوية
هل الحالة الفصائلية والعلاقات الوطنية تدفع إلي زيادة مقومات التفاوض
وإذا ما كان الحديث عن المفاوضات وخيارها وما تتعرض له من انتقادات لا حصر لها .....فهل الحالة الفلسطينية دافعة وحاضنة لمقاومة فاعلة ومؤثرة
كثيرة هي التساؤلات في ظل غياب الإجابات الواضحة والشافية والصائبة ...الإجابات الشجاعة والحاسمة .....وهذا ما أضاع الكثير من الجهود والطاقات..... وما يجعلنا بحاجة إلي تحديد رؤية جامعة وصائبة .....تبتعد عن سياسة النقد السلبي الذي صاحب قضيتنا ونضالنا الوطني منذ عقود ...ولا زالت تشكل عبئأ إضافيا لما نحن عليه ....وما نواجهه من تحديات ....وما أخر علينا الكثير من النتائج .
الكاتب وفيق زنداح