حتى نستفيد من دروس النصر

بقلم: عباس الجمعة

ليس أمرا سهلا أن تحقق قوى المقاومة العربية مع الجيشين االلبناني والسوري الانتصار، ولكن الأصعب أن نعرف كيف نتصرف بعد الانتصار، مقولة لاتزال تحفر مكانها في الذاكرة وكنت قد توقفت عندها كثيرا، خاصة عندما شهدت رايات النصر قد بدأت من القدس والمسجد الاقصى مرورا بجرود عرسال وجرود بعلبك والقاع والقلمون الغربي وصولا الى العراق وهي تتوالى في أرجاء البلاد من فلسطين الى لبنان الى سوريا والعراق تعبق بدماء الشهداء الأبرار، وهي ترسم نهجا جديدا يليق بانتصارات مجيدة .

من هنا رأينا انتصار إرادة الحياة، وأن تتعالى شعوبنا على جراحها ، لتبدأ مسيرة نضال تكون فيها رايات النصر هي البوصلة نحو المستقبل، ونحن ايضا شاهدنا شعب لفلسطين وشبابه وشاباته وقيادته وفصائله وقواه كيف كانوا فرسانا في ميادين المواجهة على ابواب المسجد الاقصى، وكيف تصدوا للاحتلال واجراءاته وكيف خضع العدو وانتصر الشعب الفلسطيني ، لذلك نقول هذه الوحدة التي تجسدت في ميدان القدس هي بحاجة الى وحدة وطنية فلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، والنهوض من جديد ليس صعبا على شعب أذهل العالم بصموده وشجاعته وبطولاته رغم العدوان والحصار والاستيطان .

يصر كثيرون، سواء بحسن نية، أم بسوء نية، على مواصلة بث روح التشاؤم والإحباط بين الناس، وإذ يمكن للمرء أن يجد تبريراً حقيقياً لتكون المشاعر السلبية عندها من الأساس، لكن من غير المفهوم تجاهل كل المتغيرات التي حصلت والإصرار على الزعم بأن زمام المبادرة باقية بيد المشروع الإمبريالي وحلفائه في المنطقة.

ومن هنا نرى اليوم الانتصارات ونحن نعلق على الامال بالشعوب العربية المتمسكة بثوابتها الوطنية والقومية، ولم تطأطئ هامتها للاستعماريين القدامى والجدد، ولم ترض للعالم أن يدار من مركز واحد، وبذلك تعطلت إحدى الحلقات الاستراتيجية للمؤامرة الأمريكية للإطباق على العالم، حيث يسقط اليوم مشروع دموي لإعادة بسط الجهل والظلامية في المنطقة، بمعارك بطولية يشهد التاريخ عليها، وأعطت مثلاً على قدرة التعاون العربي على إحداث تأثيرات عميقة في القدرات الهائلة التي تختزنها القوى العربية إن تعاونت معاً، رغم ان بعض الانظمة العربية ارادت تغيب فلسطين، الغياب النسبي بالطبع عن واجهة الأحداث، تفجرت أرض فلسطين غضباً ونزل عشرات الألوف من الفلسطينيين إلى الشوارع يقارعون جنود الاحتلال بصدورهم العارية، يدافعون عن وطنهم ومقدساتهم، رافضين المحاولات الإسرائيلية لتهويد فلسطين ومحو طابعها العربي.

لقد أفرزت أيام فلسطين الأخيرة في القدس دروساً عديدة، بمواجهة الاحتلال، لذا فان انتصار القدس سيشكل درس لكل من يحاول النيل من القضية الفلسطينية .

إن هذه اللوحة العامة للوضع العربي تشجع على القول إن هذا الوضع هو على عتبة التحولات الكبرى، بعد ان تمكنت الشعوب ومقاومتها من كسر هيبة أمريكا ورهبتها، فلا بد من أن نستوعب الانتصارات، وترتقي الدول التي قاومت وصمدت ان تشرع الحريات الديمقراطية، وتلتفت إلى الأحوال المعيشية للجماهير الواسعة، وأن ترسي قواعد التعامل والتعاون بين القوى الوطنية

والتقدمية والقومية واليسارية في العالم العربي، لتشكيل جبهة عريضة لمقاومة المشروع الإمبريالي والمشروع الإرهابي بغية دحره تماماً، والعمل على بناء المشروع النهضوي العربي.

في ظل هذه الظروف نقول سقط المشروع الإخواني الارهابي في المنطقة وسقطت معه أحلام وأوهام الكثيرين ، وسقط معه اصحاب صهوة ما سمي بحراك الربيع العربي .

اليوم نقول للعرب فلسطين تكتنز غضباً لم تعرفه من قبل، وشعبها يحمل رايته صبراً أو يقيناً وإيماناً لم تعرفه من قبل، وهي تختزن عيوناً صحت على الحلم وعرفت طرقه، فقضية فلسطين هي قضية شعبٍ يأبى الخضوع، وقصة ظلمِه وتشردِه، هي قصةُ جرحٍ نازفٍ في الوجدان والذاكرة الإنسانية، هي قضية حق لن يموت أبداً، فلسطين تسكن في قلوبِ جميع الأحرار، وتهوي إلى قدسِها أفئدة كل المسيحيين والمسلمين، على الرغم من كل الإسفاف الذي يحيط بها، وشعبها يواصل مقاومته الشعبية الرائعة ليؤكد أن لهيب هذا الحماس الشعبي العارم سيحرق كل من تسول له نفسه العبث بحقوق الشعب الفلسطيني .

ختاما : امام هذه الانتصارات نقول أننا جميعا معنيون في الحفاظ على النصر واستلهام العبر والدروس منه، للدخول إلى المستقبل المشرق من بواباته الواسعة، ودائما مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ونحن نقدر عاليا مواقف المقاومة بقيادة حزب الله المشرفة والمسؤولة، التي يتخذها بالأخص منها، القضية الفلسطينية، ونحن نتطلع الى الايام المقبلة لنشارك كل المقاومين الأحرار بالانتصارات، لاننا على ثقة أكيدة بأن هذه المؤامرات التي حاولت النيل من المقاومة، والقضية الفلسطينية والعمل تفتيت الأمة العربية فشلت بارادة الصمود والشهداء .

بقلم/ عباس دبوق "الجمعة "