قبل كتابة هذه المقالة والتفكير الدائم في الايقونة الحركية كيف كانت وكيف أضحت وما هو مستقبلها أمام المعضلات التي تواجهها على المستوى الداخلي أكثر منها على المستوى الخارجي، أخذنا الزمن إلى عام 1971 وإذا لم تخني الذاكرة في شهر 4 سنة 1971 وكنت برفقة البطل والمفكر العربي القومي الفتحاوي الدكتور محجوب عمر، تناقشنا كثيرا حول السيناريوهات والآليات التي خرجنا منها من الحسين إلى الأشرفية، ومن ثم إلى القطاع الأوسط منطقة السلط رميميم وانسحابنا من جديد إلى جرش إلى القطاع 201 ومن ثم إلى بلدة خشيبة المجاورة لحدودنا مع فلسطيننا المحتلة، عندما تناقشنا كثيرا لخص الدكتور محجوب عمر أسكنه الله فسيح جناته، قال لي يا.. الاسم الحركي، فتح تحتاج ثورة في داخل فتح.
فكرت عميقا في هذه الجملة وكيف يمكن الخروج من المأزق المتتالي والمتوالي زمنيا في هذه الحركة التي بدأت بالبندقية ثم المدفعية ثم الصاروخ والرشاشات المتوسطة والثقيلة إلى أبواب المفاوضات من تحت الطاولة مع العدو الصهيوني منذ عام 1978 وخزعبلات الحل المرحلي الذي بدأ بطرح يساري ثم تبنته حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطيني إلى النقاط العشر.
منذ ذاك التاريخ كثير منا كان يقول وفي كل منعطف تمر به الثورة و بدون تقييم ودراسة كنا نقول ان فتح تحتاج ثورة بداخلها، فلا مؤتمرات تشفي الغليل، ولأنها تخرج عن الشفافية ومن يقود لا يسمح لغيره أن يحتل موقعه ولا يجوز الإعتماد على أشكال الديمقراطية المعمول بها في الحركة ولأنها لم تأخذ الشفافية يوما ما، بل القوائم والمرشحين حكرا في لقائد الحركة أو أمين سرها، وكذلك أعضاء الثوري واللجنة المركزية، وتعد المناطق والأقاليم بمعادلة حسابية ترضي توازنات معينة في داخل تلك الحركة.
منذ ذاك اليوم إلى يومنا هذا نقول أن حركة فتح تحتاج إلى ثورة بداخلها، ربما كثير من الثورات الداخلية التي تزيد عن أربع محاولات أو خمس محاولات لإنتفاضة داخلية فيها فشلت لأوضاع داخلية وروافد إقليمية أيضا.
ولكننا نستطيع القول أن أسوأ مرحلة تمر بها حركة فتح هي التي تمر بها الآن من تشتت وانفصام عن برنامجها الأصيل وانقسامات سواء داخل التيار الرسمي واللجنة المركزية التي يستفيد منها رئيسها الديكتاتور بعقليته النرجسية ليفعل ما يريد ويخطط ما يريد ويجلب فلان وينحي فلان ويوعز فلان، وهو الآمر والناهي إلى لجنة مركزية تقتات من عطفه عليها، افصلوا فلان وضعوا فلان في المكان الفلاني، هذا هو حال حركة فتح الذي انقلب حالها بشكل مغاير تماما لمبدأ انطلاقتها.
الجميع يفهم كيف انطلقت الرصاصة الأولى وأين توجهت ولماذا توجهت إلى عمق الأرض المحتلة، والآن والشكل المغاير كثير من الحركيين أصبحوا أسرى لنرجسية الفرد وحكمه وعطاءه وهبته وكرمه وراتبه ورتبته أصبحوا مقتنعين ضميريا بأن فلسطين هي الضفة الغربية وغزة ومنقوص منها أيضا، لم تعد في الذاكرة النضالية لهؤلاء ولمن تبعوهم من الأجيال الجديدة ذاكرة الإنطلاقة الأولى وعوامل إنطلاقتها والمتغيرات التي صاحبتها، لم يعودوا يذكرون أن فلسطين من النهر إلى البحر ولا دولة يهودية ولا صهيونية، بل هناك دولة فلسطينية عربية من النهر الى البحر ومن الشمال إلى الجنوب.
ولذلك أمام فتح معضلة كبيرة مع أبنائها أولا قبل أن تكون مع أبناء شعبها، وهي الثقافة الوطنية جوهرها وخريطتها ومربعها، معضلة نضالية عندما تتغير الحقيقة بخيال غيبي يختال على الحقيقة حينما تدفن حقيقة خروج هذه الحركة من بطن الشعب لتحرر شعب وأرض ووطن.
سميح خلف