رسالة للضميري، فلتقل خيراً أو فلتصمت

بقلم: فهمي شراب

استقبل الشعب الفلسطيني و خاصة في قطاع غزة بنوع من الفرح المشوب بالحذر الأخبار السارة التي وردت من القاهرة بشأن قرب إنهاء الانقسام، وملأه التفاؤل بسبب طبيعة المعطيات الجديدة هذه المرة، والتي اختلفت عن السابق، حيث مارست القاهرة دورا متوازنا حكيما رياديا على الطرفين. وكان للتفاهمات بين النائب محمد دحلان وتياره العريض، دورا كبيرا في جعل أبو مازن يقوم باستدارة كاملة نحو حماس وقطاع غزة، كما ومن ناحية أخرى، أدى تقدم العلاقة بين مصر وحماس لمرحلة غير مسبوقة، إلى خشية أبو مازن من ان تفوته الفرصة ويخسر ما تبقى من رصيد علاقاته مع مصر  ودول أخرى، فاضطر أن يتماشى ولو إعلاميا مع هذه المتغيرات والتي واضح أنها كانت ستتجاوزه وتختزل دوره كمراقب لا يملك من أمره شيئا.

 كل ذلك اجبر أبو مازن للاستجابة لهذه المعطيات وخاصة ان السلطة تعاني من أزمة مالية مأزومة، وأيضا تعاني من تصدع في علاقاتها مع كثير من أطراف النظام العربي الإقليمي، والذي طبعا له دورا مؤثرا في القضية الفلسطينية بجميع مواضيعها. وفي هذه العجالة، وفي الوقت الذي وددت التأكيد اننا كشعب يقبع في حصار منذ 11 عاما، اشرأبت الأعناق فرحة لهذه الأخبار، وطارت القلوب إلى القاهرة داعية ان يكلل كل هذه المجهودات بالنجاح، خرج علينا بعض الشخصيات التي دأبت على توتير الأجواء، وتكفير الخصوم وزندقتها، او إخراجها من ثوب الوطنية، أمثال عدنان الضميري، الذي من المفترض يكون متزنا وحكيما ومراقبا، فهو ناطق باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، فما الذي يجعله يتدخل في أمور السياسة؟ او ينصب نفسه اعلاميا في كل الامور الحياتية؟ فالضميري رجل أمن لا يجب ان يتدخل في الحياة السياسية، فهو رجل تنفيذي، لا تشريعي ولا محلل سياسي وليس مطلوب منه ان تكون لها رؤية سياسية تضاهي علماء السياسة، لان ما قاله هو إعلان موقف مسبق من المصالحة المعنون بالرفض، فعندما يقول على لسان السلطة كلها ان : السلطة لن تقبل بسلاح مواز للسلطة وحتى وان استظل بظل المقاومة، فهو يدلل على انه غير ملم ومدرك بطبيعة الجغرافية والحدود وطبيعة ما وصلت إليه غزة وأهمية المقاومة وتطورها وأهميتها الوجودية  بالنسبة لحماس.

كما ان إعلانه المسبق بان الحكومة لن تكون قادرة على استيعاب 40 ألف موظف، هو إعلان فشل للمصالحة، وكشف عن نية أبو مازن وحكومة الوفاق، والسلطة الفلسطينية، بانها لن تنجز هذا الملف، وهو ملف خطير ووجودي بالنسبة لحماس، لان موظفين حماس هم رأس حربتها في أي جسد حكومي قادم. ولن تتنازل حماس عن موظف واحد

كما أن سؤاله: هل تستطيع الحكومة أن تضمن ولاء عناصر أجهزة أمنية لها ولاء حزبي؟ فهو سؤال تفخيخي  يفجر أساس التفاهم أو التقدم في هذا الملف، ويكشف عن عدم جدية السلطة الفلسطينية. فهي تريد أن تضبط إيقاع النبض الحمساوي فجأة على ساعة السلطة الفلسطينية, وهذا مستحيل، التحول في دمج الموظفين وجعلهم صفا واحدا يأتي من خلال تقديم الخدمات والرواتب من طرف السلطة الفلسطينية للجميع، ومن يثبت مخالفته او عرقلته للعمل يتم التعامل معه كحالة وليس كموضوع او ظاهرة..

وأخيرا، عبارته بان " الواقع المجنون في غزة غير قابل لحلول الترضية و حلول الوسط" يكشف عن استمرار في منهج الإقصاء والاستئثار وعدم قبول الواقع كما هو، وينفي إمكانية السلطة في تبني منهج الاستيعاب التدرجي للوصول للمسؤولية التامة.

لقد أنجز دحلان في غزة و في وقت قياسي كثير من الانجازات وهو خارج  السلطة وأيضا محارب من قبل الأخيرة، ضمن منهج سليم في تفهمه لطي صفحات الماضي والتقدم بدون تلكؤ نحو إخوة الوطن في غزة بجميع الألوان السياسية والحزبية، وهو نموذج يحتذى، فهل تعجز السلطة بإمكانياتها وسلطانها وقدراتها وشرعياتها العريضة أن تقوم بما قام به دحلان فقط؟

فلتقل خيرا أيها الضميري أو فلتصمت، اجلب الامن للضفة اولا، ودع السياسة التي تفتقد انت الى فهم ابجدياتها التي تشمل الانفتاح على الاخر والمشاركة السياسية، وعدم اقصاء الاخر. قبل أيام قلت انت بنفسك انك منزعج من الشخصيات التوتيرية، التي ترفض المصالحة، وها انت تتناقض و تقع في نفس هذا الفخ، بكلماتك التوتيرية الفتنوية، وتكشف عن مكنونات صدرك بأنك ترفض المصالحة،  نحن لا نعيش مثلك في ثراء وترف ومقدرات سلطة مفتوح عليها أبواب الدعم كله، نحن نعيش حصار ولا نملك قوت يومنا، نريد الحياة كما أرادها محمود درويش، ونرتقب المصالحة بكل جدية في غزة.

كتب: فهمي شراب

[email protected]