لا أحد يستطيع أن يُزاود على القرار الرئاسي بإنشاء المكتبة الوطنية، ولا أحد أيضا يستطيع أن يقلل من مكانة المكتبة الوطنية واهميتها؛ باعتبارها معلما ثقافيا بل حضاريا يستحق أولا مبنىً راقيا فخما يجسم عراقة الثقافة الفلسطينية ومكانتها في النضال الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وثانيا اهتماما بالغا لدورها في حفظ تراث الشعب الفلسطيني وثقافته بأنواعها واشكالها وإعادة تفعيلها أو المساهمة في ابرازها. فالمكتبة الوطنية لا تقل أهمية عن القصر الرئاسي وليس فقط قصر الضيافة.
لكن القرار الرئاسي بتحويل قصر الضيافة الذي لم يتم تشغيله بعد، بعد عامين بالكمال والتمام عن اعلان السلطة الفلسطينية بانتهاء الاشغال الداخلية فيه، يثير ثلاثة قضايا، في ظني أن الرئاسة محمولة على الإجابة عليها أو توضيحها للجمهور الفلسطيني، فالأولى فنية تتعلق بتكلفة تحويل مبنى تم تصميمه وانشائه ليكون قصر ضيافة يحتوي على أجنحة للسكن ومساحات انشائية لتلبية هذه الأغراض، أي يحتاج الامر الى تعديلات انشائية بتكلفة مالية، وهذه القضية هي أسهل القضايا توضيحا أو الإجابة عليها.
أما الثانية تتعلق بالسياسات والتخطيط فمن غير المعقول أن يتم الإعلان عن والعمل على إنشاء قصر ضيافة أو قصر رئاسي والدفاع عن تكلفته باعتبارها من أموال دافعي الضرائب الفلسطينيين ومن ثم الإعلان دون مقدمات عن تحويله الى مكتبة وطنية الا إذا أراد فريق العمل اغراق البلاد بانتقادات على السلطة الفلسطينية في حينها، أي قبل عامين، لا داعي لها بقدر ما تضعف من مكانة الرئاسة والحكومة.
والثالثة أيضا تتعلق بالتخطيط أي تكشف عن عدم تكامل أداء قطاعات الحكومة؛ والقصد هنا عند إقامة مبنى من هذا القبيل، قصر ضيافة أو قصر رئاسي، يتطلب مراعاة الجوانب الأمنية اللازمة بحيث لا يحاط بمباني كاشفة ما يدعو الى التنسيق مع وزارة الحكم المحلي والبلدية/ المجلس المحلي في منطقة القصر لضمان وضع مخطط هيكلي للمنطقة يراعي المتطلبات الأمنية من جهة، وهي تحتاج أيضا للتنسيق مع جهات أمنية ذات اختصاص كي لا يكون القصر ساقطا أمنيا من جهة ثانية.
قبل عامين وعند اثارة زوبعة الحديث عن قصر الضيافة قلت حينها في نميمة البلد أيضا "أما قصر الضيافة الذي يوشك على انجاز الانشاءات الخارجية؛ هو بكل تأكيد رمزا هاما في حال أُحسن ليس فقط تجهيزه بل استخدامه، وإن كنت أفضل أن يصبح مقرا للرئاسة ومسكنا للرئيس الفلسطيني المنتخب "القادم" وعائلته لتجنب عرقلة المرور في اوقات الذروة في شوارع "العاصمة الضيقة"، وانفصالا عن صيت المقاطعة القاطعة ما بين ساكنيها والمواطنين من زمن الاستعمار البريطاني الى الاحتلال الاسرائيلي. وأعتقد ان الزوبعة التي طالت هذا القصر لم تكن في محلها لِقُصرِ النظر في الحديث عن إنفاق المال دون النظر بعمق لأهميته الرمزية وضرورته العملية".
بقلم/ جهاد حرب