خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان خطاب مواجهة شاملة مع المجتمع الدولي الذي خلق إسرائيل، التي تحولت إلى وحش لا يردعه قانون أو شريعة، وكان خطاب مراجعة لكل المبادرات والقرارات والاجتهادات، ليصل الرئيس إلى استنتاج مدوٍ وهائل، لقد فشل كل شيء، إلا الاحتلال، الذي يتكرس على الأرض الفلسطينية، والذي يُراد منا أن نتعايش معه أو نقبل إعادة انتاجه أو شرعنته، والذي يطلب منا – بدعم من الآخرين – أن نقبل وصايته وروايته وقوانينه العنصرية.
خطاب الرئيس كان خطاباً للوحدة الوطنية أيضاً، فقد قدّم الرئيس في هذا الخطاب ما يؤسس لإجماع وطني كافٍ لعقد المجلس الوطني وللمصالحة ولمواجهة المرحلة المقبلة التي أصبحت أكثر غموضاً وشدة.
خطاب الرئيس محمود عباس فضح الاختفاء وراء الكلمات، وفضح المواقف الرخوة، وفضح المجتمع الدولي الذي لم يستطع أن يحمي قراراته أو يدافع عنها، وفضح ازدواجيته ونفاقه، ويمكن القول، إن الرئيس بهذا الخطاب، قد تحدى القوى الكبرى كلها، بالقول: إن أي حل لا يضمن قيام دولة على حدود الرابع من حزيران هي حلول فاشلة، ولا ولن يُكتب لها النجاح، فلا الضم أو الحكم الذاتي الموسّع أو أي طرح آخر – مهما بلغت قوة إغرائه – قادر على أن يُنسي الفلسطيني رغبته في الحرية والدولة وتقرير المصير، وقد عبّر الرئيس عن ذلك بكامل القوة والوضوح والشجاعة، لقد فشل كل شيء، ومازال الفلسطيني يدفع ثمن الأخطاء التاريخية والتكتيكية، والتحالفات والشعارات، وأنظمة العالم الباردة والساخنة، والأُحادية والمتعددة، فنحن قضية العالم الجديد الذي لم يجد حلاً حتى الآن.
خطاب الرئيس استند إلى الحقائق والواقع من حيث ما يلي:
1. رفض إسرائيل لأي نوع من التسوية، حتى تلك التسويات التي وقّعت عليها، وهذا يعني أننا نتعامل مع جماعة وليست دولة.
2. إن الفلسطينيين يدفعون ثمن كل مرحلة من المراحل، وهو ما يؤدي إلى الانفجار، والمسألة مسألة وقت.
3. خيارات الفلسطينيين لم تنتهِ ولن تنتهِ، ولا يراهن أحد على سكوتهم أو خضوعهم إلى الأبد.
كان خطاب الرئيس جامعاً وشاملاً في وضعه الخيارات والبدائل على الطاولة، كان واضحاً كل الوضوح عندما أشار إلى ما يلي:
1. إذا لم يكن هناك حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فعلى إسرائيل أولاً والمجتمع الدولي ثانياً أن يتحمل الصراع الديني أو الفوضى أو أي سيناريو آخر.
2. إذا لم يكن هناك حل يُرضي الفلسطينيين بإقامة دولتهم، فإن الصراع يعود إلى مربعه الأول، ليس على مساحة 22% من فلسطين، وإنما فلسطين كلها، فلسطين التاريخية.
3. الخطاب الذي لامس حدود التهديد، ليس بالضرورة أن يتحقق الآن، بل هو يضع السقف الأعلى الذي لا يمكن تجاوزه في أية تسوية قادمة.
4. إسرائيل تقود نظاماً يتجه بسرعة إلى أن يكون نظام فصل عنصري، وكما ظهر نيلسون مانديلا ذات يوم ودعمه العالم من أجل الخلاص من ذلك النظام، فإن إسرائيل عليها أن تنتظر مصيراً مشابهاً.
خطاب الرئيس كان شاملاً، فيه كل ما يريد الفلسطينيون أن يسمعوه ليبنوا عليه مستقبلهم الآتي، المتمثل في اجتماع المجلس الوطني، الذي سيكون من مهامه الأولى، مراجعة شاملة ومعمقة لكل التجربة الفلسطينية، مسترشداً بخطاب الرئيس الذي نعى – عملياً – اتفاق أوسلو، وبذلك، فإن الرئيس يعيد الأمر إلى الشعب الفلسطيني، مصدر السلطات ومصدر القوة ومصدر الشرعية، إن اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني – بعد الخطاب الذي وحّد المواقف كلها، ووفر الأساس لوحدة الموقف – سيشير إلى مكامن الخطأ، وإلى اتجاهات الصواب، الرئيس بهذا الخطاب فعل ما كان يُنتظر منه بالذات، وصدّق العالم أو لم يصدق، فإن الرئيس بهذا الخطاب قد تحدث إلى شعبه أولاً، قائلاً: أيها الشعب الفلسطيني، خذوا قراركم بأيديكم!!
وعليه، فإن على الفصائل الفلسطينية المختلفة أن تتخلى عن المناكفة أو الابتزاز أو الاشتراطات الصغيرة، وغير ذات الصلة، فقد قدم الرئيس الأساس للوحدة، وننتظر من الفصائل المختلفة أن تسارع إلى دعم هذا الخطاب من خلال مصالحة حقيقية، تؤدي إلى مجلس وطني فلسطيني فاعل، يؤسس لمرحلة جديدة من مواجهة المحتل ومن يقف وراءه.
بقلم/ د. محمد المصري