في الذكرى الخامسة والثلاثون لإنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، نتوقف امام تضحيات ونضال الجبهة واحزابها وبطولاتها في مواجهة العدو الصهيوني على لبنان.
واليوم عندما نتحدث عن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمّول) وحركة امل والحزب القومي ومنظمة العمل الشيوعي والناصري ، نتحدث امام حقبة بطولات ضد العدو الصهيوني ، ونحن لن ننسى البيان الاول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول 1982 ، في بيت الشهيد كمال جنبلاط في المصيطبة والذي وقع عليه كل من جورج حاوي ومحسن إبراهيم، وانعام رعد ، ومن ثم بدأت كل القوى الوطنية بالإنضمام الى الجبهة وشارك الجميع في مقاومة العدو الصهيوني كل بحسب قدرته، ولكن تحت راية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وبدأت العمليات ضد العدو والتي اتصفت بالبطولية، ففي ٢٠ أيلول، نفذت العملية الأولى وكرت السبحة في بيروت وعاليه وبحمدون والشويفات والجنوب والبقاع الغربي. استخدمت المقاومة أشكالا عدة في مقاومتها للعدو الصهيوني ،ولم تكن المقاومة وقتها عسكرية فقط، بل كانت مقاومة شعبية أيضا، من المواجهات الفردية والانتفاضات المتفرقة، ونحن هنا لن ننسى الدور العظيم للشهيد القائد جورج حاوي امين عام الحزب الشيوعي اللبناني، ومحسن ابراهيم امين عام منظمة العمل الشيوعي ، والشهيد الامين انعام رعد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي بزوغ فجر المقاومة الوطنية ، يومئذٍ أُطلق الرصاص على الجنود الصهاينة قرب صيدلية بسترس في منطقة الصنائع ومحطة ايوب وكورنيش المزرعة و عملية "الويمبي" الشهيرة في شارع الحمراء في بيروت التي نفذها المقاوم خالد علوان عضو الحزب السوري القومي الاجتماعي ، ثم كرت السبحة الى الانتصارات الممتالية والتي كان فيها الفضل للمقاومة الاسلامية والوطنية بقيادة حزب الله .
وهنا لا يمكن ان ننسى الدور العظيم للثورة الفلسطينية وفصائلها التي كانت المولود الطبيعي من رحم المعاناة بعد ان غزت الجحافل الصهيونية ارض فلسطين لتحتلها، وتطورت المقاومة الفلسطينية وتطورت عملياتها العسكرية واستطاعت ان تلحق الاذى بالعدو، وقد قدمت المقاومة خيرة الشهداء في حرب طاحنة ضد العدو، وبفضل هذه المقاومة اعترف العالم بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وبفضل هذه المقاومة استطاع قائدها ياسر عرفات الوقوف على منبر الجمعية العمومية للامم المتحدة عام 1974، مخاطباً رؤساء العالم: جئتكم بغصن الزيتون وبندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي.
وعندما نقف امام التاريخ النضالي لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في السادس عشر من ايلول بعد صمود اسطوري للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وافواج المقاومة الوطنية امل، لمدة ثلاثة اشهر بمواجهة الغزو الصهيوني للبنان صيف عام 1982 ، وخروج قوات الثورة الفلسطينية ، كان الرد من قبل جبهة المقاومة على مجزرة العصر صبرا وشاتيلا ، فكان 20 أيلول
1982، حكاية مقاومة، حكاية مجد و بطولة، وحكاية شعبٍ يأبى الاحتلال وعملائه الخونة والذل والإهانة، وإذا كان هذا التاريخ محطةً لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فإن الحكاية تبدأ قبل هذا التاريخ حيث عمد التلاحم بالدم اللبناني والفلسطيني بالكثير من المعارك من ثورة 36 مرورا بنكبة 1948 ،وصولا الى انطلاقة الثورة الفلسطينية وتواجدها في لبنان وتعزيز العلاقة مع الحركة الوطنية اللبنانية ، فهذه العلاقة تبدأ من فلسطين، فلسطين التي تخلّى عنها بعض العرب، وباعها من خلال علاقاته التجارية والسياحية والتطبيعية ، ولكن الشعوب ظلت بإيمانها وإرادتها بابقاء فلسطين حتى لا تنطفئ جذوتها، فعشقت ارضها واكدت التزامها بالقضية، ونحن على يقين بأن افكار القادة العمالقة الذين استشهدوا تركوا بصماتهم التي تفتخر بها الاجيال رغم ما تعيشه اليوم المنطقة من هجمة امبريالية وصهيونية واستعمارية ورجعية وارهابية تكفيرية ، الا انهم لم يغيروا بوصلة الشعوب باتجاه فلسطين .
نعم نقول ذلك ونحن نعلم ان الشعوب العربية هم أسطورة العشق الأزلي لأبناء فلسطين الذين يتسلقون أسوار المجد كفراشات ملونة ، يشرعون صدرهم للرصاص ، يختلطون بالتراب ، ليس لأنهم يكرهون الفرح ونبض الحياة ، بل لأنهم يدركون محاكمة الأم الرحيمة والحنونة القاسية التي لا تسمح بإهانة تراثها المقاوم ، ولا ترخى ظفائر ليلها أو شلالات شعاعها على ظلم أو رضوخ، ونحن نؤكد ذلك في غياب مناضلين ومقاومين عشقوا المقاومة ولبنان وفلسطين ، استطاعوا أن يتخطوا الحدود وفي طليعتهم جورج حاوي ومهدي عامل و الشهيدة يسار مروة وانعام رعد وسناء محيدلي وخالد علوان، فكان لا بد من التضحية والفداء ليس كرهاً بالحياة بل تعبيراً عن حبهم لهذه الحياة اضافة الى قوافل الشهداء من لبنانيين وفلسطينيين الذين انخرطوا في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي جاءت نتيجة النضال المشترك للقوى الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني على لبنان ،هذه المقاومة، التي سطّرت ملاحم البطولة والعزّة والكرامة، والانتصار تلو الآخر، ما كان لوهجها أن يكتمل، ولا لعملياتها أن يكتب لها النجاح، إلا بفعل عوامل عديدة أوّلها إرادة المقاومين الصلبة وبطولتهم المؤيدة بصحة الفكر والمبادئ ، والدعم الكامل الذي تلقّته من خلال الاحتضان الشعبي الذي أعطى الكثير من الزخم والدفع لتواصل عمليات المقاومة الوطنية والاسلامية البطولية التي تتالت وتراكمت نتائجها حتى تحقّق الانتصار الكبير في 25 أيار 2000، وتحرّر القسم الأكبر الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، حيث كان صدى عمليات جبهة المقاومة يتردد في كل أنحاء لبنان والمشرق، رغم ضعف الإعلام الرديف لها، بل إن أخبار انتصاراتها وصلت إلى شعوب المنطقة وأحرار العالم ، باعتبار انتصاراتها شكلت الرد السريع لهزيمة لم تكن سهلة، في حرب اعتقد الكيان الصهيوني أنها ستكون نزهة فجر اذلال الهزيمة على ايدي ابطال المقاومة وقادتها ، الذين صاغوا الانتصارات من نصر الى نصر وجمعتهم نعمة الشهادة والاستشهاد بمواجهة العدو ، فكانت شراكة الدم في ميزة استشهاد القادة رمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية القائد جورج حاوي الى سيد المقاومة عباس الموسوي الى سنديانتها القائد محمد سعد الى نورها سناء محيدلي الى عمادها قائد الانتصارين عماد مغنية الى مناضليها الذين رووا تراب لبنان مع ابطال الجيش اللبناني وباستشهادهم كتبوا مسيرة التحرير ، لتشكل هذه الظاهرة النوعية في تاريخ الشعوب العربية تجسيدا
حيا للمعاني الكفاحية في النضال من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وواجبا وطنيا وثوريا التزمه المناضلون الذين شقوا طريق الكفاح وبنوا صرحا من البطولات ، ورسموا فيه اسلوبا جديدا في النضال وما زالت العيون شاخصة باتجاه تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة.
ان الشعوب التي تصنع الانتصارات والتي قادها عظام وفي مقدمتهم الرئيس الخالد جمال عبد الناصر واحمد بن بيله وهواري بومدين وعمر المختار والرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس والحكيم جورج حبش وانطون سعادة زعيم القومية ورمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جورج حاوي وسيد الشهداء عباس الموسوي ومعروف سعد وكمال جنبلاط ومحمد سعد وغيرهم من القادة ،المؤمنين بوحدة الهدف والمصير،المؤمنين بأن هذه الشعوب يجب أن يكون لها مكانة لائقة بين الأمم، ستبقى أمة عزة وكرامة ،أمة رغم كل حالة الانكسار والهزائم قادرة على النهوض والتوحد،قادرة على قبر وإفشال مشاريع الفوضى الخلاقة،مشاريع تفتيت الوطن العربي واستباحة جغرافيته، أمة ستفشل مشاريع الشرق الوسط الكبير والجديد الامريكية، ولن تقبل هذه الشعوب بوجود كيان عنصري واستمرار احتلاله للأراضي العربية،وبأن تكون العصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا في ضرب حركة التحرر العربي وقواها الثورية.
وامام هذه المناسبة الوطنية العظيمة نقول لا بد من تفعيل نضال قوى المقاومة عبر تحشيد الجماهير وإعادة تحديد الهدف بمواجهة الهجمة الامبريالية الصهيونية الاستعمارية الرجعية ، وادواتها القوى الإرهابية والظلامية التي ترتكب افظع الجرائم اضافة الى التدمير والتشريد والتهجير والتعدي الممنهج على الحضارات والاماكن الاثرية التاريخية ، اذا لا بد من مخاض ثوري عربي يستكمل مشروع المقاومة في مواجهة ما يحاك ضد المنطقة والقضية الفلسطينية ختاما : إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية سجلت صفحات من المجد، والتضحيات، وابقت قضية فلسطين القضية المركزية للأمة العربية ، حيث استخلصت الدروس من اجل تعميمها على الأجيال الجديدة حتى لا تفقد البوصلة وتذهب بالاتجاهات المعادية لحركة التاريخ وحركة الشعوب المتطلعة إلى العدالة والحرية والديمقراطية.
بقلم/ عباس دبوق "الجمعة"