اوسلو انتهى .. والمؤامرة مستمرة

بقلم: عباس الجمعة

على مدار العقود الماضية مثلت القضية الفلسطينية مركز النضال لدى الشعوب العربية، وحتى شعوب العالم ، ونحن نرى ان كل الاتفاقات والمفاوضات التي ولدت نتيجة اتفاق اوسلو فشلت ، وشكلت كارثة وطنية اوصلت الشعب الفلسطيني إلى منعطف خطير ما زال الجميع يتذوق مرارة ذلك ، فالاحتلال ما زال مستمرا، وعزز من وجوده، وصعد من جرائمه وممارساته وقوانينه العنصرية، في الوقت الذي ازداد معدل الاستيطان وبناء الوحدات الاستيطانية أكثر مما كان قبل اوسلو، فأصبحت كالورم السرطاني الذي قطع أوصال الضفة، وما زال الاحتلال يواصل حربه المسعورة على مدينة القدس من أجل تهويدها، فضلاً عن شن الاحتلال ثلاث حروب على قطاع غزة أحدث فيها دمارا هائلا في ظل استمرار للحصار ومعاناة للشعب الفلسطيني، وانقسام كارثي ، وهذا يدعو الجميع فصائل وقوى الى تجاوز هذه الاتفاقية ومعالجة تداعياتها وآثارها الكارثية، وإعادة بوصلة النضال إلى مسارها الصحيح.

واليوم امام الانتصارات التي تحصل على مستوى المنطقة بعد ان فشل الربيع الامريكي العربي والفوضى الخلاقة والشرق الاوسط ، نتيجة عزيمة المقاومة فكان انتصار القدس والمسجد الاقصى تأكيدا حيا على ارادة الشعب الفلسطيني ووحدته ،وبعدها شكل انتصارجرود عرسال وجرود بعلبك والقاع والقلمون على الحدود اللبنانية السورية، وصولا الى دير الزور نقطة تحول مهمة في مجرى الصراع حيث توحدت جبهة الصراع من فلسطين وصولا الى كل المنطقة بمحور مقاوم في اطار قيام جبهة شعبية عربية مقاومة .

نقول ذلك لاننا انتظرنا وعود السلام الزائفة والكاذبة من مدريد المحطة الأكثر حسماً في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث اعترض عليها كافة الفصائل والقوى الفلسطينية بقوة ، الى محطة اوسلو ، وما انتجها المسار من اتفاقات على الصعيدين الفلسطيني والقومي دفع النضال الوطني الفلسطيني الى قلب مرحلة نوعية جديدة، ما بات يفرض الوقوف العميق والجدي امام مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقراءة التجربة بكل عناوينها الأساسية، قراءة علمية ونقدية، لتتم الاجابة الصريحة عن الأسئلة الكبرى التي تواجهها كل الحركة الوطنية الفلسطينية، وكل مفكر فلسطيني، ان هذه الأسئلة تحتاج الى معالجة خاصة، لتحديد المقدمات والأسباب التي اوصلتنا الى ما نحن فيه.

وفي ظل هذه الاوضاع نؤكد على ضرورة رفض ما يحاك اليوم من مؤامرة تحت يافطة المؤتمر الاقليمي ، ونؤكد مجددا ان على منظمة التحرير الفلسطينية رفض كافة الضغوطات ، لأن قضية فلسطين ليست قضية شكلية ، لهذا يجب التمسك بخيار الوحدة والانتفاضة والمقاومة وترتيب البيت الفلسطيني ، لإن قضايا الشعوب الكبيرة والعادلة ورغم مضي سنوات كثيرة عليها لا تضيع بالتقادم, ولن تكون نسياً منسياً بسبب تضافر قوى إقليمية ودولية على طمسها, وقضية الشعب الفلسطيني هي قضية القضايا, إنها قضية العصر والتي لن تغيّبها المؤامرات الدولية والإقليمية, ورغم كل العراقيل

والصعوبات التي تواجه الشعب الفلسطيني , ستبقى قضية فلسطين وعدالة مطالب شعبها سيفاُ مسلطاً على الضمير العربي والإسلامي والدولي.

إن الصراع الشامل والمفتوح والتاريخي مع الاحتلال الصهيوني وكيانه البغيض لن يتوقف إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والعادلة للشعب الفلسطيني, وأن قضية فلسطين بكل تجلياتها وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية ستبقى جوهر الصراع العربي الصهيوني حتى تزول الأسباب الحقيقية لهذا الصراع بضمان كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال.

من هنا نحن نرى في ذكرى اتفاقية اوسلو، بانه يجب إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في الحالة العربية ، وهذا يستدعي إعادة تكريس البعد القومي للقضية الفلسطينية ، لأن هذا الموضوع أصبح الآن ضرورة ملحة لحماية الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وبما يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في مواجهة الاستراتيجية للحركة الصهيونية، وعلى العرب ان يعلموا ان سياسة تقطيع أوصال الأمة، وعزل قضاياها عن بعضها البعض, كانت هدفاً صهيونياً دائماً وصولاً إلى ما تتعرض له المنطقة بهدف الاستفراد بالشعوب العربية وفرض الهيمنة عليها، وقضية فلسطين هي الأساس والتي عملت الصهيونية على فرض اتفاقيات (أوسلو) والتي لم تحقق الحد الأدنى من مصالح وحقوق شعب فلسطين.

لذلك اصبح من الضرورة العمل على انهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني ، وهذا يتطلب الاسراع في عقد المجلس الوطني الفلسطيني للخروج باستراتيجية وطنية وانتخاب لجنة تنفيذية وتفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، لأن المنظمة هي العنوان والكيان السياسي الموحد لكل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج, و التمسك بخيار المقاومة ضد الاحتلال ، والذهاب بملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بعقد مؤتمر دولي بحضور جميع الاطراف للوقوف أمام مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة و خاصة القرار الاممي (194) هذا القرار مازال قراراً دولياً يحظى بالدعم والتأييد والمساندة الدولية ودورات الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي تكرس هذا القرار سنوياً دليل ذلك.

ختاما : لا بد من القول بعد اربعة وعشرون عاما على اتفاق اوسلو سيئ الصيت ، الذي قسم الصف الوطني الفلسطيني.. وما زلنا نعيش تداعيات هذا الانقسام، الذي أدى إلى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عقوداً إلى الوراء، في الوقت الذي تشكل فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية، الشرط الأهم لانتصار الثورة ونيل الحقوق الوطنية، مما يتطلب التصدي للاحتلال الصهيوني، كعدو رئيسي وأساسي، وترجمة هذا التصدي عبر برنامج محدد ومتصاعد بما يشمل ادامة المواجهة وتصعيد المقاومة بكل الوسائل والأساليب بمواجهة الاحتلال، والتمسك بعروبة القدس والدفاع عنها ورفض التوطين والتطبيع، والتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي