لم يعرض نتنياهو اي خطة لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ولم يتحدث عن حل الدولتين ولم يولي اي اهتمام خلال كلمته في الامم المتحدة لأي مرجعيات يمكن على اساسها ان يتحقق السلام لكنه قدم السلام مع العرب على السلام مع الفلسطينيين في اشارة الى ان اسرائيل تريد سلاما على اساس نظرية التطبيع اولا والسلام يتحقق للفلسطينيين من خلال هذا التطبيع ترامب ايضا لم يتحدث عن تحقيق السلام ولم تكن قضية السلام في المنطقة تحتل مساحة كافية في حديث الرجل تتناسب مع حجم الملف الذي يظل الملف الاول والاكبر في جملة ملفات المنطقة وهنا طغي ملف ايران وكوريا الشمالية على كافة الملفات وتوعد ترامب ما اسماه التطرف الاسلامي بحرب مستمرة وضارية بالإضافة لكل الدول التي تدعم هذا التطرف قد يكون بقصد ابتعد عن ملف الصراع وقد يكون بقصد دعم اسرائيل من خلال الحديث عن ضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة، وتلميحاته في ذلك إلى ان مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة والذي وجه انتقادات متكررة لإسرائيل لانتهاكها حقوق الفلسطينيين.
هنا جاء خطاب الرئيس ابو مازن يحمل لغة متزنة وحادة نوعا ما يدلل على غضب الرئيس ابو مازن من الجميع الامم المتحدة وامريكا واسرائيل هذا ما دفع ابو مازن ليتحدث بلغة الجلد للضمير الدولي والتحذير لإسرائيل في ذات الوقت من تماديها في ممارساتها الاحتلالية والاستيطانية والتنكر لحل الدولتين ابو مازن حمل المجتمع الدولي مسؤولية ما يجري في فلسطين بل مسؤولية استمرار الاحتلال الاسرائيلي وتساءل اين الامم المتحدة في اشارة هامة لدور العجز المقصود للتدخل وانهاء الاحتلال ابو مازن تساءل عن الامل بعد اوسلو والذي يعتبر املا مفقودا لان اوسلو لم تحقق السلام وتوقفت منذ العام 1999 كما طالب الرئيس اسرائيل بالاعتراف المتبادل والذي لم يتحقق على مدار 24 سنه من مسيرة السلام العقيمة ابو مان بين ان الحاضنة الخطيرة لإعمال العنف هو الاحتلال الاسرائيلي وان استمرار هذا الاحتلال يعتبر وصمة عار في جبين اسرائيل والمجتمع الدولي .
الرئيس ارسل رسالة قوية لكل من اسرائيل والمجتمع الدولي وحتي الامريكان بان لا جلوس على طاولة المفاوضات الا باعتراف اسرائيل بحل الدولتين ووجه تساؤله لكل من اسرائيل والمجتمع الدولي عن عدم قبول مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق و المبادرة الفرنسية كمرجعيات لأي عملية سلام قادمة وهذا يعني ان اسرائيل لا تفكر في كل المشاريع او المبادرات التي طرحت حتى الان الرئيس قال للعالم ان اسرائيل مازالت تمارس الاستيطان المدمر وهذا يعني انها تتنكر وبإصرار للسلام وطالب المجتمع الدولي بالانتباه لما تمارسه اسرائيل في القدس لأنه هذا يؤجج مشاعر العداء الديني وحذر من ان اسرائيل يمكن ان تحول الصراع الى صراع ديني وهنا وجه تحذير واضح لإسرائيل وحكومة نتنياهو من العبث بالمسجد الأقصى ومحاولة تغير الوضع القائم وقال للعالم ان لا عداء على أي اساس مع الديانة اليهودية بل العداء مع اسرائيل كدولة احتلال تمارس الاحتلال منذ اكثر من ستة عقود ومازالت ترفض الانصياع للقانون الدولي لذي هو خيارنا كفلسطينيين بل ان اسرائيل لم تحترم هذا القانون وهنا اشارة هامة بضرورة ان يلزم المجتمع الدولي اسرائيل باحترام القانون الدولي وان تتعامل مع الصراع من خلاله .
الرئيس ابو مازن رفض أي حلول منقوصة للصراع ورفض أي تكرار لأوسلو موسع و ان حل الدولة الواحدة لن ينهي الصراع واكد على استمرار النضال من اجل الحقوق الفلسطينية كاملة على ارض فلسطين التاريخية واكد على اصرار الفلسطينيين ايضا الحصول على الاستقلال الكامل وبالتالي اقامة دولتهم الفلسطينية الرئيس ابو مازن جلد ضمير المجتمع الدولي في اكثر من عبارة و كرر لومه الشديد للأمم المتحدة اكثر من مرة لان قوانينها وقراراتها مازالت تخترق بإصرار وترصد من قبل اسرائيل وهذا يعني ان هذه المنظمة الدولية مازال دورها غائب تماما عن مشهد انهاء الاحتلال وصنع السلام كما اتهم المجتمع الدولي باسره بانه سبب في تمادي اسرائيل في ممارساتها الاحتلالية وانتهاكاتها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني الاعزل هنا طالب الرئيس ابو مازن الامم المتحدة بالعمل بكل الطرق لأنهاء الاحتلال والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 كما طالب الامم المتحدة الاسراع في ترسيم حدود الدولة الفلسطينية و تسأل عن حدود اسرائيل بالمقابل كما وطالب الرئيس ابو مازن كل اعضاء الامم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وطالب بان يتعامل المجتمع الدولي مع الاستيطان بانه استعمار غير قانوني وبالتالي يتعامل معه كما تعامل مع النظام العنصري في جنوب افريقيا .
قد لا يكترث العالم كثيرا لجلد الرئيس ابو مازن لضميره الانساني لان ضميره تبلد ولم يعد يشعر بالآلام الاحتلال التي يشعر بها الفلسطينيين كنظام دولي رسمي لكن سوط ابو مازن بالطبع اوجع شعوب هذا المجتمع والشعوب الحرة التي شعرت بألم الفلسطينيين من الاحتلال وممارساته العنصرية وتنكره للسلام العادل لكن المهم ان ابو مازن جلد ضمير العالم بلغة العالم ومن فوق منصة المجتمع الدولي فلعل يوما ما تنجح شعوب هذا المجتمع في جلد ضمائر حكامها وضمير المجتمع الدولي ليستيقظ ويستخدم ما لديه من عناصر قوة لإلزام اسرائيل بإنهاء الاحتلال والانصياع للقانون الدولي والاعتراف بان اسرائيل دولة وكيان يمارس هذا الاحتلال الذي هو سبب عدم استقرار المنطقة باسرها بل وسبب حالة التطرف في العالم كله .
بقلم/ د.هاني العقاد