التعالي على الوحدة بالحب والقصيدة قراءة في قصيدة للشاعر التونسي محمد الحمدي

بقلم: مادونا عسكر

النص
وأنت وحيده..
وأنت مسهدة في الليالي الشديده..
أجيئك سرا..
وراحلتي الوجد..
والشوق..
والذاريات العنيده..
وفجرا أكون كما الطائر الأخضر حذوك..
أغنيك موال حب..
وأنثر حولك حبا وردا..
وأهديك نايا يبدد وحشتك وقصيده..
وأنت وحيده..
وأنت معذبة في الفيافي البعيده..
أجيئك عند المساء..
أجيئك كالنورس المتنائي..
وأمنحك كي تطيري جناحي..
ويا روح روحي..
نشق الفضاء معا في اتجاه الأقاصي الجديده..
القراءة
يمنح الشاعر نفسه في هذه القصيدة رتبة المخلص، مخلص المحبوبة من وحشة الوحدة. وللمخلص ميزات خاصة تتسم بالقدرة على بذل الذات حتى المنتهى دلالة على الحب الفائق التصور، ومواجهة الموت إعلانا للحقيقة. ما يبدو جليا للقارئ إذا ما تبين عشق الشاعر المتمدد في الزمان والمكان. فهو حاضر في كل وقت، ومستعد للحلول في أي مكان. ينقاد بالحب والشغف لفعل الخلاص.
الوحدة شكل من أشكال الأسر، يتولد فيها الحزن والقلق والاضطراب والشعور بالخوف من المجهول نتيجة الشعور بالإهمال والنبذ. ولا ريب أن هذه المشاعر تختلج في قلب الشاعر نفسه، فهو شعور موحد بينه وبين محبوبته. يتماهى معها ويدرك عمق قلقها الذي يجتاحه الصمت وأنت وحيدة، والذي ينتظر رفيقا أنيسا ليخرج من عزلته وأنت مسهدة في الليالي الشديده...
الشاعر المخلص متوغل في العشق، مناضل من أجله. لا يتباكى ولا يتخاذل وإنما يخوض غمار هذا العشق ويجود بالعطاء ويغدق إنسانيته حبا في سبيل انتشال المحبوبة من وحدتها.
أجيئك سرا..
وراحلتي الوجد..
والشوق..
والذاريات العنيده..
يحدد الفعل أجيئك حضور الشاعر القوي المتحسس لتفاصيل حالة الوحدة، والمدرك للفراغ القاتل الذي قد يؤدي إلى التبدد والتلاشي. فالمجيء سرا قد يعبر عن تواضع، ولكنه من المؤكد أنه يدل على صلابة الشاعر وثقته بنضاله وعزمه على المضي في فعل الخلاص. يحمله الشوق والوجد، العنصران الأساسيان في القدرة على بذل الذات. ولما كان المجيء ليلا، فليكون كالنور المرشد الذي يشق الظلمة، ويبددها، فيقود محبوبته إلى خيوط الضوء الأولى
وفجرا أكون كما الطائر الأخضر حذوك..
أغنيك موال حب..
وأنثر حولك حبا وردا..
وأهديك نايا يبدد وحشتك وقصيده..
الشاعر المخلص يحقق الحرية لمحبوبته ويمنحها آفاقا أرحب من المكان المحدود. وما الأفعال أغني أنثر أهدي إلا انعتاق من العالم الموحش والانطلاق إلى عوالم الجمال والحب والحرية، دل عليه الناي كعنصر روحاني، ضارب في عمق الوجدان. يرنو إلى التعبير عن الغبطة والابتهاج المتولدتين من فعل الحب والمرافقتين لعنصر الجمال، القصيدة. الناي هو الشاعر والشاعر هو الناي الذي يرمز إلى التوق إلى الأعالي، فيهدي محبوبته نايا وقصيدة ويرتقي بها ومعها. وإن دل الناي على الفرح، متجاوزا دلالته المعهودة على الحزن، فالقصيدة تدل على الوحي والإلهام. ما يعني أن شاعرنا يبحث عن حرية أبعد من المحدود والمنظور، ويهدف إلى تحقيق خلاص يسمو بمحبوته إلى الكونية.
أجيئك كالنورس المتنائي..
وأمنحك كي تطيري جناحي..
إن الشاعر متيم بمحبوته حد الجنوح إلى التضحية والانغماس في العطاء. والتضحية تحمل في تركيبتها شيئا من الحرمان. لكن الشاعر يستخدم فعل منح ليعبر عن حب مجاني لا ينتظر مقابلا، يهب من خلاله ذاته المتماهية مع المحبوبة يا روح روحي.
ولئن كان الشاعر يتطلع إلى حرية كونية وخلاص شامل ونهائي، يعلن عن قدرة على خلق عالم جديد، أرحب وأغنى من عالمه الحاضر، وأسمى من الوجود باتجاه الأقاصي الجديدة.

مادونا عسكر لبنان